على ايقاع الأزمتين الاقتصادية والسياسية قام الروبل بحركات بهلوانية راقصاً على الجمر. فقد هبط سعره ازاء الدولار بنسبة 300 في المئة ثم عاد وارتفع الى 200 في المئة، لينكمش بعد ذلك الى النصف. هذه الرقصة هي التي انتزعت بقايا الخوف من قلوب المعارضين لبوريس يلتسن فشنوا على الكرملين هجومهم الذي تكلل بتنصيب بفغيني بريماكوف على رأس الحكومة. بيد ان الغبار الذي اثارته "هزات" العملة خنق الفئات المتوسطة، علاوة على الشرائح الدنيا، وأدى الى تسريح مئات الآلاف من موظفي البنوك، وترك تجار الشنطة دونما عمل، وشلّ حركة الاسواق الغذائية. غير ان رقصة الروبل قد تنتهي بغرز نصل في قلب رابطة الدول المستقلة التي يسارع اعضاؤها الى الابتعاد عن روسيا وكأنها مصابة بالجذام. فالرئيس الكازاخي نور سلطان نزاربايف يقول ان رؤوس الأموال "تخرج من دائرة الازمة لتدخل دائرة الاستقرار" ولم يكن بحاجة الى مزيد من التوضيح: فروسيا تشهد سقوط حكومات وتواجه صعوبة في تشكيل اخرى، بينما رئيس كازاخستان لا تهزه ريح تهب من بحر قزوين الذي غدا مصدراً يرفد البلد بالنفط. ونظيره الجورجي ادوارد شيفاردنادزه يؤكد ان خروج دول الكومنولث من منطقة الروبل كان خطوة احترازية موفقة ضمنت استقرار النظام المالي في الجمهوريات وأبقته بعيداً عن... هز الروبل. وصندوق النقد الدولي الذي يهدد بحجب القروض عن حكومة يفغيني بريماكوف يغدق في العطاء على اوكرانيا ومولدوفا اللتين يراد لهما ان تنفصلا عن الكومنولث لتشكلا حاجزاً بين روسيا وأوروبا. اي ان هناك محاولات لاستغلال الازمة الاقتصادية التي ساهمت المؤسسات المالية العالمية في صنعها، وتحقيق اهداف سياسية واستراتيجية في مقدمها احباط اي تحرك مستقبلي لاقامة نوع من التكامل في الفضاء الذي نشأ بفعل انهيار الاتحاد السوفياتي. ولكن العسف "سهل" في السياسة وليس في الاقتصاد الذي تحكمه ضوابط موضوعية. فدول الكومنولث تربطها صلات متشعبة ومتشابكة في مختلف القطاعات، ورغم انها ليست ضمن منطقة الروبل، الا ان اهتزاز العملة الروسية ادى الى ارتباكات في اقتصادات الجمهوريات السوفياتية السابقة، واخذت موجة الغلاء تكتسح الحدود. وبحكم هذا الترابط فان العملات القومية سوف تهتز كالمصاب بالحمى اذا استمرت ارتعاشات الروبل، او تستقر معه لتنتقل الى رقصة تانغو هادئة تحتاج الى اكثر من راقص لأدائها