واصل الرئىس المصري حسني مبارك، الذي زار انقرة امس، مساعيه لنزع فتيل الازمة بين تركيا وسورية. وبعد محادثات صعبة استمرت ثلاث ساعات ونصف الساعة مع الرئيس التركي سليمان ديميريل توجّه الى دمشق، للمرة الثانية خلال ثلاثة ايام، وهو يحمل مطالب تركيا بأن توقف سورية دعمها للمقاتلين الاكراد. واعلن في دمشق مساءً عن وصول الرئيس مبارك، فيما اكدت مصادر ديبلوماسية ل "الحياة" انه سيعود ثانية الى انقرة لنقل الموقف السوري وبعد محادثات بين الوفدين عقد الرئىسان مبارك وديميريل اجتماعاً قصيراً بمفردهما صدر اثره بيان مقتضب، قال ان الجانبين اجريا مناقشات "صريحة ومفتوحة ومفصلة"، وان ديميريل شرح لمبارك ان الشعب التركي "ساخط على موقف سورية وان الوضع لا يمكن ان يستمر على ما هو عليه". واعرب وزير الخارجية المصري عمرو موسى قبيل مغادرته انقرة عن الامل "بأن نتمكن من تسوية النزاع" بين البلدين. وفي دمشق أكد مسؤولون عسكريون سوريون، اجتمعوا امس بوحداتهم لمناسبة الذكرى ال 25 لحرب تشرين الاول اكتوبر، ان القوات المسلحة "ستبقى على اتم الاستعداد لتنفيذ ما يطلب منها وفي مختلف الظروف"، مشيرين الى ان التهديدات التركية - الاسرائىلية "دليل قاطع" على ان "الحلف العسكري" بين انقرة وتل ابيب "يحقق مخططات اسرائىل التوسعية على حساب العرب والمسلمين والدول الاخرى المحيطة بالمنطقة العربية". ويُعتقد ان الجانب التركي ابلغ مبارك ان انقرة لن تقبل بأقل من تعهد سوري قاطع بتسليم عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني ووقف الدعم اللوجستي لمقاتليه والتخلي عن المطالبة باستعادة اقليم هاتاي الاسكندرون الاستراتيجي في تركيا. وكانت مصادر في وزارة الخارجية التركية ذكرت في وقت سابق ان تركيا لن تتجاهل "مؤشرات مقنعة" بأن دمشق بدأت خطوات ملموسة. وكان الرئىس مبارك باشر مهمته فور وصوله بعد ظهر امس الى مطار انقرة حيث كان في استقباله الرئىس ديميريل. وبعد تناول الغداء بدأ الرئيسان محادثات شارك فيها رئىس الوزراء التركي مسعود يلماز ووزيرا خارجية البلدين عمرو موسى واسماعيل جيم ومسؤولون آخرون. وقبل لقاء ديميريل ومبارك وجّّه رئىس الوزراء يلماز "تحذيراً اخيراً" الى سورية بأن عليها الاّ تكتفي بتقديم "كلمات جوفاء بل تعهدات قاطعة" بانهاء دعمها للمقاتلين الاكراد، وذلك في كلمة القاها في البرلمان امام نواب حزب الوطن الام الذي يتزعمه، وتابع يلماز: "ننتظر الآن رد سورية، ونتوقع ان تتخذ سورية الاجراءات الضرورية". واصدرت السفارة السورية في انقرة امس بياناً يتهم تركيا بتصعيد التوتر وتجاهل الدعوات المتكررة من جانب سورية لاجراء حوار لتسوية النزاعات المتعلقة بالامن والمياه. وانتقد يلماز ما وصفه بالتفسير الخاطىء من جانب العرب لموقف تركيا المتشدد المفاجىء تجاه سورية الذي يرى انه مناورة تحمل بصمات اسرائيل التي طوّرت تركيا معها علاقات عسكرية وثيقة في السنوات الاخيرة. وقال ان "اوساطاً معينة داخل البلاد وخارجها، ممن جعلوا العداء لليهود عنصراً اساسياً في سياساتهم، يحاولون ان يشوّهوا الصورة"، لافتاً الى انه "ينبغي ألا ينسى احد ان الامة التركية لا تكن اي عداء للامة العربية، وبشكل خاص للمواطنين السوريين". ويرى معظم المحللين في تركيا ان الائتلاف الحاكم المهزوز بزعامة يلماز يخوض معركة حياة او موت لتحقيق مكاسب ملموسة، لان التراجع بعدما وصلت الامور الى هذه النقطة سيكون له تأثيرات كارثية في الانتخابات المبكرة التي يتوقع ان تجري في نيسان ابريل المقبل. وسيكون من الصعب على يلماز، الذي سيستقيل من منصبه في نهاية السنة الجارية بموجب اتفاق انتخابي مع اليسار المعارض، ان يخرج من المواجهة الحالية صفر اليدين.