الموقف المتحفظ لوزير شؤون المهجرين وليد جنبلاط عن ترجيح خيار العماد اميل لحود للرئاسة الأولى، يبقى الأبرز لأنه يأتي من أحد أركان التركيبة الحاكمة المنبثقة من تسوية اتفاق الطائف في مرحلة ما بعد الحرب في لبنان. فالبارزون من المعترضين الآخرين، هم من أركان المعارضة التي بقيت خارج اطار تركيبة الطائف، أمثال العميد ريمون إده والعماد ميشال عون ورئيس "حزب الوطنيين الأحرار" دوري شمعون وغيرهما، في انتظار مزيد من الوضوح في المواقف واتمام العملية الانتخابية. بل ان تحفظ جنبلاط على رغم أنه حليف أساسي لسورية التي كان لقيادتها الموقف الحاسم في دعم لحود، يدفع الى التساؤل عما ستكون عليه العلاقة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ودمشق، وعن موقفها من تحفظه هذا، بعدما أعلن نيته وكتلته التغيب عن جلستي المجلس النيابي اللتين سيتم فيهما التعديل الدستوري، ثم الانتخاب، كذلك عن جلسة مجلس الوزراء التي سيقر خلالها مشروع قانون التعديل، والمنتظر انعقادها اليوم. وتفيد المعلومات ان جنبلاط كان ناقش مع بعض المسؤولين السوريين تحفظه عن خيار العماد لحود قبل أسبوعين وأنه أبلغ إليهم أنه يتجه الى سلوك موقف التغيب هذا على رغم اتجاه دمشق النهائي الى دعم لحود، قبل ان يتبلغ رئيس الجمهورية الياس الهراوي ذلك خلال القمة الاثنين الماضي والتي أشار أثناءها الرئيس السوري حافظ الأسد الى دور استطلاعات الرأي وترجيحها كفة لحود في شكل استدعى من الهراوي فهم الرسالة وابلاغه نظيره السوري دعمه للحود. وتقول مصادر مقربة من جنبلاط انه ترجم ما قاله لبعض المسؤولين السوريين في خطابه الأحد الماضي، بالإشارة الى ان "صوتنا غال"، ملمحاً بذلك الى أنه لن يصوت للحود وأنه لن ينضم الى موجة التأييد العارمة التي أخذت مدى واسعاً خلال الأسابيع الأخيرة، والى ان هناك ثمناً سياسياً لتعاونه مع الرئيس العتيد. إذا كان من تعاون...". ويلخص بعض زوار جنبلاط، وعدد من المحيطين به أسباب موقفه بمجموعة من الحجج والمواقف منها: - ان العماد لحود لم يسلفه شيئاً، حتى يقف معه، خلال السنوات التسع التي أمضاها في قيادة الجيش، ان على الصعيد السياسي وان على صعيد الوضع الداخلي في الجيش، وان ضباطاً أبعدوا لأنهم تعاطفوا مع جنبلاط أبان الحرب. - ان قيادة لحود والاجهزة عملت خلال السنوات الماضية على التدخل في الملف الدرزي الداخلي فدعمت القائم مقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، وساندت أنصار الأمير طلال أرسلان في قرى الجبل وسعت الى اقامة تحالفات ضد نفوذه، عن طريق دعم المرشح الى الانتخابات النيابية ناجي البستاني وتسهيل أموره عبر وسائل شتى كي يؤسس لحال سياسية. فضلاً عن استخدام وجهاء أو رموز درزية لهذا الغرض وينقل البعض عن جنبلاط قوله: "لا أريد شيئاً منهم... فقط أن يحلوا عني". - ان مخاوف جنبلاط من تدخل الجيش في السياسة في عهد لحود باتت مضاعفة "لأني أعرف ماضي هذا الجيش منذ أن ولدت. فالجيش تدخل في السنوات الماضية في السياسة وأدى دوراً عبر المخابرات، في التحالفات والصراعات. وهذا سيزداد حكماً لأن العماد لحود لا يستند الى حزب أو قوة سياسية، وبالتالي سيرتكز الى المؤسسة العسكرية حكماً لدعم حكمه". - على رغم صفات لحود الشخصية ونزاهته، فإن تصويره كمنقذ يناقض قراءة جنبلاط، لقدرة الحكم على معالجة القضايا الشائكة في العهد المقبل، ما جعله يشبهه الأحد الماضي، ب"المهدي المنتظر"، مشيراً بذلك الى رفضه الهالة التي يحاط بها لحود، والتي يرى جنبلاط انها تقود الى تكريس عملية اضعاف الحياة السياسية في البلاد، وربطها بشخص. - ان جنبلاط يرى ان انتخاب لحود سيعيد، على رغم التقديرات في شأن اختلاف نهجه وأدائه عن غيره، انتاج صيغة "ترويكا" الحكم بحيث يتقاسم الرئيس العتيد الحصص، مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري باعتبار ان هناك اجماعاً على عودته للرئاسة الثالثة، فيستمر ابعاد جنبلاط عن مركز القرار، والتعاطي معه على أنه مجرد وزير في الحكومة المقبلة، لا كقطب سياسي، الأمر الذي تسبب بمعارضته خلال السنتين الأخيرتين. وصيغة "الترويكا" هذه، ستعيد الصراعات بين أهل الحكم والتناقضات، بحسب مصادر جنبلاط، وتضعف قدرة الدولة على معالجة المشكلات الاقتصادية والسياسية في البلاد في شكل يربك سورية في مواجهة التحديات الاقليمية المتصاعدة. هل يبقى جنبلاط على موقفه وما هي انعكاسات هذا الموقف على علاقته بالسلطة المقبلة؟ مصادر رسمية تقول ان الامر يتوقف على رد الفعل السوري على مخاوفه، التي يبدو ان لا مجال لطمأنته في شأنها الا من جانب القيادة السورية التي تحرص على علاقتها به وعلى ترتيب حد ادن من التعاون بين حلفائها