«الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    جدّة الظاهري    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الحادية عشرة . سأل بوش ميجور "... ما رأيك في الرابعة من صباح 16 كانون الثاني ؟" وكتب لعائلته في اليوم الأخير من 1990 "احياناً أظن ان صدام قد ينسحب"
نشر في الحياة يوم 08 - 10 - 1998

في هذا القسم الثاني من الفصل ال 17 وعنوانه "عبر ضوضاء" يعرب الرئيس جورج بوش عن تخوفه من انه اذا طال أمد الحرب بعد ان تبدأ فقد تُوجه اليه في الكونغرس اتهامات بالتقصير تمهيداً لعزله. وكانت ادارته تواجه، اضافة الى "شكوى" الكونغرس و"تردده" مبادرات من أطراف كثيرة لتجنب الحرب. ووسط هذه الأجواء كان البريطانيون "ثابتي العزم"، كما يقول بوش. وعندما زار رئيس الوزراء جون ميجور، الذي خَلف مارغريت ثاتشر، الولايات المتحدة، تساءل بوش عما اذا كان ينبغي ان يطلعه على تفاصيل خطة الحرب وساعة الصفر، كونه حديثاً في منصبه.
كَتَبَ جورج بوش يوم 14 كانون الاول ديسمبر في مفكرته "أخيراً كوّنا بعض المجموعات لتخرجَ الى هناك وتدافع عن وجهة نظرنا. لقد سيطر سام نان، الذي يضحكون عليه بتسميته نيفيل، وجورج ميتشل وآخرون على المسرح لمدةٍ اطول من اللازم. لم نخرج من الادغال بعد - اذ لم ينضم الينا الكونغرس - لكن استطلاعات الرأي العام الاخيرة تُظهر ان الشعب الاميركي اكثر دعماً بكثير مما كنتُ أظن. لا استطيع القول أنني أوجدت التصميم للضغط على الزناد، لكن بوسعي ان اقول لكم... انهم اذا لم يخرجوا في حلول 15 كانون الثاني يناير، فسيتعين عليّ اتخاذ القرار في صورة سريعة جداً.
في 18 كانون الاول ديسمبر، تلقيتُ تقريراً من 80 صفحة من منظمة العفو الدولية عن انتهاكات حقوق الانسان في الكويت. أقلقني قلقاً عميقاً وشجعتُ آخرين على قراءته. أرسلتُ نسخاً الى سفراء دول التحالف وكذلك الى اعضاء الكونغرس. وكانت منظمة العفو ستسلّمه الى مجلس الامن. كان التقرير مليئاً بأوصاف لحالات انتهاك معينة، وموثِّقاً لرواياتٍ عن أبشع انواع التعذيب المُنظَّم للكويتيين. كانت هناك روايات مرعبة عن التمثيل بالضحايا والاغتصاب، وكذلك الاعدامات التعسفية. قرأت قصصاً عن اخذ الجنود العراقيين أُناساً من منازلهم وقتلهم بالرصاص امام عائلاتهم، وعن إخراج أُناس من السيارات كي يُضرَبوا ويُطلق عليهم الرصاص، وعن إلقاء جثثٍ في الشوارع، وعن حجب العراقيين العلاج الطبي عن الكويتيين ونهب معدات طبية. ورَوَت الوثيقة مجدداً قصةً من قصص الايام الاولى للحرب عن إخراج الجنود العراقيين أطفالاً رُضّع من الحاضنات في احد المستشفيات وتركِهم ليموتوا، مستخدمة روايات شهود العيان والاطباء والمتطوعين الذين كانوا هناك.
المفكرة، الخميس 20 كانون الاول ديسمبر
عقدنا اجتماعاًَ عاطفياً جداً على الاقل بالنسبة اليّ مع الأسقف ادموند براوننغ. كان قد عاد للتو من الاردن والعراق. كان يوجه مناشدة من اجل السلام، ويشير لي ان كل من قابلهم يريدون السلام. شَعَرَ بأنه لا يستطيع بأي سبيل من السبل ان يتغاضى عن العنف... عرضتُ عليه تقرير منظمة العفو الدولية الذي كان قد ترك انطباعاً عميقاً في نفسي، وسألته: الآن ماذا نفعل بشأن السلام؟ كيف نعالج الامر فيما اولئك الناس يُغتَصَبون؟ كيف سيكون موقف الأسقف في الحرب العالمية الثانية؟
قابلتُ ايضاً وفدين من الكونغرس بمن في ذلك جورج ميتشل. كلما تحدثت اكثر الى هذه الوفود، اقتنعتُ بأنه سيكون عليَّ ان اتخذ القرار ]وحدي[، وسأضطر الى تحمّل الضغط. لا بد لي من اقتسام الفضل مع الكونغرس والعالم اذا نجح الامر بسرعة، ]مع[ خسائر في الارواح يمكن قبولها - مهما تكن هذه - وهزيمة سريعة لصدام" ولكن اذا طال أمد الحرب، فلن يُلقى باللوم عليّ فحسب، ولكن يُحتمل ان يبدأ تقديم اتهامات بالتقصير ضدي كما قال دان أنوي...
22 كانون الاول ديسمبر
طلبتُ من بوب بيرد، قبل اسبوع او نحو ذلك، ان يُرسل اليَّ رأيه في شأن ما يجب علينا ان نفعله في خصوص المشاورات مع الكونغرس. كتَبَ اليَّ رسالة قائلاً انه يجب عليّ ان احاول الحصول على اعلان حرب. كانت رسالة حكيمة جداً من رجل يعرف بالتأكيد مجلس الشيوخ، وأعطى قدراً كبيراً من التفكير لشكل الحكومة الثلاثي الأطراف. يشعر بأننا لم نشرح قضية استخدام القوة، وهو على منوال ان العقوبات ستؤدي المهمة المطلوبة.
أشد ما يُقلق بوب بيرد، وهذا يُقلق الشعب الاميركي والاعضاء الآخرين في الكونغرس بل يُقلقنا كلنا، هو حرب بريّة نغرز فيها. انه يتحدث عن "خسائر متعاظمة في الارواح"" يسميها آخرون "اكياس جثث". يشير الى انه اذا كان تعداد القتلى في الجانب العربي مرتفعاً، فإننا حتى في النصر سنخسر. والواقع انه يقول "ان هزيمة سريعة للقوات العراقية يمكن جداً ان تُطلق شلال عواقب وردود فعل تُقلص قدرتنا في الأجل الطويل وتؤثر في الاحداث في المنطقة".
الشكوى والتردد ضمن الكونغرس كان في موازاتهما تململٌ ضمن التحالف. اذ ان الاعلان المفاجئ عن الدعوة الى عزيز، التي سبّبت قلقاً كبيراً في اوساط بعض حلفائنا، أثار مبادرات ديبلوماسية اخرى في كانون الاول ديسمبر. كانت هناك مؤشرات الى ان الفرنسيين والايطاليين، كذلك المجموعة الاوروبية قد تُرسلُ بعثات منفصلة الى بغداد. كنا قلقين خصوصاً بشأن الفرنسيين. اذ كان ردّ فعلهم فاتراً على قرار مجلس الامن، وبدأوا ينأون بأنفسهم عنه في التصريحات العلنية مع انهم لم ينشقّوا ابداً عن صفوف التحالف. كان ميتران لا يزال متمنعاً عن المساعدة في اعادة حكومة الأمير أمير الكويت. كان مساعداً في اشياء كثيرة اخرى في ما يتعلق بالخليج - على رغم ان الفرنسيين كانوا غير موافقين بعد على وضع قواتهم تحت قيادة اميركية - لذا كنا متفائلين بشأنهم. بعثَ الرئيس بوش اليه برسالة في 7 كانون الاول ديسمبر يطلب منه تعزيز مجموعة القوات الفرنسية وألا يقيم قنوات موازية مع العراق. وافق ميتران على إرسال تعزيزات، لكنه قال انه لم يحزم رأيه هل يُجري اتصالاً مباشراً مع العراق أم لا.
جورج بوش
بدا البريطانيون، من ناحية اخرى، ثابتي العزم كما هو دأبهم دائماً. وصل جون ميجور الى واشنطن في 21 كانون الاول ديسمبر للقيام بزيارته الاولى كرئيس للوزراء. كنتُ قد قابلته من قبل واحببته فوراً. كان من المفروض ان نطير الى كامب ديفيد بمجرد وصوله لكن الطقس كان سيئاً جداً ولم تستطع طائرات الهليكوبتر التحليق. بدلاً من ذلك توجهنا بالسيارات. وبينما كنا ننتظر السيارات، سألتُ برنت هل يجب ان اشرح الجدول الزمني وخطتنا للخيار العسكري لجون، الذي كان بعد كل حساب، في المنصب منذ فترة قصيرة فقط. تساءلتُ هل من الافضل ان اتحدث بعبارات عامة الآن وأُبقي الخطط التفصيلية لوقت لاحق. نصحني برنت بقوة بأن أُعطي كل نتفة معلومات موجودة لدينا على الفور. صعدنا الى السيارات، وكان برنت وتشارلز باول جالسين على مقاعد مقابلة لمقاعدنا، وخلال توجه الموكب بسرعة نحو الجبال عبر الضباب الكثيف وعلى طرق متعرجة، أخبرتُ جون بكل شيء. قلتُ اننا ننوي بدء العمليات الهجومية بعد انتهاء الموعد الاقصى مباشرة. سألته: "ما رأيك في الساعة 0400 من صباح السادس عشر؟ كيف يروق لك ذلك؟" لم نكن قد اعطينا أوامر بعد لعسكريينا، ولم نناقش الموعد مع مسؤولين آخرين في الحكومة. كان هذا "سراً مكنوناً" جداً.
كان أمراً يمكن فهمه تماماً لو ان جون قال ان عليه ان يعود اليّ بجواب، وانه يجب ان يتحدث الى مجلس وزرائه او الى عسكرييه لكنه لم يجفل ابداً. اعلن على الفور ان البريطانيين سيكونون معنا على طول الطريق. لن أنسى ذلك ابداً. صارَ اول زعيم اجنبي يعرف بخططنا الحربية، والاول من خارج حلقتنا الداخلية - وهو ما يستحقه، بالنظر الى إمكان الاعتماد عليه والى دعمه الذي لا يتزعزع، ودعم مارغريت ثاتشر من قبله.
في 20 كانون الاول ديسمبر جاء النبأ المذهل أن إدوارد شيفاردنادزه قد استقال، وتلا ذلك كشف غورباتشوف ان وزير خارجيته لم يتحدث اليه في الامر. ذعرتُ بهذا التطور وما قد يعنيه بالنسبة الى الأزمة، والتحالف، والعلاقة بين الدولتين العظميين ككل. لم يكن شيفاردنادزه قد اعطى اي تلميح الى وجود مشكلة عندما زارنا في واشنطن في 12 كانون الاول ديسمبر، ولم ينبس بكلمة لجيم. أدهشني ذلك فعلاً، لأنني كنتُ أعلم مدى العلاقة الوثيقة بينهما وما كانا يشعران به من احترام حقيقي وصداقة كلٌ منهما للآخر. كانت الثقة المتبادلة بينهما مهمة جداً في جلب غورباتشوف الى جانبنا في ما يتعلق بالعراق. بعد ايام قليلة من ذلك، في 27 كانون الاول ديسمبر ارسل غورباتشوف الكساندر بسميرتنيخ ليسلّم رسالة عن الاستقالة. أبلغني بسميرتنيخ ان غورباتشوف منزعج جداً ويعتقد بأن شيفاردنادزه مُنهك. أضافَ ان غورباتشوف أراد طمأنتي الى ان كل شيء باقٍ على حاله في علاقتنا. قرأ الرسالة المُترجَمة بصوت مرتفع. كانت فيها نغمة مرارة. ليس فقط لأن الاستقالة غير المتوقعة كانت ما سمّاه "عملاً غير وفي". ولكن لأن شيفاردنادزه أقدم عليها من دون مشاورته…. سلّم سيرغيه تاراسينكو رسالة الى بيكر من شيفاردنازده عن استقالته. قال انه كان له حديث مع غورباتشوف لمدة ساعتين، رفض خلاله الأخير استقالته. قال شيفاردنازده انها نهائية، وانه قدّم تضحيات كثيرة من اجل بيريسترويكا. والبقاء سيكون انتحاراً أخلاقياً.
برنت سكوكروفت
… صُدمتُ وقلقتُ بسبب مغادرة شيفاردنادزه. لقد أبْعَدَت آخر صوت اعتدال قريب من غورباتشوف، وتركته معرّضاً لخطر المحافظين، وبريماكوف، والمستعربين….
مع اقترابنا اكثر من امكان الحرب، كانت هناك حوادث كثيرة يمكن تفسيرها أنها توحي بأن بعضهم على الاقل في اوساط عسكريينا كان اقل من متحمس بشأن الامكان. حدثت هذه على خلفية صراع فيتنام. كان هناك قدر كبير من الشعور بأن العسكريين أُمِروا بالذهاب الى فيتنام من جانب زعامة مدنية ثم تُرِكوا ليتدبّروا أمرهم عندما تحول المناخ السياسي. وعبّر عن هذا الشعور، مُعزَّزاً بالفاجعة في لبنان، وزيرُ الدفاع كاسبار واينبرغر في 1984 عندما حدّ د شروطاً عدة لاستخدام القوة، داعياً الى دعمٍ من الجمهور يقرُبُ من حملةٍ قومية.
لم تبدُ الخطة الاصلية لاستعادة الكويت، والتي تم اطلاع الرئيس بوش عليها في تشرين الاول اكتوبر، مُصمَّمة من جانب اي شخص تواق الى الاضطلاع بالمهمة…. وعوّضَ عن اي دواعي قلق من هذا القبيل اجتماع مع هيئة الاركان المشتركة في كامب ديفيد في 1 كانون الاول ديسمبر، كانت النغمة فيه ايجابية جداً. قدّم الجنرال ميريل ماكبيك إيجازاً متفائلاً عن آثار حملة جوية لثلاثين يوماً ضد العراق، بما في ذلك الخسائر المتوقعة: خسارة 150 طائرة، مع انقاذ نصف الطيّارين، ومقتل ربعهم والآخرون أسرى ويُحتمل عرضهم عبر شوراع بغداد. اعْتَقَدَ بأن القصف سيدمّر نحو نصف المعدات العراقية الرئيسية على الارض.
غير ان الجنرال كالفين وولر نائب القائد في الخليج أبلغ الصحافة، في 21 كانون الاول ديسمبر، ان القوات ليست جاهزة بعد لأداء المهمة. وأعقبت ذلك جهود القيادة المركزية لتأخير التاريخ الذي يمكن ان تبدأ فيه اعمال القتال. وأشار واغز الى رسالة الرئيس لنكلون في 1862 الى الجنرال جورج ماكْليلان يسأل فيها، اذا كان الجنرال لا ينوي استخدام جيشه، فهل يستطيع الرئيس استعارته لفترة من الوقت؟
جورج بوش
صباح اليوم السابق لعيد الميلاد، اجتمعتُ مع باول وتشيني وسكوكروفت وغيتس في كامب ديفيد للاطلاع على احدث التطورات. كان تشيني وباول قد عادا للتو من الخليج، حيث حققا في الجاهزية في اعقاب تعليقات وولر. أردت ان اعرف متى يمكننا ان نبدأ بتوجيه ضربات جوية بعد انقضاء الموعد الاقصى، وكم من الوقت قد يمضي قبل ان يرفع صدام العلم الابيض. أعدنا تأكيد اقتناعنا بأننا كلما استطعنا البدء في موعد أبكر بعد 15 كانون الثاني يناير كان ذلك أفضل - وسيكون هذا قريباً من اليوم الذي كنتُ ذكرته لجون ميجور.
تحدثنا عما اذا كانت القوات العربية ستشارك في حملة برية اذا وصل الامر الى ذلك. قد يتردد المصريون والسوريون في مهاجمة العراقيين. كم سيستغرق من الوقت نزع سلاح القوات العراقية المتبقية في الكويت؟ ماذا سنفعل عندئذ؟ هل سنحتفظ بوجود عسكري هناك، وكم سيكون حجمه ولأي مدة؟ هل نترك معدات وراءنا؟ ما هي الخسائر التي يمكن ان نتوقعها؟ وعرضنا ايضاً تفاصيل بشأن أمور مثل متى نُغلق سفارتنا في بغداد، وكيف نقطع العلاقات الديبلوماسية. تحدثنا عن مذكّرة ديبلوماسية نهائية الى صدام يُسلّمها جيم. لا بد من ان تكون رسالة قوية، تذكّر صدام بأنه يواجه قوة ساحقة وانه سيُسحق.
برنت سكوكروفت
كان قد جرى النظر في بعض هذه الاسئلة ضمن اجهزة موظفي الوزارات ومجلس الامن القومي…. كان اهم هدف تقليص جبروت صدام العسكري حتى لا يمكنه تشكيل خطر على المنطقة، ولكن مع عمل ذلك بطريقة يكون فيها العراق آمناً من التهديدات الخارجية ويُحْفَظُ بها التوازن مع ايران. تركّزت المناقشات اللاحقة في اللجنة: هل يجب مدّ الضربات الجوية الى ما وراء منطقة العمليات في الكويت الى قوات صدام في العراق. في النهاية، كانت التوصية بالتركيز على تدمير افضل قوات العراق تدريباً وتجهيزاً - فِرَقْ النخبة التي يتكوّن منها الحرس الجمهوري - حيثما استطعنا العثور عليها. وبما ان تلك القوات كانت ايضاً العمود الفقري لنظام الحكم، فإن تدميرها من شأنه ان يزيد من تقويض قبضة صدام على السلطة. كان حلفاؤنا العرب مقتنعين، وبدأنا نحن نفترض، ان إلحاق هزيمة اخرى بصدام في ميدان المعركة سيُدمّر ما له من دعمٍ ضمن المؤسسة العسكرية، التي يُحتمل ان تطيحه عندئذ. وَضَرْبُ الحرس الجمهوري يوصل الى لبّ المشكلة.
أثارت اللجنة ايضاً مسألة جعل إزالة صدام هدفاً. كانت المشكلة، عدا استهدافه شخصياً وهو أمر من الصعب جداً تحقيقه بضربات جوية، والاغتيال لم يكن خياراً، اننا لم نعرف كيف يمكن تحقيق ذلك. لم يكن بوسعنا جعله هدفاً للتحالف، لأن هذا كان بعيداً جداً عن نطاق قرارات الامم المتحدة التي ترشدنا. وقد يشقّ التحالف ايضاً. واذا جعلته الولايات المتحدة هدفاً من جانب واحد، واعلنته بهذه الصفة، فسنكون في وضعٍ صعب سياسياً وعسكرياً. اذ سنُلزم أنفسنا - وحدنا - بإزاحة نظام حُكم وتنصيب نظام حُكم آخر، واذا لم يأخذ العراقيون أنفسهم الامور بأيديهم، سنواجه احتلالاً غير محدود الأجل لدولةٍ معادية وقدراً من الجهود المشكوك فيها ل "بناء أمّة". على صعيد واقعي، اذا سقط صدام، فإن ما يبرز لن يكون ديموقراطية، وانما رجلاً قوياً آخر، ربما أقل إثارة للمشكلات. كان افضل حل هو إلحاق اكبر ضرر ممكن نستطيع إلحاقه بقوته العسكرية، وان ننتظر انهيار نظام حكم البعث. سنُركّز على تحرير الكويت ومغادرة المنطقة بأسرع ما يمكن - محققين اهدافنا من قرارات الامم المتحدة ووعودنا لحلفائنا العرب، ومدمّرينَ، حسب ما أملنا، قاعدة قوة صدام. وهكذا، فان هذه الاهداف والحدود حُدِّدت قبل مدة طويلة من نهاية السنة، وصارت مراجعة اللجنة في نهاية الامر أساس التوجيه الذي سيوقّعه الرئيس في كانون الثاني يناير، والذي سيؤذن ببدء عاصفة الصحراء.
جورج بوش
المفكرة، 24 كانون الاول ديسمبر، كامب ديفيد
انها عشية عيد الميلاد، وانت تفكّر في العائلات والأحباء المتفرقين. قرأت عشر او خمس عشرة رسالة، كلها تقول "إعتَنِ بإبني"" وبعضها يقول "أرجوك لا تطلق النار"" وبعضها يقول "المسألة لا تستحق الموت من اجل البنزين"" وتستمر على هذا المنوال" لكن الصرخة هي "صنْ إبني، صنْ إبني". ثم اجلس هنا عارفاً انه اذا لم يحدث تحرك تجاه صدام، فإن علينا ان نذهب الى الحرب" لكننا في حربٍ أصلاً... اذ يجري تدمير عائلات كويتية وترويعها، بل قتلها في هذه الليلة بالذات. لقد حُدِّد المبدأ، ولا يمكن ان نفشل.
انني أتقدم في العمر، ولكن هل يسهّل هذا إرسال إبن شخص آخر ليموت؟ أم ان هذا يجعله أصعب؟ كل ما أعلم هو ان الخطوة صحيحة. أعرف العواقب اذا ما فشلنا، وأعلم ما سيحدث اذا تركنا الخامس عشر يمر ونحن نبدو ضعفاء، او غير مستعدين لعمل ما يجب علينا عمله….
أجملتُ مشاعري في رسالة الى أطفالي كتبتها في 31 كانون الاول ديسمبر من كامب ديفيد.
أعزائي، جورج، جيب، نيل، مارفن، دورو،
أكتب هذه الرسالة في اليوم الاخير من 1990
أولاً، لا استطيع ان أصف لكم كم كان عظيماً انكم أتيتم الى هنا في كامب ديفيد. أحببت الألعاب مشاة البحرية لا يزالون مغتاظين من نتيجة 1 الى 2، أحببت يوم عيد الميلاد، الذي لم يَشُبْ صفوَه سوى غياب سام وأللي ]طفلي ابنتي دورو[. أحببت الافلام - بعضها - وأحببت الضحكات. اكثر ما أحببت كان رؤيتكم معاً. اننا عائلة مباركة" وعيد الميلاد هذا عزّز كل ذلك.
أرجو الا اكون قد ظهرتُ مزاجياً. حاولت ألا اكون.
عندما جئت الى هذا المنصب أقسمتُ انني لن أفرك يديّ ابداً وأتحدث عن "اكثر المناصب في العالم تسبباً في الشعور بالوحدة" او ان أفرك يديَّ بسبب "الضغوط او المِحَن". أما وقد قلتُ هذا، فإنني قلق بشأن ما ينتظرنا. ليس هناك شعور ب "الوحدة" مع ذلك، لأنني مدعوم بفريق من الطراز الاول من الناس ذوي الخبرة والإلتزام. ما من رئيس حظي ببركة اكثر من هذه الناحية.
فكّرتُ طويلاً وبعمق في شأن ما قد ينبغي عمله. فيما اكتب هذه الرسالة في نهاية السنة، ما زال هناك بعض الأمل في ان ينسحب ديكتاتور العراق من الكويت. يتنوّع شعوري في خصوص ذلك. احياناً أظن انه قد ينسحب، واحياناً اخرى اعتقد بأنه، ببساطة، مُغْرِقٌ في عدم الواقعية، وجاهلٌ جداً بما قد يواجهه. أشعر بالطمأنينة التي تأتي من معرفتي اننا بذلنا قصارى جهدنا من اجل السلام. ذهبنا الى الامم المتحدة" شكّلنا تحالفاً تاريخياً. كانت هناك مبادرات ديبلوماسية من بلدٍ بعد بلد. وهكذا نجد أنفسنا هنا على بعد 16 يوماً قصيرة من تاريخ مهم جداً - التاريخ الذي حددته الامم المتحدة لتقيّده التام بكل قرارات الامم المتحدة، بما فيها الانسحاب من الكويت - كلياً.
اظن ان ما أريدكم كأب ان تعرفوه هو:
كل حياة انسانية ثمينة. عندما يوجَّه السؤال: "بكم من الأرواح أنتَ مستعد لأن تضحي" - يمزق السؤال قلبي. الجواب، بالطبع، ليس بأي روح، على الاطلاق. انتظرنا لنعطي العقوبات فرصة، نقلنا قوة هائلة لكي نُقلّل الخطر على كل جندي اميركي اذا كانت القوة ستستخدَم" لكن مسألة فقدان أرواح ما زالت ملحة وتشغل قلبي.
ذهني يعود الى التاريخ:
كم من الأرواح كان يمكن ان تُصان لو ان الاسترضاء أفسح في المجال للقوة في وقت أبكر في اواخر الثلاثينات او اوائل الاربعينات؟ كم من اليهود كان يمكن انقاذهم من حُجرات الغاز، او كم من الوطنيين البولنديين كان يمكن ان يكونوا على قيد الحياة اليوم؟ أنظرُ الى ازمة اليوم على اساس انها "خير" في مقابل "شر". نعم انها واضحة الى هذا الحد.
أعلمُ ان موقفي لا بد من ان يسبب لكم بعض الجزع من حين الى حين" وهذا يؤلمني" ولكن هنا في "نهاية السنة" أردتُ ان تعرفوا بماذا أشعر:
- كل حياة انسانية ثمينة.
- المبدأ يجب التمسك به - صدام لا يمكنه ان يجني ربحاً بأي شكل على الاطلاق من عدوانه ومن تعذيبه شعب الكويت.
- وفي بعض الاحيان في الحياة عليك ان تتصرف حسب ما تعتقد انه الافضل - لا تستطيع قبول حلول وسط، لا تستطيع ان تُذعن، حتى لو كان منتقدوكَ مرتفعي الصوت وكثيرين.
لذا، أطفالي الأعزاء، أوصدوا الابواب.
قال لي السناتور انوي ممثل هاواي: "السيد الرئيس، إفعل ما عليك ان تفعل. اذا كان سريعاً وناجحاً فالكل سيأخذون الفضل. إذا كان طويلاً، عندئذ كن مستعداً لأن يوجه بعضهم في الكونغرس اوراق اتهام اليك بالتقصير". هذا ما قاله وهو على صواب 100$.
لذا سأتلو بعض الصلوات الاخرى، بصورة رئيسية من اجل أطفالنا في الخليج، وسأفعل ما يجب عمله. وسأتقوى كل يوم بحب عائلتنا الذي يرفع معنوياتي كل يوم من أيام حياتي. انني أسعد الآباء حظاً في العالم الرحب كله.
أحبكم. أتمنى لكم سنة جديدة سعيدة وليبارك الله كل واحد منكم وكل فردٍ من أفراد عائلتكم،
المخلص
أبوكم".
أنهينا السنة بتهديدات من زعيم الغالبية ديك غيفارت وآخرين بأن الكونغرس قد يقطع التموين اذا مضيتُ قدماً من دون اعلان حربٍ من الكونغرس. وفي الخليج استثار العراقيون لعنة ضدي وأقسموا ألا يغادروا الكويت.
تحدثنا، برنت وأنا، مرتين في 31 كانون الاول ديسمبر، وقلتُ له انني اعتقد بأننا يجب ان نحاول مرة اخرى ترتيب اجتماع مع عزيز او حتى مع صدام. كان ميتران يُلحّ على ذلك لأسبابه السياسية الداخلية، وكنتُ اعلم ان جيم يريد ان يحاول مرة اخرى. ولكن بدا لي هذا ايضاً طريقة جيدة لإقناع اعضاء الكونغرس المتمنعين بأننا استنفدنا السبل الديبلوماسية، وهو ما سنحتاج اليه اذا أردنا تمرير القرار. لم يشعر برنت بأن أياً من الاجراءين ضروري، لكنه لم يحاول اثنائي عنهما، اخبرني ان جيم اقترح ان ننتظر حتى 3 كانون الثاني يناير، عندما تكون النافذة قد أُغلقت، قبل ان نُبدي أي لفتة اخرى تجاه بغداد. سألته هل هناك أي انباء عن التاريخ الذي قد يكون فيه العسكريون مستعدين للبدء. قال ان باول يقول ان التاريخ سيكون في وقت ما بين 18 و22 كانون الثاني يناير. كان هذا قريباً من الموعد النهائي، ولكن بدا انه ينجرف الى الوراء اكثر وأكثر. قلتُ لجيم ان علينا ان ندخل في نافذة كانون الثاني.
المفكرة، 1 كانون الثاني يناير
لا بد لي من ان أعترف بأنني أفقتُ عند منتصف الليل متسائلاً عما سيجلبه العام 1991... كلما فكّرتُ في المسألة، ازددت اقتناعاً بأن علينا ان ندخل القتال... ولكن الامر صعب عندما تُضطر الى مشاورة ذلك العدد الكبير من الحلفاء وعندما يتعيّن عليك تنسيق امور كثيرة - الجبهة الديبلوماسية، مواقف الاطراف الثالثة مثل اسرائيل، كيف تعالج أمر الاردنيين وامتناعهم عن عمل شيء ما؟ أي ]إنذار[ نوجّه الى صدام حسين؟... كيف نعالج أمر الكونغرس؟ واستنتجت تقريباً ان الطريقة لعمل ذلك، هي التحدث والتحدث والتحدث على مدى الاسبوعين المقبلين ثم اشعارهم بموجب قرار سلطات الحرب - او فلنقل "تمشياً، مع قرار سلطات الحرب".
صباح اليوم الثاني جمعت برنت وجيم وجون سنونو وشرحتُ أنني أريدُ اجتماعاً اخيراً واحداً لإيصال الرسالة الى صدام شخصياً بشأن ما كان يواجه، ربما في سويسرا" اذ ان ترتيب "البلاد والبلاد" الاجتماع مرة في واشنطن واخرى في بغداد أُغْلِق. قررنا الاعلان عن ذلك في اليوم التالي، 3 كانون الثاني يناير، شرطَ ان نستطيع إكمال مشاوراتنا مع الحلفاء - لن تكون هناك مفاجآت هذه المرة. لطمأنتهم شددت على ان العرض لا يزال خاضعاً للشروط نفسها التي خضع لها اقتراحنا الاخير في كانون الاول ديسمبر - لا مفاوضات، لا حلول وسطاً، لا محاولات لإنقاذ ماء الوجه، لا مكافآت للعدوان.
المفكرة، 2 كانون الثاني يناير
يتصل بي بيكر في الساعة 3.45 في الثاني... ويقول: "لا تُغلق الباب أمام ذهابي الى بغداد للقاء صدام حسين"، وأقول له انني ميّال الى إغلاق الباب وإبقائه مغلقاً لأن هذا الشخص يتقلّب ويناور. وهذا الاجتماع سيحلّ محل اي من الاجتماعين عندهم وعندنا. يبدو جيم غير مسرور بذلك، ولكن يبدو انه يريد جداً الذهاب الى بغداد وكان يريد ذلك منذ البداية. لكنني غير ميّال الى ذلك. اعتقد انه بالنظر الى التقارير التي تقول اننا نتذبذب، يجب ان نُغلق الباب الآن.
في ذلك المساء أبرقتُ الى شركائنا في التحالف لأبلغهم خطتنا، وفي وقت مبكر من صباح اليوم التالي تحدثتُ الى ميجور وميتران. كانوا كلهم وراءنا.
في اليوم التالي أعلنتُ عرض إرسال جيم الى جنيف في 7، او 8، او 9 كانون الثاني يناير، وانه سيقوم بجولات مرة اخرى على حلفائنا. كانت تلك مخاطرة. يمكن جداً ان يستغل صدام الاجتماع ليعلن خطة زائفة مع عددٍ غير معروف من الشروط المرفقة بها، وربما سحب بعض الجنود وتمهل في اخراج الباقين بينما يقول انه يريد ان يتحدث…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة