الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    «خدعة» العملاء!    جرائم بلا دماء !    الخرائط الذهنية    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    عاد هيرفي رينارد    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    أفراح النوب والجش    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الثانية عشرة . قال بوش في رسالته الى صدام ان مستقبل العراق معرض للخطر اذا لم ينسحب ... تصفح طارق عزيز الرسالة ووصفها بأنها تهديدات ، دافعاً بها الى وسط الطاولة
نشر في الحياة يوم 09 - 10 - 1998

في هذا القسم الأخير من الفصل ال 17 وعنوانه "عبر ضوضاء" يصف جورج بوش وبرنت سكوكروفت ما بذلته الادارة من جهود الى ان تمكنت من إقناع الكونغرس بإصدار قرار يعطي تفويضاً باستخدام القوة وفقاً لقرارات الامم المتحدة. وتتضمن هذه الحلقة ايضاً وصفاً للقاء الذي عقد في جنيف بين نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز ووزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر في 9 كانون الاول ديسمبر 1990، قبل نحو ستة اسابيع من بدء الحرب الجوية ضد العراق وقواته العسكرية في الكويت، اضافة الى الاجتماعات الاميركية النهائية المتعلقة بالعمليات العسكرية.
برنت سكوكروفت
كنت متحسباً جداً. كان بوسعي ان افكر في اي عدد من المقترحات والحِيَل الجذابة، الغامضة عن عمد التي يستطيع صدام ان يعرضها ويمكن ان تُسْفِرَ عن ضغوط شديدة على التحالف وتُبرز الانقسامات في الولايات المتحدة. لم يكن هناك شك اطلاقاً في ان جيم بيكر مفاوض لامع. ولكن لم يكن عندي شك ايضاً في انه سيفعل كل شيء ممكن لتحقيق مطالبنا بالاقناع بدلاً من القوة. كانت حقيقة الوضع غير السارة، من وجهة نظري، ان الانسحاب العراقي سيتركنا في مركزٍ صعبٍ جداً. يستطيع صدام ان يسحب قواته الى شمال الحدود بمسافة قصيرة ويتركهم هناك، متحفزين للهجوم. وفي الجهة الاخرى، لا تستطيع القوات الاميركية البقاء في مكانها مدة طويلة. وفاق حجم القوة قدرتنا على مناوبتها، وعلى اي حال، لن يطيق السعوديون بقاءَ مثل هذه القوة الاجنبية الكبيرة الى أجَلٍ غير مسمى على اراضيهم.
في غضون ذلك، بدأ اعضاء الكونغرس الجدد بزيادة الضغط. في 2 كانون الثاني يناير اعلن النائبان ريتشارد ديربن وتشارلز بينيت، ومعهما السناتور توم هاركن خططاً للتقدم بقرار يتطلب موافقة من الكونغرس قبل ان تُطلق قواتنا طلقة واحدة. عقدنا اجتماعين مع زعماء الكونغرس في اليوم التالي، الاول مع جورج ميتشل وبوب دول وفولي ومايكل، تلاه اجتماع مع زعامة الحزبين برمتها. حاول الرئيس مرة اخرى اقناع الكونغرس بإرسال اشارة الى صدام أننا متحدون وعازمون. لم تكن هناك طريقة افضل لعمل ذلك من اصدارهم قراراً يدعم قرار مجلس الامن الدولي 678.
بدا ان نغمة الكونغرس تتغيّر. فولي صار يعتقد الآن بأنه الكونغرس سيُصدر تفويضاً باستخدام القوة، "لكن لا استطيع ان اقول لكم انه سيكون بغالبية ساحقة"….
قال الرئيس ان من الامور التي ستساعد إمكان عرض الاجراء على تصويتٍ فوري - اذ ان نقاشاً طويلاً سيكون سلبي النتائج. ردّ ميتشل مغتاظاً: "لا يمكنك إقفال النقاش او خنقه. ليست هناك قيود على التعديلات ايضاً. بريسلر وداماتو وهاركن قالوا انهم سيعرضون بعض التعديلات. اعتقد بأن قراراً من نوع قرارات الامم المتحدة ستكون نتيجته متقاربة في مجلس الشيوخ، من دون غالبية كبيرة. قال كثيرون من اعضاء مجلس الشيوخ انهم لن يعطوا تفويضاً صريحاً….
في حضور الزعامة كلها، شرح الرئيس وضع ديبلوماسيتنا في الخليج وأجمَلَ الاغراض وراء رحلة بيكر واجتماعه مع عزيز. كان ردّ الفعل ايجابياً بصورة عامة وأثنى بعضهم، مثل غيفارت، على الديبلوماسية الاضافية.
قال بوب بيرد انه لا ينوي التصويت دعماً لقرارٍ من نوع قرارات الامم المتحدة، مفضّلاً اعلان حرب. لكنه لم يعتقد بأن اعلاناً سيمرّ. أصرَّ على ان "الشعب الاميركي ليس جاهزاً. الناس غاضبون جداً من المساهمات المعيبة ممن يسمّون اصدقاءنا، اليابان، والمانيا، والمملكة العربية السعودية"….
كان سام نان لا يزال يدعم العقوبات. قال: "انني مستعد لاستخدام القوة بعد استطلاع كل السبل الاخرى. لقد أُزيل اكثر من نصف الانتاج القومي العام العراقي. اعتقد بأنه مع مرور كل شهر يصير صدام أضعف. هناك تآكل في اقتصاده وقدرته العسكرية".
قال لي هاملتون: "الخلاف الحقيقي حول الطاولة هو هل ينبغي استخدام القوة عاجلاً أم آجلاً. انا شخصياً اختار الاخير. اتفق مع سام نان. العراق بلد تحت ضغط شديد. العقوبات تنجح ويجب ان تُسْتَنفد كل الامكانات الاخرى".
قررنا ان ننتظر الى ان يكون بيكر قد اجتمع مع طارق عزيز قبل ان يبدأ النقاش في شأن قرار….
جورج بوش
المفكرة، 4 كانون الثاني يناير
اولئك الذين يعتقدون بأنني أشعر بتآمر من جانب الصحافة، عليهم ان ينظروا الى استطلاع الرأي الذي اجرته شبكة اي. بي. سي وصحيفة واشنطن بوست. الليلة الماضية طَلَعَ بأربعة اقسام داعمة دعماً هائلاً - 80 في المئة يعتقدون بأننا يجب ان نستخدم القوة عاجلاً وليس آجلاً" اكثر بكثير من 2 الى 1 يعتقدون بأن سياسة الرئيس صحيحة" وما الى ذلك. النتيجة واضحة جداً وملخصة في موجز انباء ]البيت الابيض[ اليوم….
في 5 كانون الثاني يناير، وصل الامين العام للامم المتحدة خافير بيريز دي كويار الى كامب ديفيد وسأل ما قد يستطيع عمله لتجنب صراع. حاولت ان أثنيه عن القيام بمهمة شخصية اخرى، اعتقدتُ بأنه لن يكون من شأنها سوى اعطاء صدام أملاً بأنه يستطيع العثور على مخرج آخر. قلت لخافير انني اعتقد بأننا يجب ان نصرّ على التنفيذ الكامل لكل واحدٍ من قرارات الامم المتحدة. قلت: "اذا تنازلنا، فإننا نُضعِف الامم المتحدة وصدقيتنا نحن في بناء هذا النظام العالمي الجديد. اعتقد بأن صدام حسين لا يصدّق ان القوة ستُستخدم - او اذا استُخدمت، فإنه يستطيع خلق مأزق. واعتقد ايضاً بأنه يُسيء قراءة الرأي العام في الولايات المتحدة...".
قال خافير ناصحاً: "عليك ان تستنفد كل الوسائل الاخرى من اجل السلام اولاً. ألا ينبغي ان تعرض ارسال بيكر الى بغداد؟ انه صدام سيطلب وقتاً ليدرس رسالتك ويؤخر الامور".
أجبت: "سيفعل هذا اكثر اذا ذهب بيكر لمقابلته. اذا لم يحدث شيء بعد الخامس عشر، سيفقد الناس الثقة، وسيبدأ التحالف بالانهيار، وسيضيع جهدنا كله سدى. ان قرار مجلس الامن واضح جداً واعتقد بأن من الامور الحيوية تنفيذه. اذا وافقنا على ان يجتمع بيكر معه... نكون قد قوّضنا جهودنا". عبّر عن اعتقاده بأن النتيجة الأرجح لرحلة اضافية الى بغداد بعد الاجتماع في جنيف ستكون عودة جيم فارغ اليدين…. كان يفكّر في الذهاب الى بغداد، ولكن هذا سيعتمد على ما يحدث في جنيف.
كنا قد أملنا بأن فشل مهمة الامين العام الاولى الى صدام في آب اغسطس سيسهّل ثنيه عن تكرار المهمة، ولكن ذلك لم يكن ممكناً. لم يكن لديه سوى افضل الدوافع وأراد فعلاً ان يكون متعاوناً….
في اليوم التالي كتبتُ مسودة رسالة الى الكونغرس طالباً منهم دعم قرارات الامم المتحدة، واستخدام كل الوسائل الضرورية لطرد العراق من الكويت، وارسلتها بالفاكس الى برنت ليعطي تعليقاته. كنت واثقاً من انني لا احتاج الى قرار. لقد استخدمت الولايات المتحدة القوة حوالي مئتي مرة في تاريخها ولم يصدر سوى خمس اعلانات حرب. ولكن من اجل مصلحة البلاد، وكي نُظهر لصدام اننا نتحدث كصوت واحد، أردتُ ان يُشهر الكونغرس موقفه، قبل انقضاء الموعد النهائي. لم تكن في يدنا مسودة قرار على رغم ان اعضاءً افراداً في الكونغرس كانوا يضعون مسودات. ستكون اللغة الدقيقة حاسمة الاهمية. أردتُ تجنب طلب "تفويض"، الذي يعني ضمناً ان للكونغرس القول النهائي في ما اعتقدتُ بأنه قرار رئاسي….
في 9 كانون الثاني يناير بينما كان العالم يراقب، التقى بيكر مع عزيز في جنيف. اتصل بالرئيس مرتين، بمجرد ان كان يستطيع بعد كل جلسة: في الساعة 7.30 صباحاً، ثم حوالي 1.00 بعد الظهر. في الصباح قال بيكر ان عزيز لم يأتِ بأي شيء غير متوقع، لكنه القى محاضرة طويلة عن تاريخ العراق مع الكويت. لم يكن واضحاً هل سيقبل عزيز الرسالة الى صدام أم لا. قال له بيكر في البداية انه ليس هناك ليتفاوض وانما ليجري اتصالاً، وعندئذ عرضَ عليه رسالة الرئيس. كانت في مغلّف مُقفل، لكن بيكر أعطاه نسخة مصورة عنها جاء فيها:
اننا نقف اليوم على حافة حرب بين العراق والعالم. انها حرب بدأت بغزوكم الكويت" انها حرب لا يمكن انهاؤها الا بتقيّد العراق التام وغير المشروط بقرار مجلس الامن الدولي 678...
اننا نفضّل نتيجة سلمية. غير ان اي شيء اقل من التقيّد الكامل بقرار مجلس الامن الدولي 678، والقرارات السابقة له لن يكون مقبولاً. لا يمكن ان تكون هناك مكافأة على العدوان. ولن يكون هناك اي تفاوض. المبدأ لا يمكن التنازل عنه. غير ان العراق، بتقيّده الكامل، سيكسب الفرصة للانضمام من جديد الى المجتمع الدولي. والأكثر فورية ان العراق والمؤسسة العسكرية العراقية سينجوان من التدمير. ولكن ما لم تنسحب من الكويت كلياً ومن دون شرط، فستخسر ما هو اكثر من الكويت. ان ما هو عُرْضَةٌ للخطر هنا ليس مستقبل الكويت - ستكون حرة، وستُستعاد حكومتها - وانما مستقبل العراق. وعليك أنت ان تختار...
ان العراق يشعر بتأثيرات العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة. واذا جاءت الحرب، فستكون فاجعة أكبر بكثير لك ولبلادك. دعني أقل، ايضاً، ان الولايات المتحدة لن تتسامح تجاه استخدام اسلحة كيماوية او بيولوجية او تدمير حقول نفط الكويت او منشآتها. ان الشعب الاميركي سيطلب أقوى ردٍّ ممكن. اكثر من هذا، ستُعتبر مسؤولاً مباشرة عن اي اعمال إرهابية ضد أي عضو في التحالف. أنتَ، وحزب البعث، وبلادك ستدفعون ثمناً فظيعاً اذا أَمرْتَ بأعمالٍ عديمة الضمير من هذا النوع.
اكتبُ هذه الرسالة لا لأهدد ولكن لأبلغ. لا أفعل هذا بإحساس بالرضا، لأن شعب الولايات المتحدة لا شِجَار له مع شعب العراق. السيد الرئيس، ان قرار مجلس الامن الدولي 678 يحدد الفترة السابقة ل 15 كانون الثاني يناير من هذه السنة ك "وقفَة حُسن نيّة" حتى يمكن ان تنتهي هذه الازمة من دون مزيد من العنف. وهل تستخدم هذه الوقفة حسب المقصود منها او هل تُصبح مجرد مُقدمة لمزيد من العنف، أمرٌ في يديك، وفي يديك وحدك. آمل بأن تزن الخيار بعناية وتختار بحكمة، لأن الشيء الكثير سيعتمد على ذلك.
تصفّح عزيز الرسالة. ووصفها بأنها ليست سوى "تهديدات"، دافعاً بها الى وسط الطاولة، حيث بَقِيَت. عَرَضَ بيكر نقاط حديثه، وحذّر من ان هذه ستكون حرباً لن يمكن للعراق ان يكسبها. ردّ عزيز بأن العراق لا يئنُّ تحت انطباع زائف. انهم يعرفون ما يواجهون. قال بثقة: "نحن نقبل الحرب". ردّ بيكر بأن الولايات المتحدة عازمة على ذلك وان عزيز يجب ألا يُقلّل من قدر قوتنا - او من سلطات الرئيس. لا نستطيع التحكّم بحدود صراع بمجرد ان يبدأ. أجمَلَ ما اعْتَقَدَ بأنه سيحدث للعراق اذا ما وصل الامر الى حرب. لكنه أضاف ان العراقيين لن يُهاجَموا اذا انسحبوا وتقيدوا تماماً بقرارات الامم المتحدة. قال عزيز ان هذه إهانة لهم.
جورج بوش
في منتصف اجتماع غداء مع زعامة الكونغرس بعد ظهر ذلك اليوم، سلّمتني باتي بريسوك ملاحظة تقول ان جيم يتصل مرة اخرى. التقطتُ سماعة الهاتف على الطاولة، وأطلعني على الجزء الثاني من المناقشات. وصفها بأنها "عربدة مطلقة وكليّة" من جانب العراق، على رغم ان عزيز بدا عصبياً الى حدٍ ما. قال جيم: "على اي حال انتهى الاجتماع. هذه هي الطريقة التي تركنا عليها الامر: دعا نفسه الى الولايات المتحدة ودعانا الى بغداد. قال انه &يقبل اقتراح الرئيس للاجتماع&. قلت &لا! اعطيناكم خمسة عشر يوماً - قلتم لا. الآن تحاولون التلاعب بالموعد الاقصى...&". في النهاية، رفض عزيز ان يأخذ الرسالة معه، وتركها على الطاولة. ورفضت السفارة العراقية في جنيف ايضاً أخْذَها. أمُلت بأن يُبلغ عزيز، على الاقل، صدام محتويات النسخة التي قرأها.
المفكرة، 9 كانون الثاني يناير
اظن ان الاربعاء كان أحد أصعب ايام رئاستي، والأشد توتراً، وانا انتظر جيم بيكر ليتصل. اعمل مع الكونغرس، ]في الوقت نفسه[ استمع الى المؤتمر الصحافي لعزيز. على الهاتف ميتران، ومالروني، والملك فهد، وبوب هوك من استراليا - ]ما زلت[ اتحدث الى زعماء الكونغرس الاربعة جميعهم...
اعتقد ان فشل محادثة بيكر - عزيز ستساعدنا مع الكونغرس.
اتصلتُ بجون ميجور في 10 كانون الثاني يناير لأطلعه على ما دار في محادثات جنيف. كان بيريز دي كويار سيذهب الى بغداد، لكن جون كان متفائلاً بشأن الرحلة، معتقداً بأنها قد تساعد في منع الاوروبيين من القيام بزيارات في الدقيقة الاخيرة. كان قد زار هو نفسه الخليج للتو. قال لي: "العرب كلهم متماسكون جداً. انهم غاضبون على صدام ومستعدون للذهاب... مبارك ينفث ناراً...". قال ان معنويات الجنود مرتفعة. "انهم جاهزون، ومعظمهم يريد الانطلاق".
برنت سكوكروفت
في ذلك اليوم جرى تقديم القرارات في كلا المجلسين، وبدأ النقاش. بذلنا جهداً هائلاً لضمان تصويت مؤيد….
بينما بدأ الكونغرس مناقشاته، كان هناك المزيد من التحديات في صفوف التحالف. كان وزير الدفاع الفرنسي شوفنمان لا يزال يدفع من اجل إبداء الولايات المتحدة "لفتة" نحو الموافقة على مؤتمر دولي بخصوص السلام في الشرق الاوسط. خشينا من ان الألمان يحبّذون مثل هذا الربط. ثم، في 11 كانون الثاني يناير، اتخذ الوضع في ليثوانيا منحى سيئاً. طوّق الجنود السوفيات المطبعة الرئيسية في فيلنياس واقتحموا بعض المراكز الدفاعية للدولة. اتصل غورباتشوف بالرئيس في الساعة 8 صباحاً ليناقش الوضع، وليطلب منه استقبال بسميرتنيخ، الذي سيحمل اقتراحاً بشأن الخليج. حضّ الرئيس غورباتشوف على الامتناع عن المزيد من العنف في ليثوانيا. وافق ايضاً على ان يقابل بسميرتنيخ مع اننا لم نُرِدْ ان تكون لنا اي علاقة بالاقتراح المُعقّد…. بدا ان غورباتشوف اخذ يفقد السيطرة. كان الاصلاحيون الموجودون حوله قد بدأوا بالتفرّق او أُزيحوا جانباً. ولم يكن من شأن الاجراءات الصارمة في ليثوانيا إلا تعقيد علاقاتنا مع موسكو وكنا نقترب من الموعد الاقصى في الخليج، لكننا بذلنا قصارى جهدنا للفصل بين الأزمتين.
كان من المقرر عرض ثلاثة قرارات للتصويت في 12 كانون الثاني يناير في كلٍ من المجلسين….
في الايام التالية كان النقاش في المجلسين كليهما عميقاً، ولكن غير مرير. فضَّلَ الجميع تسويةً سلمية لكن معظمهم فهِمَ ان هذه تتبخّر بسرعة كخيار. قال دول: "انني اعتقد بأن افضل فرصنا للسلام، وان افضل آمالنا للسلام ]هما[ ان نعاضد الرئيس بكل طريقة نستطيعها". سأل جون وورنر ماذا ستكون المضامين بالنسبة الى حلفائنا الذين لهم قوات في الخليج اذا حجب الكونغرس دعمه. ماذا سيكون التأثير في جنودنا؟
قال نان: "سيتعين على الرئيس ان يأتي امام الكونغرس بموجب الدستور. سيكون لديه دعم الامم المتحدة. وقد قلتُ منذ اليوم الاول في هذا النقاش انني اعتقد بأن حرباً لها ما يبررها...….
سأل ميتشل: "اذا وقعت الحرب، فلماذا يجب ان تكون حرباً اميركية، تضم بصورة رئيسية جنوداً اميركيين، وتؤدي الى خسائر في ارواح الاميركيين، والى موت اميركيين؟…، اذا ذهبنا الى الحرب الآن، لن يعرف احد ابداً هل ستنجح العقوبات لو أُعطيت فرصة كاملة ومنصفة"؟ وعبّر ادوارد كينيدي عن النقطة بعبارات اكثر حدة: "ما زال هناك وقت لانقاذ الرئيس من نفسه، وإنقاذ آلاف الجنود الاميركيين في الخليج من الموت في الصحراء في حربٍ لن يفوق قسوتها سوى عدم وجود اي ضرورة عقلانية لشنّها". كان دانييل باتريك موينيهان لا يزال يصرّ على ان هذه ليست ازمة دولية. "كل ما حدث ان بلداً كريهاً صغيراً غزا بلداً أصغر لكنه كريه بدرجة مساوية". حضَّ بوب كيري على ان يُبلغ الكونغرس صدام ان الولايات المتحدة لن تُعلن الحرب او تُبادر بهجوم "في ظل الظروف الحالية"….
في مجلس النواب، كان النقاش مشابهاً …. حضَّ آسبين على ان التصويت الصحيح في مسألة التفويض الى الرئيس استخدام القوة، هو التصويت بنعم، ولكن "اعتقد بأن ثمة امكاناً ضئيلاً لتحقيق نصرٍ من دون دماء".
قال غيفارت: "النقاش الوحيد هنا في الكونغرس هو هل كان علينا ان نخنقَ صدام تدريجاً بالعقوبات او نعمد فوراً الى حلٍ عسكري. اننا نقول ان بإمكاننا ان ننتصر من دون حرب، والأدلة الى جانبنا".
في 12 كانون الثاني يناير، صوّت كلٌُ من المجلسين بدعم القرار المشترك الذي يُعطي تفويضاً باستخدام القوة وفقا لقرارات الامم المتحدة. أجازَ مجلس النواب قرار سولارز - مايكل ب 250 صوتاً في مقابل 183، بينما عملَ الجمهوري وورنر والديموقراطي ليبرمان في مجلس الشيوخ معاً لضمان أجازة القرار المماثل في مجلس الشيوخ ب 52 صوتاً في مقابل 47، وهو أضيق هامشٍ ابداً في التصويت بالموافقة على حرب. وهُزم القراران الآخران.
جورج بوش
على رغم ان الزعامة الديموقراطية في المجلسين كليهما صوّتت ضد، فإن التعداد كان افضل مما توقعت…. شعرتُ بأن الحمل الثقيل من احتمال ان اواجه اتهاماً بالتقصير قد أُزيحَ عن كتِفيَّ عندما سمعتُ النتائج. وفي الحقيقة، حتى لو لم يُجز الكونغرس القرارين كنتُ سأتصرف وآمُر جنودنا بالدخول في حرب. أعلمُ ان هذا كان سيسبّب احتجاجاً، لكنه كان الشيء الصحيح الذي وجب عمله. كنتُ مرتاح الذهن من ناحية انني أملكُ السلطة الدستورية. كان لا بد من عمل ذلك.
بعد ان ضَمِنّا القرارين، اجتمع في الساعة 6 مساءً من يوم الاحد، 13 كانون الثاني يناير، كبار المسؤولين من وزارة الدفاع ومجلس الامن القومي في جناح إقامة الرئيس لنحو ساعة. كان بيكر لا يزال في طريق عودته من إطلاع شركائنا في التحالف بعد جنيف. كان المزاج رزيناً. كان الجو مختلفاً بصورة حقيقية الآن - اذ كنا نقتربُ من لحظة الحسم. التقارير الصحافية الاولى كانت قد بدأت تصل عن مهمة بيريز دي كويار في بغداد في اليوم السابق. لقد فَشِلَت….
قررنا ان يكون وقت الهجوم الساعة 3 صباحاً يوم 17 كانون الثاني يناير بتوقيت الخليج، والساعة 7 مساءً من يوم 16 كانون الثاني يناير في واشنطن، وضبَطنا بعض مشكلات الإستهداف الرئيسية التي كنا لا نزال نواجهها في ما يتعلق بشبكات توزيع الكهرباء ومحطات توليد الكهرباء، والجسور ومصافي النفط العراقية. كانت هناك ايضاً المسألة الصعبة المتعلقة بتحليق طيراننا وصواريخنا فوق بعض المناطق. كانت هذه قضية حساسة في صورة خاصة بالنسبة الى الاتراك، الذين لم يكونوا مرتاحين الى بعض صواريخ كروز التي أردنا إطلاقها عبر أراضيهم. وحللنا المشكلة في نهاية الامر بإعادة تحديد الاهداف وعدم التحليق فوق تركيا.
جورج بوش
كنتُ لا ازال هادئاً على نحو غريب. بقيتُ أقول لنفسي، إبقَ على الدرب، إفعل ما ينبغي أن تفعله، إسأل الأسئلة الصحيحة، إعمل التغييرات المناسبة، اذا احتجتَ الى عملها فكن حازماً. كان علينا ان نتخلص من قدرات صدام لانتاج اسلحة نووية وبيولوجية. كيف سنُبلغ اصدقاءنا بالتوقيت؟ كيف نُحذّر الابرياء، وكيف نحمي السفارات الاميركية؟ ظللت أقول لبرنت وآخرين المرة تلو المرة "بمجرد ان نُهاجم بهذه القوة الجوية الرهيبة، كيف نُنهي الهجوم؟ كيف يستسلم؟ سيستلم، أعلم انه سيستلم. لا يستطيع أن يسود ضدنا".
في وقت لاحق من ذلك المساء تصفّحتُ مادة خطابي الى الأمة في 16 كانون الثاني يناير….
يوم الاثنين، 14 كانون الثاني يناير، كان حافلاً بالتوتر الشديد، وكان بوسعي ان أشعُرَ بذلك فيما كنتُ امشي في انحاء البيت الابيض في الجناح الغربي. كنا جميعاً نفكّر بترقّب الى الامام، وفي الموعد الاقصى الماثل امامنا وفي ما سيحدث بعدئذ. خلال الغداء مع ديك تشيني وبرنت والجنرال ميريل ماكبيك راجعنا حملة القصف وتحدثنا عن أسوأ الحالات التي قد نواجهها، وعن مقتل مدنيين وكل ما يرافق إصابة القنابل والصواريخ الاهداف الخطأ من فظائع وأهوال. كان ماكبيك طافحاً بالثقة بأن سلاح الجو سيؤدي مهمته بدرجة عالية من الدقة والنجاح. كنتُ قلقاً على الصحافيين الاميركيين في بغداد. وكنتُ قلقاً ايضاً على الاطفال العراقيين الابرياء، على رغم ان الهجوم الأولي سيكون مبكراً في الصباح عندما يكون معظم الناس نائمين في بيوتهم. أكد لي ماكبيك وآخرون ان تحديد الاهداف تم على نحوٍ لن يُقتلَ معه سوى عددٍ قليل جداً من المدنيين. وصلّيتُ من اجل ان يكونوا على صواب.
بعد ظهر ذلك اليوم، تلقينا اشارة من وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما بأن باريس لا تزال تريد بذل محاولة اخيرة لإقناع صدام بأن ينسحب، هذه المرة عبرَ قرارٍ آخر من مجلس الامن. اقترحَ دوما مرة اخرى ان نقول للعراقيين انهم اذا انسحبوا، فسنوافق على مؤتمر بخصوص الشرق الاوسط. كانت هناك اشاعات بأن ميتران نفسه قد يذهب الى بغداد. كان هذا ربطاً، مع انهم قالوا انه لم يكن كذلك، ولم يكن هناك من سبيلٍ نستطيع به دعم الاقتراح، الذي سرعان ما تخلى عنه الفرنسيون. صار من الواضح لي الآن ان الولايات المتحدة هي التي سيتعيّن عليها بمفردها ان تضغط على الزناد.
حوالي الساعة السادسة والنصف من صباح اليوم التالي، اليوم الذي ينقضي في أَجَل الموعد الاقصى المحدد من الامم المتحدة، تحدثتُ لفترة وجيزة على الهاتف مع جيم، ثم ذهبتُ في مشوار قصير وحدي في حديقة البيت الابيض قبل التوجه الى المكتب في السابعة الا ربعاً. وجدتني أفكر في الطريقة التي سنُنهي بها الحرب بعد ان تكون قد بدأت. وفي لحظةٍ هادئة، أمليتُ على آلة التسجيل الصوتي:
السابعة الا ربعاً - 15 كانون الثاني يناير - على وشك أن أبدأ العمل. لا ادري كيف سينتهي الامر. فلنقل ان الهجوم الجوي مدمِّر وان صدام يقضي عليه شعبه. كيف يتوقفون؟ كيف نتجنّب المبالغة في القتل؟ معظم الناس لا ينظرون الى هذا كسيناريو لأنهم مقتنعون بأنها ستكون حرباً طويلة وان أكياس الجثث ستكون كثيرة في الجانب الاميركي. لكنني أريد التأكد من أننا لسنا هناك لقصف الناس. اعتقد بأننا نحتاج الى مراقبة الوضع ورؤية متى يتم انجاز اهدافنا العسكرية في بغداد والعراق...
في الساعة 10.30 صباحاً اجتمع كبار اعضاء مجلس الامن القومي مرة اخرى في المكتب البيضاوي ليراجعوا التفاصيل الأخيرة لبدء الحملة الجوية. ناقشنا توقيت خطاب الرئيس الى الأمة، وقررنا ان يُذاع بعد نحو ساعتين من بدء الحملة الجوية. كما راجعنا وقت إشعار الحلفاء ببدء الضربات الجوية، الامر الذي سيعتمد على ما اذا كانت قواتهم معنية بها أم لا. بعضهم، مثل مبارك، سيجري إبلاغه في ساعة الصفر" وآخرون، مثل ميتران، ومالدوني، وأوزال، وهوك، سيجري إشعارهم في وقت أبكر قليلاً اي قبل نصف ساعة او ساعة من الموعد. جون ميجور، الذي ستكون طائرات سلاحه الجوي الملكي الى جانب قوتنا الجوية في الضربات المبكرة، سيجري إشعاره قبل اثنتي عشرة ساعة. قررنا ان يبلغ بيكر بندر وبسميرتنيخ وان يتصل تشيني بوزير الدفاع الاسرائيلي موشي ارينز قبل دقيقة من ساعة الصفر. اتفقنا جميعاً على ان الإشعارات الى الكونغرس التي يتطلبها القرار ستُرسل في ساعة الصفر.
جورج بوش
حتى مع هذا الجدول المُحكَم قلقتُ من ان تسرباً قد يُنبِّه العراقيين ويكلّف بعض الطيارين أرواحهم. سلّمني برنت إرشاد مجلس الامن القومي الذي يُعطي الإذن بتنفيذ عملية عاصفة الصحراء. وقّعتُ الوثيقة فيما كنتُ جالساً في مقعدٍ الى جانب المدفأة لكنني تركتُ التاريخ والوقت فارغين. قلت لتشيني انه يستطيع توقيع أمر التنفيذ الفعلي وإبلاغه الى الجنرال شوارتزكوف. عدتُ الى جناح اقامتي في السادسة والنصف وشاهدتُ الاخبار.
المفكرة، 15 كانون الثاني يناير
ليس هناك من سبيل لوصف الضغط. انها الساعة 9.45 من ليلة الخامس عشر. الموعد الاقصى ينتهي في غضون ساعتين، و15 دقيقة... التقارير من بغداد متحدّية. الناس يقومون بمسيرات في الشوارع - ويخرجون. ومع ذلك فإن وجوههم باسمة وهم يهتفون. وأقول لنفسي، يا إلهي، صُن أرواحهم….
في منتصف الليل، بتوقيت واشنطن، انتهى أجل الموعد الاقصى لانسحاب العراق من الكويت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة