سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة التاسعة . بوش : في القاهرة كان مبارك كعادته مباشراً ووديا وفي جنيف وجدت الأسد جذاب الشخصية لكن النقاش معه كان صعباً
بذلت ادارة بوش في تشرين الثاني نوفمبر جهوداً ديبلوماسية واسعة النطاق على الصعيد الدولي لحشد الدعم السياسي لخيارها العسكري ضد الاحتلال العراقي للكويت. وقد زار الرئيس جورج بوش في ذلك الشهر تشيخيا وألمانيا ثم حضر في باريس اجتماع مؤتمر الامن والتعاون الاوروبي، وزار بعدئذ المملكة العربية السعودية حيث أجرى محادثات مع الملك فهد وتفقد القوات الاميركية. وزار مصر ايضاً، والتقى في طريق عودته الى بلاده الرئيس السوري حافظ الأسد في جنيف. وهو في هذا القسم الاخير من الفصل ال 16 وعنوانه "ثبات على الطريق"، يصف ما دار من أحاديث مع الزعماء خلال تلك الزيارات والاجتماعات. برنت سكوكروفت كان كول، عن غير عمدٍ في ما اعتقد، أقل من مُساعِد وأقلقني اقتراحه إرسال مبعوث الى صدام. بدا واضحاً انه أمُلَ بتجنب حربٍ في الخليج بسبب الانتخابات الالمانية. وكان موعد هذه الانتخابات - الأولى في ألمانيا الموحدة - وشيكاً في 3 كانون الثاني يناير. في وقت سابق من الشهر كان فيلي برانت، أحد زعماء المعارضة، قد ذهب الى بغداد وعاد ومعه 120 رهينة، الأمر الذي أحرج كول حرجاً كبيراً. استنتجتُ انه كان يحاول التعافي من ذلك وتجنّب إثارة مشاعر مناوئة للحرب وسط حملة انتخابات. جورج بوش في ذلك المساء طرنا من رامشتاين الى باريس، حيث كان من المقرر ان أتناول العشاء مع فرنسوا ميتران - بعد أقل من ساعة من وصولنا الى السفارة الاميركية. كنتُ اتطلع قدماً الى رؤيته، وأترقب الاجتماع في اليوم التالي مع مارغريت ثاتشر ثم مع غورباتشوف. كانت متاعب غورباتشوف الاقتصادية تتعاظم وكانت ثاتشر تواجه معركة سياسية، مع تحدٍ شديد لزعامتها لحزب المحافظين. كان من المقرر ان تصل مارغريت الى باريس في اليوم الذي كان حزبها يجري عملية التصويت الحاسمة. بدا لي التوقيت غريباً، لكني أملتُ بأن يعطيها حضورها هيبة إضافية في نظر المحافظين. في يوم وصولنا، أعلن صدام انه سيُطلق جميع الرهائن على فترة ثلاثة اشهر ابتداء من عيد الميلاد، شرطَ عدم مهاجمة العراق في تلك الاثناء. كانت خدعة فجّة لتأخير أي عمل عسكري الى شهر رمضان وربما الى ما بعده عندما يبدأ موسم الطقس السيئ. لم أرَ في الخطوة دليلاً على أي مرونة، وإنما رأيتُ فيها مجرد استغلال شرير لعائلات الرهائن وجهداً لتحويل اهتمام الرأي العام بعيداً عن استخدام القوة. اعتقد بأن المجتمع الدولي كان مشككاً في الامر مثلي. وقد حطّيتُ من قيمة اعلانه في مؤتمر صحافي في اليوم التالي. تحدثنا خلال العشاء في قصر الإليزيه، ميتران وأنا، عن العمل العسكري وفائدة قرار يفوّض استخدام القوة ويتضمن موعداً أقصى. قلتُ له اننا استخدمنا غطاء الاممالمتحدة حتى الآن، وسيُري الاجراءُ الاضافي صدام انه لا يوجَد مخرج آخر. أجاب: "من الصعب وضع مسودة قرار كهذا، لكننا سنشارك في العملية ونصوّت بالموافقة عليه اذا كانت صيغته جيدة". صباح اليوم التالي جاءت مارغريت ثاتشر لمقابلتي في منزل سفير الولاياتالمتحدة…. أطلعتني مارغريت على معركتها مع زعماء حزب المحافظين ثم انتقلت الى موضوع الخليج. قالت: "أردتَ مزيداً من القوات. سنُرسل لواءً آخر وبعض كاسحات الألغام". تحدثنا عن التوقيت، وأبلغتها انني اريد ان يحصل العسكريون على اي شيء يريدون. كانت قلقة من ان هذا يعني تأخير العمليات الى وقتٍ أبعد. بحثنا في مسألة الرهائن وسفارتينا المحاصرتين - كانت سفارتانا هما اللتان صمدتا أطول مدة. اذ اخذت الامدادات تنفد، وصار من الصعب حماية البريطانيين والاميركيين الذين كانوا لا يزالون مختبئين. ذكّرتني مارغريت بأن العراق كان يطالب المواطنين الكويتيين بتسجيل انفسهم لدى سلطات الاحتلال في حدود 25 تشرين الثاني نوفمبر. قالت: "سيكون من الصعب بعد ذلك إيواء مواطنينا". أبلغتها انني قلق من المناخ السياسي اذا حاولنا المضي قدماً من دون قرارٍ من الاممالمتحدة وفق الخطوط التي كنت قد اقترحتها عليها في تشرين الاول اكتوبر. حدوث استفزاز سيكون امراً مساعداً - كنتُ لا أزال أفكّر في مهمة تموين. جَادَلتْ مارغريت بأن مسألة الرهائن وحدها سبب كاف لاستخدام القوة. قالت: "لقد ارتكب ما يكفي من الاعمال الفظيعة"، لكنها كانت الآن مستعدة لدعم القرار. "سيعطيك قرار من الاممالمتحدة كل ما تحتاج اليه". وسيوفّر ايضاً تحذيراً للمدنيين. تألف اجتماع مؤتمر الامن والتعاون الاوروبي من يومين طويلين من الخطابات - بلغت خمسة وثلاثين خطاباً - وطغى تهديد الحرب على ما كان ينبغي ان يكون مناسبة تاريخية. كان زعماء تلك البلدان التي تعرضت لوحشية العدوان في الماضي هم الذين تفهموا الوضع على أفضل نحو…. بينما كان المؤتمر منعقداً، اتخذ العراقيون خطوة جديدة لشقّ التحالف، مُعلنين انهم سيُطلقون جميع الرهائن الألمان فوراً. قالوا ان هذه "رسالة تشجيع الى شعوب اوروبا كي تتخذ خطوات اكثر استقلالية وتقف ضد موقف الاميركيين المتغطرس". قال صدام لبرلمانه انه اتخذ الخطوة لأن كول أدلى بتصريحاتٍ "مساعِدة". كان هلموت مُحرجاً ومعتذراً في شأن هذا التطور، وأكد لي أنه لم يتنازل أو يتفاوض مع صدام على إطلاقهم. قلتُ له انني أتفهّم ذلك لكنني كنتُ اعلم ان بعضهم في الصحافة سينطلق على هواه، مجادلاً بأنني لو كنتُ أكثر "توفيقية" نحو العراق لأمكننا إخراج رهائننا. أقلقتني الحادثة، خصوصاً لأنها جاءت بعد يوم من اقتراح هلموت ان يرسل مبعوثه الخاص الى بغداد. بدا ان كول فقَدَ تحفّظه، ليس فقط بشأن رهائنه، وانما ايضاً لجهة عدم إدراكه اننا قد نحتاج الى استخدام القوة. وأملت بألا يكون الأمر اكثر من مجرد خوف سابق للانتخابات. قبل عشاء غير رسمي في 19 تشرين الثاني نوفمبر، أجرينا، ميخائيل وأنا، محادثة في جو استرخاء وشراب في سفارتنا. تحدثنا عن الوضع في الاتحاد السوفياتي، وسألته عن يلتسن. قال مغتاظاً: "المزاج يدعم تثبيت الأوضاع، وليس هزّ القارب". قال ان الناس يمقتون الإنفصاليين. "يسألون: ما الذي يمنع غورباتشوف ويلتسن من التعاون؟ الجواب لا شيء. موضوعياً هناك حاجة الى التعاون. الناس يفكّرون، اذا لم تستطيعا الاتفاق إذهبا.... لماذا يتمتع بشعبية؟ لأنه يرفض كل شيء والناس يقولون &ما أَصْدَقَ ذلك&. انه يقول ان كل شيء سيئ ويلقي باللوم على المركز... سيُسْتَغل ثم يُطرد - ما لم يستطع استفزاز الناس بسبب التوترات القائمة. قد يستطيع عمل ذلك. سأضم الناس القديرين بغضّ النظر عن ايديولوجيتهم - حتى يلتسن". انتقلتُ الى موضوع الخليج. قلت: "أحتاج الى مساعدتك. أحتاج الى تفويض من الاممالمتحدة لاستخدام القوة لإقناع صدام حسين بعمل ما يطلبه ]القرار[. لا استطيع التفكير في أي طريقة اخرى لإقناعه... أريدك ان تعرف مدى قوة شعوري. اذا استطعنا عمل هذا الشيء معاً، فإنه سيرسل الاشارة الصحيحة". لم أكن في حاجة الى جواب في تلك اللحظة. "لا أريد ان أُحرجك مع زملائك. اذا لم تستطع مجاراتنا فإنني سأبقى متعاوناً ولكن كان لا بد لي من ان أُبلغك مدى قوة شعوري". قال ميخائيل انه أعطى المسألة كثيراً من التفكير. أضاف: "دعني أقل ان الامر يعتمد علينا نحن الاثنين... بخصوص بعض الاشياء، بالطبع، لدينا أفكار مختلفة، ولكن بخصوص هذا الامر يجب ان نكون معاً. في قلبي، كما في قلبك، حسب ما انا متأكد، التفضيل هو لحل الأزمة من دون دماء. قد تسير المسألة كلها على نحو أسوأ بكثير جداً من فيتنام... بعد تفكير طويل، قررتُ اننا نحتاج الى قرار واحدْ، لكنه قرار يجمع بين فكرتك وفكرتي. الجزء الاول سيحتوي على موعدٍ أقصى لإنذار. الجزء الثاني سيقول &كل الاجراءات الضرورية& يمكن استخدامها. سألته ما هو الاطار الزمني الذي يفكّر فيه بالنسبة الى الانذار. كان يفكّر في منتصف كانون الثاني يناير. لم يُرِدْ ميخائيل اعلاناً بعد لأسباب متعلقة به. فبالنظر الى وجود عدد كبير من السكان المسلمين في الاتحاد السوفياتي، أَمُلَ باتباع نهج سلمي لأطول مدة ممكنة وتجنّب تهديد علني باستخدام القوة. وأراد ايضاً التحدث الى العراقيين مرة اخرى. لكنه أدرك ان القرار حاسم الأهمية بالنسبة اليَّ. عمل شيفاردنادزه وبيكر حتى ساعة متقدمة من الليل، ووضعوا صيغة مسودة قرار. كما وضعوا بياناً عاماً عن مناقشاتنا، لم يورِد ذكراً للقرار. سبّبَ لي وعدي بتأخير الاعلان عن القرار بعض الصداع - خصوصاً لأنه سمح للصحافة بوصف اجتماعنا بأنه "صقيعي"، برغم ان اي شيء لم يكن أبعد عن الحقيقة. عندما تستنتج زمرة الصحافيين ان اجتماعاً ما "صقيعي" - وهو اجتماع لم يحضروه ووصفه الجانبان كلاهما بأنه كان ودياً - فإنهم يصرّون على "صقيعي" ثم يتكهنون بما يعنيه ذلك. التقى نحو عشرين منا للعشاء، ومزحنا وتبادلنا القصص، قهقه غورباتشوف ووزير دفاعه ديمتري يازوف بالضحك ورويا بعض النكات، بما فيها بعض النكات عن ستالين. كانت أمسية هانئة ومُثمرة. في ما بعد اتفقنا، غورباتشوف وانا، على ان ذلك كان افضل اجتماع عقدناه، وأفضل حتى من اجتماعنا في كامب ديفيد. في اليوم التالي كان لا يزال هناك خمسة عشر خطاباً اخرى…. غورباتشوف وانا، بقينا مستيقظين أطول من أي شخص آخر. في احدى المراحل أسرَعَ مع مترجمه ليُبلغني انه قد سمع للتو من بريماكوف ان صدام حسين سيوافق على الانسحاب من الكويت في مقابل حرية المرور في الخليج. عندما ذكّرت غورباتشوف بأنه لا يمكن ان تكون هناك شروط، بدا خائب الظن، ولكن متفائلاً بأنه لا يزال في إمكاننا إقناع صدام بالانسحاب سلمياً. بعد الظهر اجتمعت مع أوزال، الذي صرتُ أشعر بالقرب منه الآن. بدا مستعداً للصراع، وكان واثقاً من انه اذا وقعت الحرب، فستكون قصيرة وان قوتنا الجوية ستحسم الأمر. وبينما كنا نتحدث، تلقيتُ مكالمة من حسني مبارك، الذي حضّني على ان ألتقي الرئيس السوري حافظ الأسد، في طريق عودتي من الشرق الاوسط. حسني لم يكن وحده - اذ ان جميع حلفائنا العرب أرادوا ان اجتمع معه. سألتُ أين يمكن ان يعقد الاجتماع، مقترحاً ربما قبرص. كان لدى وزير خارجية أوزال مشكلة في ذلك، لذا قررنا ان يكون الاجتماع إما في جنيف وإما في مكان ما في تركيا وأعدنا الامر الى مبارك ليُبلغ هو الأسد. في تلك الأمسية تكبدت مارغريت ثاتشر هزيمتها في زعامة حزب المحافظين. كانت قد عملت بنشاطٍ طوال الاجتماع في ذلك اليوم، برغم انها بدت عصبية وكان واضحاً ان أشياء اخرى تشغل بالها. كانت تخرجُ وتعود مسرعة لتتابع الأمور في بريطانيا. تركتها حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر، بعد ان سألتها إن كانت قد سمعتْ أي شيء بعد. قالت انها لن تسمع قبل ساعتين. كنتُ حزيناً ومندهشاً عندما سمعتُ النبأ. وبرغم ذلك، فقد ظَهَرَت بشجاعة للعشاء في فرساي وشَاركتْ مشاركة كاملة. كان سقوطها عجيباً - سريعاً ولم يمكن التنبؤ به تقريباً. ومع اننا لم نكن وثيقي الصلة مثلما كانت مع رونالد ريغان، فإن صداقتنا كانت ممتازة وازدادت دفئاً باضطراد على امتداد فترة رئاستي. لقد احترمتُ مارغريت وأُعجبتُ بها الى حدّ كبير، وما زلتُ أشعر بذلك نحوها…. وكان من مظاهر شجاعة مارغريت المعهودة، وتصميمها على ضرورة ان ينتصر التحالف، انها اضافت في رسالة "وداعها" اليّ بعد بضعة أيام من ذلك، في 22 تشرين الثاني نوفمبر، ملاحظة تؤكد ان بريطانيا ستُرسل قوات وسفناً حربية اضافية. غادرت باريس الى المملكة العربية السعودية، حيث انضم اليَّ كبار زعماء الكونغرس الاربعة الذين دعوتهم الى المجيء - عضوا مجلس الشيوخ جورج ميتشل وبوب دول، ورئيس مجلس النواب توم فولي وعضو الكونغرس بوب مايكل. كان وصولنا الى جدة في ذلك المساء مشهوداً، اذ فُرِش سجادٌ فاخر على أرض المطار وكان في استقبالنا الملك نفسه. اصطحبونا بسرعة الى صالة الشرف التي كانت تعبق برائحة بخورٍ رائعة. التقيتُ في ما بعد أمير الكويت في قصر الحمراء للضيافة. كان قلقاً من ان الرهائن سيؤثرون في استعدادنا لاستخدام القوة، وأكدت له انهم لن يؤثروا. سألت هل يعتقد بأن صدام سينسحب، بعد ان صار لنا هذا العدد الكبير من الجنود في المملكة العربية السعودية. كان متشائماً، أبلغني المزيد عن الاعمال الوحشية القاسية التي كانت تُرتكب في الكويت واقترحتُ ان يتحدث اكثر عن الوضع المأسوي. أقمنا، باربرا وأنا، في قصرٍ آخر من قصور الضيافة الملكية الرخامية الجميلة. كانت زينته رفيعة الذوق، والثريات في كل مكان، وكان تكييف الهواء ضد حرارة الصحراء قوياً، حتى الى درجة شعورنا بالبرد. استضافنا الملك الى مأدبة رسمية لنا في وقتٍ متقدم - في العاشرة - وقيل لي ان تلك كانت ساعة مبكّرة بالنسبة اليهم. في ما بعد، اجتمعنا، فهد وانا، الى جانب برنت، وجيم، وجون سنونو وآخرين، لمدة ساعتين الى جانبيَّ طاولة وأمام كل مقعدٍ مستطيلات مُغلّفة بجلدٍ أخضر مُرصّع. استذكر الملك الوضع عندما وقَعَ الغزو وسُخْطَه لأنه خُدِع بتأكيدات صدام انه لن يغزو. سألته عن حيلة صدام لإطالة أمد الإفراج عن الرهائن الى ان يأتي شهر رمضان، فقال لي ان صدام مُضلَّل. حذّرت السعوديين من التصريحات التي تصدر في العالم العربي. كان الأسد قد أعلن ان قواته لن تتحرك من المملكة العربية السعودية، وأعلن مبارك انه ليس مستعداً لإرسال قواته الى العراق. وأعطى ذلك مظهراً مفاده ان الشركاء العرب يريدون للولايات المتحدة ان تقاتل صدام حسين وحدها. كانت هذه رسالة فظيعة الى جنودنا والى الولاياتالمتحدة وجَعَلتْ مهمتنا مع الكونغرس صعبة. كانت الساعة قد اقتربت من الثانية صباحاً عندما إرفضّ الاجتماع. خرجتُ مرة اخرى مُعجباً بالملك ومقتنعاً بأنه سيقف الى جانبنا كصديق وكحليف بغضّ النظر عما يفعله العراق. في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، 22 تشرين الثاني نوفمبر، طرنا الى الظهران لقضاء يوم عيد شكرٍ لا يُنسى. ما من سبيلٍ لوصف تجربتنا في الصحراء وصفاً مناسباً. استقبلنا الجنرال نورمان شوارتزكوف، الذي كان دليلنا لبقية النهار. بدأنا بزيارة لقاعدة قيادة النقل الجوي العسكري في الظهران، حيث سرنا، باربرا وأنا، وسط جمهور أفراد سلاح الجو الشبان المتحمسين، ووقفنا لتُلتقطَ صور لنا معهم. من هناك اصطُحبنا بسرعة الى الصحراء لنتفقّد الجيش، طرنا فوق أميال وأميال من الصحراء الخالية. بين الحين والآخر كنت أرى قطيعاً من الجمال او خيمة بدوية. تعجبّتُ كيف يمكن أحداً ان يكسب رزقه في مثل هذا المحيط القاسي. بعد كلمة اخرى، وسيرٍ وسط الجمهور، وقفنا في الطابور لأخذ عشاء عيد الشكر وتناوله جالسين الى طاولات طويلة تحت شِبَاك تمويه. كان مثيراً ان نأكل مع اولئك الجنود الشجعان الذين كانوا يتحمّلون العبء الثقيل عن التحالف هنا عند الخط الامامي. من مقصف الجيش في الهواء الطلق انتقلنا بطائرة هليكوبتر الى حاملة طائرات الهليكوبتر "ناسو"، التي كانت في المياه الدولية. هناك انضممنا الى صلاة على سطح مؤخر الحاملة. كان غاصّاً بالبحارة، وحاولتُ مرة اخرى التحدث الى اكبر عددٍ ممكن وان أقول لهم كم أقدّر أنا، والبلاد، ما كانوا يفعلون. من "ناسو" طرنا الى موقعٍ لمشاة البحرية في الصحراء، حيث كانت وحدات من هندسة البحرية وجنود بريطانيون من كتيبة جرذان الصحراء الشهيرة…. بدا جنود البحرية والبحّارة كلهم صغار العمر، وكنتُ أفكّر "يا إلهي إحفظ حياة هؤلاء إذا اضطُررنا الى القتال". أطلعني شوارتزكوف المثير للإعجاب، الذي كان يرتدي لباس الميدان الصحراوي ويطفح بالقوة والثقة اللتين كان الاميركيون سيشاهدونهما عما قريب ويُعجبون بهما، على خطة المعركة. من الشَرح، ومما كنتُ أسمعه في واشنطن، بدا العسكريون واثقين من أن أي حربٍ ستكون قصيرة - مختلفة جداً عما كان يقوله كثيرون في الكونغرس. تعمّد نورمان ان يشكرني على إعطائي العسكريين ما يحتاجون اليه لأداء المهمة. خلال تلك الرحلة صرتُ مقتنعاً بأننا نستطيع ان نهزم العراقيين في وقت مبكّر" وبالتأكيد شَعَرَ هو بأننا سنفعل ذلك. العرب شاطرونا تلك الثقة - الملك فهد، ومبارك، وكل الآخرين الذين تحدثنا معهم في الأسابيع الأخيرة. كلهم اعتقدوا بأن صدام سيُهزم. كان حسني يتنبأ بأن الحرب ستنتهي في ايام. مع ذلك، بينما كان حلفاؤنا العرب مقتنعين بأن جيش العراق سيهرب بمجرد ان يبدأ إطلاق النار، لم يكن في وسعنا التخطيط على ذلك الأساس، ولم يُخطّط نورمان بناء عليه. في القاهرة في اليوم التالي اجتمعتُ مع مبارك. كان حسني، كما هو دائماً، مُبَاشراً، وودياً. اتفقتُ معه في كل القضايا تقريباً. ذكرت ان الاسد يقول ان القوات السورية لن تتحرك الى خارج السعودية، وقال لي حسني ان سورية ستكون هناك. سألته ايضاً هل سيذهب الجنود المصريون الى داخل العراق. قال انه سيفعل أي شيء ضروري. بعد ظهر ذلك اليوم طرنا الى جنيف لنلتقي الأسد. وجدته جذاب الشخصية، لكن النقاش كان صعباً. في محاضرة طويلة، ألقى باللوم على اسرائيل في كل المصائب في الشرق الاوسط، بما في ذلك الحرب الايرانية - العراقية وحتى غزو الكويت. كان معارضاً الى أبعد الحدود عملية السلام المصرية - الاسرائيلية. وقال ان كل شيء في الشرق الاوسط قد انهار منذ ذلك الحين. كان النقاش مثيراً للكآبة، ودرنا مراتٍ ومرات حول النقاط نفسها. عَبَسَ قليلاً عندما أثرتُ موضوع الارهاب وحقوق الانسان. أشرتُ الى ان من المهم ألا يقول ان قواته ستبقى في المملكة العربية السعودية اذا ما زحف التحالف الى داخل الكويت. بدا غير مرتاح نوعاً ما. شرحتُ ان مبارك كان أدلى بتصريح مماثل وأوضحه. بدا مهتماً وطلبت اليه ان يتحدث الى حسني عن ذلك. ومع ان الاجتماع لم يكن مثمراً كما أردت، فقد كان ضرورياً لإظهار اننا سنجرّب أي سبيلٍ من اجل السلام في الشرق الاوسط. خلال طيراننا عائدين الى البلاد، شعرتُ بالإقتناع بأننا لن نعثر على حل سلمي للأزمة. لقد أعطينا العقوبات وقتاً كافياً كي تنجح، ومع ذلك لم يكن هناك دليل على انها ستحمل صدام على الانسحاب من الكويت. وشككت في انه سيستجيب لقرار الاممالمتحدة الجديد. بينما كنا نزور قواتنا وحلفاءنا، كان بيكر، الذي تَرَكنا بعد وقت قصير من وصول الرئيس الى الرياض، يعمل بصورة فعّالة مرة اخرى على الجبهة الديبلوماسية لبناء الدعم للقرار في اوساط اعضاء مجلس الامن الباقين - بما في ذلك اليمن المؤيدة للعراق وكولومبيا التي تحدث سفيرها لدى الاممالمتحدة ضد سياسة الولاياتالمتحدة، ويعقد اجتماعاً مع وزير خارجية ماليزيا في لوس انجليس. قبل مناقشات مؤتمر الامن والتعاون الاوروبي في باريس، كان قد تحدث مع وزير الخارجية الصيني كيان كيشين عندما كانا كلاهما في القاهرة في 6 تشرين الثاني نوفمبر. كان كيان هناك في طريقه الى بغداد، وبيكر موجوداً للتشاور مع مبارك في شأن خططنا. كان كيان قد ابلغ بيكر أن بكين لا تزال تعمل من اجل حل سلمي وانه يبدو ان العقوبات اخذت تعطي مفعولها. لم يكن ملتزماً في شأن دعم القرار، وأراد شيئاً في المقابل. حاول حمل بيكر على ان يعد بأنه، إمّا هو وإما الرئيس، سيزور بكين. قال بيكر برغم اننا لن نلوم الصينيين اذا لم يصوّتوا للقرار، فإنه يجب عليهم على الأقل ألا يقفوا في طريقنا. واتفق كيان وبيكر في ما يبدو على ان يأتي كيان الى واشنطن بعد التصويت، ليجتمع بالرئيس اذا أدلوا ب "نعم" في التصويت او يقابل بيكر اذا امتنعوا عن التصويت. حصل بيكر ايضاً على دعم اعضاء المجلس الموقت في اثيوبيا ودعم زائير، ورومانيا. اوضحت ساحل العاج انها ستدعمنا ولكن، مثلها مثل السوفيات، لم تكن مستعدة لقول ذلك علناً. وهكذا، عندما بدأ بيكر هذه الاندفاعة الاخيرة، كان لدينا تسعة اصوات في المجلس. على نحوٍ غير مفاجئ، عَارَضَ الرئيس اليمني القرار وقال ذلك في مؤتمر صحافي مع بيكر بعد اجتماعهما. كان الكولومبيون متهرّبين، ويبحثون عن حل وسط من شأنه ان يشجع صدام على الانسحاب في مقابل تنازلٍ يسمح له بإنقاذ ماء الوجه. بعد مكالمة هاتفية في هذه الاثناء من الرئيس بوش، أبلغَ الرئيس سيزار غافيريا تروخيللو بيكر انهم، في النهاية، سيعثرون على طريقة للتصويت معنا. كانت محادثة بيكر مع وزير الخارجية الماليزي ابو حسن صعبةً ايضاً…. جَادَلَ ابو حسن بأنهم، بينما لا يعارضون معاقبة صدام، فإن اسرائيل يجب ان تُعاقب على معاملتها للفلسطينيين في الاراضي المحتلة. أراد الماليزيون اعطاء العقوبات مزيداً من الوقت، ولم يريدوا اي علاقة لهم بقرارٍ قد يؤدي الى اخراج العراق من الكويت بالقوة. ولم يَعِد ابو حسن بشيء سوى درس مشروع القرار. برنت سكوكروفت وسط هذه الديبلوماسية الحذرة، كتبَ الرئيس السابق كارتر الى اعضاء مجلس الامن طالباً اليهم عدم دعم مشروع القرار. جادل بأن التكاليف في الارواح والعواقب الاقتصادية، ناهيك عن عدم الاستقرار الدائم في الشرق الاوسط، مرتفعة اكثر مما ينبغي وغير ضرورية "ما لم تُستنفد اولاً كل الجهود من اجل حلٍ سلمي". ودعا الى اصدار الاممالمتحدة تفويضاً بتفاوضٍ "حَسَنِ النيّة" مع الزعماء العراقيين للنظر في أسباب قلقهم ومطالبة العرب بمحاولة التوصل الى حل سلمي "من دون اي قيود على جدول اعمالهم". كانت رسالة لا يمكن تصديقها، تطلبُ من الاعضاء الآخرين في المجلس التصويت ضد بلده…. أجرى بيكر جولة مساعيه النهائية في نيويورك عشية التصويت. اجتمع هناك مع شيفاردنادزه ووضع اللمسات الاخيرة على لغة مشروع القرار، التي دعت اصلاً الى اعتبار 1 كانون الثاني يناير موعداً أقصى. أراد غورباتشوف تأخير الموعد الى 31 كانون الثاني - اي الى بعد شهرين من اصدار القرار. اقترح ميتران ان نقسم الفارق ونستقر على 15 كانون الثاني. وبالنظر الى ان هذا كان التاريخ الذي يستخدمه العسكريون على اي حال، فقد وافقنا. لم يكن تأكد لنا بعد كيف سيصوّت الصينيون وبذلنا مساعي ديبلوماسية في الدقيقة الاخيرة. لم نُرِد الضغط عليهم الى درجة تغضبهم وتؤدي الى استخدام الفيتو ضد القرار، لكننا اردنا ان نحاول اقناعهم بدعمنا. أبْرَقَ الرئيس بوش الى الرئيس الصيني يانغ شانغكون، ورتّبَ بيكر لكيان ان يزور واشنطن في اليوم التالي للتصويت، حسب ما اتفق الاثنان. في 29 تشرين الثاني نوفمبر، ترأس بيكر التصويت في مجلس الامن على القرار 678. كان تصويتاً مظفراً - 12 بالموافقة، كوبا واليمن ضد القرار، الصين امتنعت. فوَّضَ القرار "جميع الدول الاعضاء بالتعاون مع حكومة الكويت - ما لم ينفّذ العراق في حلول او قبل 15 كانون الثاني يناير 1991 ]القرارات[ تنفيذاً كاملاً - باستخدام كل الوسائل الضرورية لدعم وتنفيذ ]كل تلك القرارات[ واستعادة السلام والامن الدوليين الى المنطقة". الموعد الاقصى - ستة اسابيع من ذلك التاريخ - تمّ تحديده. جورج بوش بإصدار تفويضٍ بلغةٍ بسيطة باستخدام القوة لتنفيذ القرارات السابقة، وتحديد موعد أقصى، كان تصويت الاممالمتحدة اختراقاً هائلاً. كنتُ مسروراً. كنتُ أعلم ان عقباتٍ اخرى كامنة لا تزال امامنا، ولكن مع اصدار هذا القرار بعد قدرٍ كبيرٍ من الديبلوماسية الفعّالة جداً من جانب الفريق كله - خصوصاً بيكر وتوم بيكرينغ - شعرتُ بأن عبئاً ثقيلاً قد أُزيح عن كتفيّ. اذ خفّف ذلك من بعض مشكلات المحافظة على التحالف وحسَمَ مسألة النقاش في شأن الحاجة الى استفزاز قبل ان يمكننا التصرف. وبرغم اننا لم ندرك هذا في ذلك الحين، فقد غيّر التصويت ايضاً النقاش مع الكونغرس، وأوجدَ سياقاً لاستخدام القوة ساعد في كسب الكونغرس الى جانبنا. لقد صوّت مجلس الامن بالذهاب الى حرب