"إن اسرائيل هي أكثر دولة مهددة بالصواريخ الباليستية". هذا ما صرح به رئيس الهيئة الأميركية للدفاع ضد الصواريخ الباليستية أرض - أرض الجنرال فريق أول ليسترل ليلس، في حديث نشرته "هآرتس" يوم 25/8/1998 نقلاً عن مجلة "السلاح الجوي الإسرائيلي". وأضاف انه "مع وجود التهديدات من جانب إيران وسورية ولبنان، فإن اسرائيل تواجه تهديداً جدياً يقوي الحاجة إلى وسائل الدفاع ضد الصواريخ أرض - أرض". وفي الولاياتالمتحدة صرح النائب الجمهوري المعارض في الكونغرس، مايك باباس، في حديث إذاعي يوم 29/8/1998، نشرت أهم فقراته صحيفة "واشنطن بوست" في 30/8/1998بأن "الولاياتالمتحدة في الوقت الحاضر قابلة للتعرض لهجمات صاروخية، وتلك حقيقة مروعة". واضاف: "الواقع أنه ليس لدينا نظام دفاعي في الخدمة الميدانية يمكنه تدمير أية صواريخ معادية قبل ان تصل إلينا". ومضى موضحاً "تحسنت تكنولوجيا أعدائنا المحتملين منذ حرب الخليج. فمنذ ذلك الوقت طورت دول مثل ايرانوكوريا الشمالية صواريخ بعيدة المدى قادرة على إلحاق ضرر مماثل، أو حتى أكثر، من الأضرار التي حققتها صواريخ "سكود" العراقية في حرب الخليج"، وأضاف "لذلك فإنني أطالب الرئيس كلينتون، بإلحاح، بأن يتخذ فورا القرار السليم بتطوير نظام دفاعي مضاد للصواريخ"، وتابعت "واشنطن بوست" موضحة أن تطوير نظام دفاعي أميركي ضد الصواريخ الباليستية هو مشروع دفاعي مطروح بصورة مستمرة منذ أن دعمه الرئيس رونالد ريغان في الثمانينات. وواجه هذا المشروع، الذي سمي مبادرة الدفاع الاستراتيجي أو "حرب النجوم" انتقادات من حيث كلفته الباهظة وأنه يشكل انتهاكاً لمعاهدات الحد من التسلح المعقودة مع الاتحاد السوفياتي معاهدة 1972. لكن الكونغرس داوم على توفير بعض المخصصات المالية لتطوير بحوث مشروع الدفاع ضد الصواريخ. ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، نقلاً عن مراسلها في واشنطن، يوم 27/8/1998، أن فريقاً اسرائيلياً يضم ممثلين لوزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات العسكرية و"الموساد" سيعقد اجتماعا في واشنطن، في اليوم نفسه، مع فريق اميركي برئاسة السفير الخاص، روبرت غالوسي، المسؤول عن تنسيق الجهود لمنع المساعدات الروسية لإيران في مجالي الطاقة النووية والصواريخ الباليستية. واستطردت قائلة إنه جرى اجتماع تمهيدي، في الأسبوع الماضي، بين أحد مسؤولي السفارة الاسرائيلية في واشنطن ومسؤول من الإدارة الاميركية، أكد فيها المسؤول الأميركي على ضرورة التوصل الى السبل التي تؤدي الى "تأخير، أو عرقلة، أو حتى احتمال إزالة قدرة ايران على تلقي المكونات التي تحتاجها لتطويرها الجاري حاليا للصاروخ شهاب - 4 يقال إن مداه سيصل الى 2000 كلم". تلك كانت آخر ردود الفعل الاسرائيلية والاميركية ذات الدلالات الاستراتيجية منذ أن اطلقت ايران، في السادسة من صباح يوم 22/7/1998، صاروخها الباليستي المسمى "شهاب -3" الذي يبلغ مداه 1300 كلم والقادر على حمل رأس حربي وزنه طن، في اول اختبار عملي له، وصل فيه الى ارتفاع 250 كلم فوق سطح البحر ثم قطع مسافة 800 كلم بسرعة 7000 كلم في الساعة قبل ان يتم تفجيره في الجو. وصرحت مصادر عسكرية اسرائيلية رفيعة لپ"هآرتس"، يوم 25/7/1998، بأن إطلاق الصاروخ المذكور يُعد بمثابة إعلان من قِبَل ايران تقول فيه "إننا موجودون على الخريطة". ذلك لأن ايران اقدمت على إجراء هذا الاختبار غير العادي للصاروخ قبل "أن يكتمل تطوير كل الانظمة الخاصة به". فالصاروخ في هذه المرحلة ليس سوى "أنبوب له محرك ما يعني انه لازال بعيدا عن ان يكون نموذجا اختباريا كاملاً لشهاب - 3". ولكنهم لاحظوا أن الاختبار رغم ذلك كان "كافيا لتحقيق هدف ايران السياسي ألا وهو الانضمام الى النادي الدولي للصواريخ بعيدة المدى". وفي الولاياتالمتحدة صرح الناطق باسم البيت الابيض مايك ماكوري، مشيراً الى ايران، يوم 24/7/1998، بأنه "مصدر قلق بالنسبة لنا ان يتابعوا برنامجا له هذه الطبيعة". وأضاف: "اختبار واحد لا يغير في ميزان القوى، لكن اتجاه برامجهم يمكن ان يكشف المزيد في شأن موقفهم من التوازن العسكري في المنطقة". وفي اليوم نفسه قلل البنتاغون من اهمية اطلاق "شهاب - 3"، إذ قال ناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية إن طهران ستستغرق وقتا طويلا وستجد صعوبة كبيرة في تطوير الصاروخ اذا لم تحصل على تكنولوجيا خارجية. وعبر الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية، في اليوم ذاته، عن القلق في شأن اختبار الصاروخ الايراني المذكور. وقال: "إن السؤال هو هل ستتبنى ايران سياسات لا تهدد مصالح جيرانها في العالم. ونحن نعتقد بأن إحدى الوسائل التي يمكن بواسطتها أن نسعى الى هذاالهدف، اضافة الى إعاقة مساعدة ايران من بلدان اخرى ومنعها، هي ان نتحدث الى الايرانيين ونعبر لهم عن مخاوفنا بشكل مباشر"، واضاف: انه على رغم الاختبار الصاروخي المشار اليه، لا تزال القدرة الصاروخية الايرانية في مرحلة التطوير. إلا أن كلاً من اسرائيل والولاياتالمتحدة، رغم هذا التقليل من اهمية اختبار الصاروخ الايراني المذكور، تعيشان حال قلق متزايد منذ الاختبار المبدئي لپ"شهاب - 3". وصرح الرئيس كلينتون معلقا على الاختبار المذكور، يوم 23/7/1998، أنه في حال توصلت ايران الى نشر صواريخ متوسطة المدى فإن ذلك "قد يغير ديناميكيات الاستقرار الاقليمي في الشرق الاوسط. ولذلك عملنا بشدة مع كوريا الشمالية، وغيرها من الدول، بهدف الحيلولة دون نقل الصواريخ وتكنولوجيا الصواريخ الى ايران"، وبخصوص بدء انفتاح العلاقات السياسية اخيرا بين الولاياتالمتحدة واسرائيل واحتمال تأثرها بهذا الحدث، قال كلينتون إنه من الواضح أن اختبار هذا الصاروخ يشكل "عقبة في طريق العلاقات الأفضل مع ايران التي نسعى اليها". واضاف "ولكني لا اعتقد انها ذريعة لإغلاق جميع الأبواب". كما صرح رئيس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي السناتور ريتشارد شيلبي ، يوم 24/7/1998، أنه إذا كانت ايران تملك صاروخا قادرا على تهديد جيرانها "ما الذي سيمنعها من تطوير الوسائل لتمكين سلاح كهذا من الوصول الى الولاياتالمتحدة وأي من حلفائنا". واعتبر شيلبي أن اختبار الصاروخ الايراني المذكور يوفر مبررا قويا آخر لإنشاء نظام دفاعي اميركي مضاد للصواريخ. وفي اسرائيل قال وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي، يوم 23/7/1998، إن على الولاياتالمتحدة والدول الاخرى ان تبذل جهودا مكثفة من اجل وقف مشاريع الصواريخ الايرانية ومنع المساعدات الاستراتيجية الروسية من الوصول الى طهران، لأن استمرار هذه المشاريع "سيغير ميزان القوى في الشرق الاوسط، ومن ثم يجب وقفها قبل فوات الأوان". وعاد موردخاي الى تناول الموضوع، يوم 2/8/1998، فقال: "إننا في حاجة الى ان نوجد الردود اللازمة لمواجهة هذا التحدي حاليا ومستقبلا ولكنها يجب ان تكون رداً صحيحاً". كما قال رئيس الأركان الاسرائيلي الجنرال شاؤول موفاز، في اليوم نفسه، إن "ايران تبذل جهودا لامتلاك صواريخ بعيدة المدى واسلحة غير تقليدية، وتضافر الجهود لبلوغ هاتين الغايتين يشكل خطرا على المدى الطويل". ونتيجة اختلاف الموقف السياسي للولايات المتحدة تجاه ايران نسبيا، عن موقف اسرائيل، وذلك نتيجة لسعي الرئيس محمد خاتمي لعلاقات سياسية اقل حدة مع الولاياتالمتحدة، حمّل موردخاي الولاياتالمتحدة جانبا من مسؤولية نجاح ايران في تطوير الصاروخ "شهاب - 3"، وذلك في حديث له، نشرته الدورية الفرنسية "السياسة الدولية" يوم 27/7/1998، قال فيه: "إن الولاياتالمتحدة تتحمل جانبا من اللوم إذا نجحت ايران في تطوير قدرتها في مجال الاسلحة غير التقليدية والصواريخ ارض - ارض بعيدة المدى"، واعتبر موردخاي ان هذه الملاحظة تنطبق ايضا على كل دول أوروبا التي وفرت لايران مساعدات من انواع مختلفة. ونشرت "هآرتس"، يوم 19/8/1998، مقالاً لمراسلها يوسي مليمان عنوانه: "الولاياتالمتحدة، ابقت اسرائيل في الظلام، حول الصاروخ الايراني"، قال فيه إن مصدرا موثوقاً به من الاستخبارات أخبر "هآرتس" أنه أصبح واضحا الآن ان الاستخبارات الاميركية كان لديها معلومات مسبقة عن استعدادات ايران لإطلاق الصاروخ متوسط المدى "شهاب 3"، ولكنها لم تبلغها لاسرائيل خشية أن تحاول الأخيرة اعاقة اختبار الصاروخ من خلال توجيه ضربة عسكرية الى ايران. واضاف المصدر الاسرائيلي المذكور قائلا انه يشك ان هناك سببا آخر لتكتم واشنطن وهو "فقدان المودة" بين المسؤولين الاميركيين ونظرائهم الاسرائيليين، خصوصاً بين الرئيس الاميركي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعد تعثر عملية السلام في الشرق الاوسط. هذا وتوقع المصدر الاسرائيلي المذكور اختباراً ثانياً للصاروخ خلال الاشهر المقبلة. والواقع ان الاختبار الايراني للصاروخ "شهاب - 3" لم يشكل مفاجأة استراتيجية بالنسبة الى كل من اسرائيل والولاياتالمتحدة. وسبق لرئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين ان صرح اثناء زيارة له لكوريا الجنوبية يوم 14/12/1994، بأن "كوريا الشمالية في صدد انتاج صواريخ من طراز "نودونغ - 1" يصل مداها الى 1300 كلم بمساعدة مالية من ايران". واتهم كوريا الشمالية بأنها سلمت ايران وسورية صواريخ "سكود" متوسطة المدى ومعدات عسكرية ساعدتهما على تحسين اداء مصانع الاسلحة فيهما. وزار مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية الجنرال ايتان بنستور كوريا الشمالية في العام 1992، ورأى بعد ذلك ان من الضروري لإسرائيل ان تشتري برنامجها لانتاج الصواريخ قبل ان تباع الصواريخ الى ايران، لكن الحكومة الاسرائيلية، آنذاك، لم تأخذ باقتراحه. مع ذلك، فإنه في نهاية العام 1992، وبعد ان حذر رئيس اركان السلاح الجوي الاسرائيلي الجنرال هيرزل بودينغر، من اهداف إيران الاستراتيجية، قرر السلاح الجوي شراء مقاتلات "ف - 15 أي" ذات المدى الاستراتيجي البعيد لتتوافر له قدرات قصف فاعلة في العمق الايراني عند الضرورة. وبدأ تنفيذ هذا القرار بعد نحو عامين عندما اعلنت الحكومة الاسرائيلية في 27/1/1994، عن نيتها شراء المقاتلة "ف - 15 اي" وتم توقيع العقد الخاص بهذه الصفقة، التي ضمت 21 طائرة في البداية ثم اضيفت اليها 4 طائرات في 12/5/1994، وبلغ ثمن الطائرة الواحدة نحو 84 مليون دولار، أي أن الصفقة بلغت كلفتها الاجمالية حوالي 2100 مليون دولار. وجارٍ تسليم هذه الطائرات منذ بداية العام 1988 بمعدل طائرتين شهرياً. هذا وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي صرح يوم 14/1/1998 بأن "ايران في ظل زعامتها الدينية تشكل اكبر خطر على المنطقة والعالم"، وحذر من "جهودها للحصول على اسلحة نووية وصواريخ باليستية". كما صرح المدير العام لوزارة الدفاع الاسرائيلية ايلان بيران، يوم 9/1/1998 بأن "اسرائيل والولاياتالمتحدة تكافحان معا لمنع روسيا من تزويد ايران بأسلحة دمار شامل، ولا خلاف في التقديرات في هذا الشأن بين اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية". وشدد على ان "اسرائيل ستكون قادرة على الاعتماد على قوة ردع تتحرك في شعاع واسع بفضل طائرات ف - 15 الاميركية المقاتلة القاذفة". لكن كاتبا اسرائيليا يدعى أمنون بارزيلاي علق اخيرا على صفقة طائرات "ف - 15" المذكورة، في "هآرتس" فقال إن ذلك "لا يوفر حلا امثل للمشكلة. ففي خلال حرب الخليج 1991 لم تستطع مقاتلات ف 15 الاميركية ان تعثر على مجرد قاذف واحد لصواريخ سكود العراقية". وفي ضوء ذلك كله يتأكد لنا ان كلا من اسرائيل والولاياتالمتحدة، رغم اختلاف حدة اللغة السياسية لدى الاخيرة، تأخذان بجدية في تقديراتهما الاستراتيجية خطر الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول الى عمق الدولة العبرية، والموجودة حاليا لدى سورية ومصر "سكود - ب" و "سكود - سي" وستدخل قريباً إيران في الخدمة الميدانية "شهاب - 3" و"شهاب - 4"، خصوصا انه من الممكن حاليا ان تزود هذه الصواريخ برؤوس كيماوية، ومن المحتمل ان تزود مستقبلا برؤوس نووية، وان الدولتين تعملان معاً في توفير الحل الامثل لمواجهة هذا الخطر" حفاظاً على استمرار اختلال التوازن العسكري السائد في منطقة الشرق الاوسط لمصلحة اسرائيل حتى الآن. * باحث استراتيجي مصري، ورئيس تحرير "الفكر الاستراتيجي العربي" سابقاً.