يعتقد خبراء عسكريون ان العراق عاجز عن دحر القوات الجوية والبحرية والبرية الاميركية التي حُشدت ضده. لكن مصدر الخوف الرئيسي لدى بعض المحللين العسكريين في واشنطن لا يكمن في قدرة العراق على الحاق الاذى بالقوات الاميركية او بجيرانه، بل في احتمال ان يسقط النظام البعثي في بغداد وتنزلق البلاد الى لجة الفوضى والتجزئة على اساس قومي مع عواقب مجهولة بالنسبة الى المنطقة كلها. ويقول مدير دراسات الشرق الاوسط في قسم الامن القومي والاستراتيجيا في الكلية الحربية التابعة للجيش الاميركي الدكتور سامي حجار، ان "المسألة لا تتعلق اطلاقاً بهزيمة عسكرية للولايات المتحدة التي قد لا تخسر حتى طائرة واحدة بنيران معادية". ويشير الى ان مخاوفه "تتعلق بدرجة اكبر بالجانب السياسي، واحتمال ان ينهار النظام فعلاً ويتفكك البلد. واذا حدث ذلك، كيف يمكن استعادة تماسك البلاد؟ لا احد يعرف كيف يجيب على هذا السؤال". اذا لم يذعن الرئىس العراقي صدام حسين ويلغي قراره وقف التعاون مع مفتشي اللجنة الدولية المكلفة ازالة اسلحة الدمار الشامل "اونسكوم"، لن يكون امام الولاياتالمتحدة اي خيار سوى ان تضرب العراق وتضربه بقوة. يقول حجار: "لا اعتقد ان الرئيس كلينتون داعية حرب يسعى الى قصف العراق دون اي سبب. ستكون هذه الادارة سعيدة اذا كان هناك حل ديبلوماسي. لكن ماذا تتوقع ان تفعل الولاياتالمتحدة؟ أن تذعن فحسب لمطالب العراق؟". ويلفت الى ان "صدام يضع الولاياتالمتحدة في وضع صعب للغاية. انه يمارس لعبة حافة الهاوية مع الولاياتالمتحدة. ربما تمكن من التملص في السابق، لكن يبلغ المرء نقطة يتعيّن عندها ان يقول: كفى، وكفى! اعتقد اننا بلغنا الآن هذه النقطة". وتكمن الصعوبة في تحديد الاهداف التي يمكن انتقاؤها لتحقيق الهدف المعلن، الذي يتمثل في خفض ترسانة اسلحة الدمار الشامل لدى العراق وتهديد جيرانه، من دون اضعاف سلطة الحكومة المركزية. ويقول الحجار ان "السؤال الحقيقي هو ما هي الاهداف التي تُضرب اخذاً في الاعتبار، بالطبع، الحرص على تجنب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين. لكن لا يمكن تدمير ما تبقى من اسلحة الدمار الشامل او حتى كل المنشآت التي تنتجها. فمن السهل تماماً تصنيع اسلحة كيمائية وبيولوجية في حيز صغير. لذا لا يمكن ضرب كل هذه المواقع. ما يبقى اذاً هو ضرب بنى القيادة والسيطرة الذي يمكن ان يزعزع استقرار النظام. اذا حدث ذلك، لن يسقط صدام حسين وحده بل ستنهار بنية حزب البعث كلها. كيف سيكون حينذاك عراق ما بعد البعث؟ اذا انهار البعث، ماذا سنرى عندئذ؟ دولة كردية مستقلة في الشمال؟ دولة شيعية في الجنوب؟ او هل يمكن ان نطمئن الى بقاء العراق كبلد مستقل وموحد كما تريد، حسب ما يبدو، الولاياتالمتحدة وكل البلدان المجاورة؟ تكمن الصعوبة اذاً حسب اعتقادي في كيفية ضرب بنية القيادة والسيطرة بطريقة موجعة من دون تقسيم البلد". في الصيف الماضي، عندما بدأ العراق فرض قيود على انشطة "اونسكوم"، عبّر مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى مارتن انديك في شهادة امام احدى لجان الكونغرس عن اعتقاده بأن المخاوف في شأن تقسيم محتمل للعراق مبالغ فيها، وان العراق دولة اكثر تماسكاً مما يُعتقد. بمعنى اخر، طمأن انديك عملياً اعضاء الكونغرس بأن العراق لن يتمزق. ويقول الدكتور حجار معقباً: "لا يمكن المراهنة كثيراً على ذلك"، مشيراً الى ان القيادة العراقية تواجه خطراً كبيراً على وجودها حالياً. "يمكن لصدام حسين ان يُنهي نظامه، مع كل ما يعنيه ذلك من عواقب محتملة تؤدي الى تفكك العراق، او يستطيع ان يعمل مع "اونسكوم" ويطلب منها ان تأتي وتنجز المهمة". لا يملك العراق اي خيارات عسكرية. وما يتوافر من بضع احتمالات ليس عملياً. هناك مثلاً امكان ان يتقدم الجيش العراقي بقوة في شمال العراق، وهو منطقة مشمولة بالحماية من قبل الولاياتالمتحدة وحلفائها وتقع عملياً تحت سيطرة تنطيمات كردية. وتبعد المنطقة كثيراً عن القوات الاميركية في الخليج، ما سيحد من قدرة الولاياتالمتحدة على التدخل، ويسحب بعض القوات بعيداً عن الاهداف الرئيسية للضربة الاميركية في بغداد وحولها في وسط البلاد. ومع ذلك، يرى حجار ان مثل هذه الخطوة لن تؤدي الاّ الى الحاق مزيد من الخسائر بالجيش العراقي. ويقول: "سيدفعون ثمناً باهظاً اذا فعلوا ذلك، او ثمناً اكثر كلفة. ويبدو لي انه سيكون قراراً آخر بالغ الحماقة من جانبهم. يستطيع صدام، بالتأكيد، ان ينتقم بارسال وحدات عسكرية الى الشمال، لكن هذه الوحدات ستكون مكشوفة تماماً وعرضة الى الهجمات الجوية. هكذا، سيكون ذلك عملاً انتحارياً". اما القيام بخطوة مماثلة في الجنوب، تجاه الكويت مثلاً، فانه سيمنح القوات الاميركية تفوقاً اكبر بالمقارنة مع التحرك في الشمال. ستبتعد القوات العراقية آنذاك عن مراكز الاسناد والقيادة وتقترب اكثر من القوات الاميركية. وستتعرض اي قوة عراقية تتحرك جنوبالبصرة في الصحراء المكشوفة الى الابادة تحت وابل من القنابل والصواريخ. هناك خيار اخير، يتضمن استخدام اسلحة الدمار الشامل. لكن مسؤولاً كبيراً في ادارة كلينتون، رفض الكشف عن هويته، تناول هذا الخيار في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 8 الشهر الجاري. وقال المسؤول: "اذا حاول صدام ان يستخدم اسلحة الدمار الشامل فانه ينبغي ان يعرف اننا سنمحو العراق". يُطرح اذاً السؤال، بحسب الدكتور حجار، انه اذا كان صدام حسين يواجه فعلاً خطر فقدان السلطة وفقدان البلد كله، لماذا لا يلجأ الى استخدام الاسلحة الوحيدة التي تزرع الرعب في قلوب اعدائه؟ لا يستطيع الدكتور حجار ان يقدم جواباً شافياً على ذلك، سوى ان يقول ان الزعيم العراقي "لا عقلاني"، وبالتالي فان اي شيء ممكن.