كم أحببنا في شبابنا من خلال شعر نزار قباني منذ "قالت لي السمراء" فكل كلمة من كلماته كانت وستبقى تحكي ذكرى حلوة من ذكريات أجيال بكاملها. ونزار رحمه الله كان يعشق الكلمة الجميلة والرومانسية وكلمات الحب الصادقة ولهذا كان يشجعني دائماً على متابعة كتابة الوجدانيات التي أنشرها في نهاية مقالي تحت عنوان "خلجة" وكتب لي مرة معلقاً عليها قائلاً: "أحبك دائماً حين تكون في حالة عشق، فأمطارك تبللني، وربيعك يحولني الى كائن أخضر، والى لوحة مرسومة بألوان قوس قزح. أدام الله عليك نعمة الوجد والصبابة، فلا قيمة لإنسان لا يعشق... واسلم يا أحلى عرفان أيها العاشق الأبدي!! ولا شك أن الأبجدية المميزة التي طبقت قصائده ومفرداته كانت تشعل نار الحب في القلوب ليس مجرد حب بين رجل وامرأة بل بين كل عربي وعربي وكل انسان، مع أهله وأقربائه وجيرانه ورفاق دربه واخوانه العرب في كل مكان. لا فرق طالما أن الحب هو السيد والمحبة هي عنوان العلاقة بين البشر، هذا الحب يعتبر نزار سيد شعره والمتربع على عرشه لأكثر من نصف قرن وهو حامل رسالة تقول: "الحب في الأرض بعض من تخيلنا / لو لم نجده عليها لأخترعناه" وقالت يا ولدي لا تحزن / فالحب عليك هو المكتوب!! ففي الوقت الذي كان فيه العرب يتراشقون بالاتهامات والشتائم وكلمات الحقد والكراهية النابية كان نزار وحده يتصدى لهم بصدره وقلبه الكبير، وينثر علينا قصائده ليعلمنا كيف يكون الحب وينتصر العشاق، ويصرخ فينا متحدياً "سيبقى الحب سيدي" ولا سيد قبله ولا سيد بعده. وفي الحالتين الشعريتين الإبداعيتين حالة الحب، وحالة الوطنية فإن نزار قباني ينفرد بتعابير وتشبيهات وأوصاف فريدة ولا تصدر عن غير نزار أبداً مثل: "خبأت رأسي عنده وكأنه طفل أعادوه الى أبويه" أو "تركت له يدي لتنام كالعصفور بين يديه" أو قوله: بيني وبين الشعب العربي ميثاق شرف عمره خمسون عاماً كل المواثيق الأخرى التي تحمل إمضاء أبي لهب أكلها اللهب حتى عبارات الحب مزجها نزار بالوطنية فصارت جزءاً لا يتجزأ من مفردات قصيدته مثل قوله: يا قدس يا حبيبتي غداً غداً سيزهر الليمون وتفرح السنابل الخضراء والزيتون أو قوله في الشام الغالية: آه يا شام كيف أشرح ما بي وأنا فيك دائماً مسكون حامل حبها ثلاثين قرناً فوق ظهري وما هنالك معين شام يا شام يا أميرة حبي كيف ينسى غرامه المجنون؟
خلجة: كنت أهرب باستمرار من لحظة الوداع ورهبة الخوف وأخيراً سقطت في التجربة وانتزعوا قلبي ليضعوه في محرك طائرة!