معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    محافظ الأحساء يطّلع على التقرير السنوي للشرطة    وزير الاستثمار مشاركا في منتدى الجبيل للاستثمار 2025 أواخر ابريل الجاري    بدء إلزامية العنوان الوطني لشحن الطرود مطلع 2026    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    تخريج الدفعة ال22 من طلاب "كاساو" برعاية نائب وزير الحرس الوطني    السعودية وإندونيسيا تبرمان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في قطاع التعدين والمعادن    بتوجيه من القيادة.. وزير الدفاع يصل العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    جامعة الإمام عبدالرحمن وتحفيظ الشرقية يوقعان مذكرة تفاهم    أمطار رعدية على اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    الذهب يواصل صعوده القياسي    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    "هيئة الأفلام" تطلق مبادرة «سينماء» لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي    العراق: انتهاء الاستعدادات لتأمين القمة العربية الشهر المقبل    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    في نصف نهائي كأس آسيا تحت 17 عاماً.. الأخضر يسعى للنهائي من بوابة كوريا الجنوبية    في نسختها الخامسة بالمملكة.. جدة تحتضن سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا1    في الجولة ال 28 من دوري روشن.. اختبار شرقاوي.. الاتحاد والنصر ضيفان على الفتح والقادسية    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    أنور يعقد قرانه    أسرة العبداللطيف تحتفي بزواج مشعل    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    متوقعة جذب تدفقات قوية في المملكة.."فيتش": 1.3 تريليون ريال حجم «إدارة الأصول» في 2026    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سهرة فنية في «أوتار الطرب»    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    الأفواج الأمنية تشارك في معرض المرور بمنطقة نجران    1.7 مليار ريال صادرات التمور السعودية    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    موجز    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    إيران على مسافة قصيرة من العتبة النووية    "ليلةٌ دامية" في غزة ومفقودون لا يزالون تحت الأنقاض    تدشين برنامج «سمع السعودية» لزراعة القوقعة للأطفال الفلسطينيين    قطاع الأعمال السعودي يدعم صندوق تمكين القدس    ملتقى الثقافات    توصيات لمواد وألوان عمارة واحات الأحساء    الرياض أكثر مناطق المملكة في شاشات السينما    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    "التعليم" تستعرض 48 تجربة مميزة في مدارس الأحساء    "الملك سلمان للإغاثة" يواصل دعم المجتمعات المحتاجة    كودو تعلن عن شراكة استراتيجية مع فريق «مهرة» السعودي المشارك في سباقات أكاديمية الفورمولا 1    حوار إستراتيجي بين دول «الخليجي» وآسيا الوسطى    خمس جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    الرياض تستضيف كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    إنترميلان يتخطى بايرن ويضرب موعداً مع برشلونة بنصف نهائي «أبطال أوروبا»    468% نموا في سجلات النزل السياحية    ما كل ممكن يسوغ    عملية قلب مفتوح لسبعيني في القصيم    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    إحباط تهريب 147 كيلوجراماً من الشبو بميناء جدة الإسلامي    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    رُهاب الكُتب    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين كتابين أو ثلاثة - أونيتي ... أورغواي الرئيس باتل والأفق المغلق
نشر في الحياة يوم 04 - 10 - 1998

اذا قاسم الأورغواي أميركا اللاتينية المصير الواحد، فأنهكته الحروب الأهلية بعد زوال الاستعمار الاسباني، ثم دفع حرباً ثمناً لولادته التي ظلّ يعاني من خلفياتها، كما عانى من موقعه الجغرافي - السياسي بين دولتين كبيرتين تطمعان بأراضيه، فقد تفرد هذا البلد بالقيام بتجربة رائدة في القارة، حاول من خلالها رسم ملامحه الخاصة، وتجاوز قرون التخلف والجهل لتحديث الحياة بمشاركة انسانه المنتمي الى الطبقتين الوسطى والشعبية. وقد ارتبطت هذه التجربة باسم الرئيس خوزي باتل واوردوينيز، الذي يحكم في فترتين ما بين 1903 - 1907 - 1911 - 1915، بادئاً مسيرة أمل مع شعبه، لم تصل الى الألف ميل" فتأرجحت حياة الأورغواي بين الحكم المدني والديكتاتورية العسكرية، بعد رحيل قائد المسيرة.
مثل كل بلدان أميركا اللاتينية، وبلدان العالم الثالث، يتخبط الأورغواي وهو يبحث عن ذاته، في خلفية تاريخه السياسي، والاجتماعي - الاقتصادي. سياسياً، كان هذا البلد يعتبر جزءاً من مناطق تابعة لنائب الملك الاسباني في الأرجنتين، وذلك حتى 1811، اما العاصمة مونتيفيديو، فقد انشئت عام 1726، كمحمية عسكرية اسبانية، في مواجهة كولونيادل ساكرامنتو البرتغالية - المنشأة في 1680 - في ارض يتنازع عليها المستعمرون. ولم تلبث مونتيفيديو ان تحوّلت الى مركز لتصدير اللحوم والجلود الريفية.
ومنذ 1811 وحتى 1851، لم تعرف هذه المنطقة الشرقية الواقعة على ساحل الاطلسي، غير حياة مضطربة، مشحونة بالعنف والقلق على المصير لانها كانت ارضاً لتجاذب النفوذ والسيطرة على كينونتها. كما دمرتها حرب أهلية استمرت حوالى ثلاثة عشر عاماً 1838-1851.
وقد لعبت الأرجنتين في هذا الصراع المرير دور الخصم أو العدو، والحليف في آن: من ريف الأورغواي انطلقت أولى حركات التحرر عام 1811، بقيادة جيرفاسيو ارتيغاس، فساندت الأرجنتين البرتغاليين في معاركهم ضد هذا القائد الذي جمع حوله الفلاحين، وكانت حكومته شعبية: كان ذلك عام 1814 الذي صارت بعده الارجنتين حليفة لمانويل أوريبي وخوان لافانيجا - 1824 - المناضلين ضد الاحتلال البرازيلي الجديد، واللذين أعلنا انضمام الاراضي التي يسيطران عليها الى المقاطعات المتحدة - أي الأرجنتين - عام 1825.
وانطلاقاً من الوضع السياسي الجديد، كان لا بد من ان تنشب حرب جديدة بين الدولتين الكبيرتين الطامعتين بالارض الواقعة بين فكي كماشة. لم تضع الحرب أوزارها الا عندما تدخلت بريطانيا لايقافها بعد ثلاث سنوات، معلنة ولادة جمهورية الأورغواي التي يسكنها البيض وحسب، لان الأقلية الهندية انقرضت فيها.
واذا اعترف دستور الجمهورية الأولى بالديموقراطية عام 1830، فقد ظلّ المبدأ حبراً على ورق، لان الرئيس فروكتوزو ريبيرا استأثر بالسلطة، ووزّع اموال الخزينة على الاصدقاء والانصار. وكان خلفه مانويل اوريبي رجل دولة، لكن الوقت لم يسمح له بالتغيير، وقد تزعم ريبيرا عصياناً ضده، مدعوماً من الارجنتينيين والفرنسيين والايطاليين.
وانتهت الحرب التي قسمت اهل البلاد الى قسمين، بصيغة "لا غالب ولا مغلوب"، واقتطعت البرازيل جزءاً من الارض بموجب معاهدة السلام، اضافة الى الحق في انشاء القلاع والتدخل في الاورغواي، واستيراد الماشية: لم تبعد هذه المعاهدة الموت المجاني عن ابناء البلد الذي حوله موقعه الجغرافي - السياسي الى رهينة، والذي ظلت الارجنتين والبرازيل تتصارعان على ارساء نفوذهما فيه، فاضطر الى ان يخوض الى جانبهما حرب الباراغوي التي دامت خمس سنوات 1865-1870، عانى بعدها من ازمة اقتصادية رهيبة، اسقطته في شباك الحكم العسكري وديكتاتورية الكولونيل لورنزو لاتوري عام 1876.
اختصر لاتوري عهده بنقيضين: دعم الملاكين الكبار على حساب غيرهم، وأوجد المدرسة الرسمية، وفرض الزامية التعليم المجاني والعلماني، في المدن كما في الريف، ليكافح الأمية والجهل، ويضع حجراً اولاً في بناء بلد مزقته الحروب، ويسعى لمواكبة العصر.
وكان المستفيد الاول من سياسة الكولونيل، الرئيس خوزي باتل واوردونياز، زعيم حزب كولورادو، الذي يعتبر الباني الحقيقي للاورغواي في الثلث الاول من القرن العشرين: لم يعاد الملاكين الكبار، واعتمد بالمقابل على مساندة الطبقتين المتوسطة والشعبية في المدينة، التي كان المنتمون اليها قد توصلوا الى درجة معقولة من التعليم، وتشمل قاعدتهما نقابيين مهاجرين من ايطاليا.
ازدهر الاقتصاد في عهد باتل، وعرفت الحياة الاجتماعية رخاء، وقد نشطت حركة التجارة والتصدير، وأممت الشركات الاجنبية، وانشئت المصانع، ونشرت قوانين متطورة قياساً بالقارة يستفيد منها العمال، فكانت الدولة العامل الاول المحرك لتحديث الأورغواي.
هذه كانت بداية مسيرة مميزة، ستتوقف بعد عقدين من الزمان، تحت ضغط الظروف المحلية والاقليمية والعالمية، ليصبح الاورغواي، نسخة طبق الاصل، عن بقية بلدان القارة، تحكمه الديكتاتورية العسكرية، او يحكمه افراد عاديون أو أقل من عاديين، يرفعون شعارات فارغة من مضمونها، توحي لخوان كارلوس اوينتي، مونتفيديو 1909 - مدريد 1994 - رائد الواقعية في أميركا اللاتينية بروايته الشهيرة: "مستودع الخشب"، الصادرة عام 1961، والتي تختصر نكتة ازدهار الاورغواي.
إن توقف مسيرة الأمل أو فشلها، وضياع أمل الانسان بحياة كرامة وسلام، في عالم مليء بالانانية والفساد، وصيرورته أشبه بالماخور لرداءة حياته السياسية، امران يدفعان بأونيتي للتشاؤم اللامتناهي بمصير الانسان، وبأن الفشل هو نهاية كل مسيرة خلاقة تهدف الى تحقيق الكرامة الانسانية، وكل الاحلام البناءة تتلاشى في فراغ عالم انقلبت فيه، ولم يعد فيه مكان لغير الفساد والمفسدين، ويظل الانسان على هامشه وحيداً ومتعباً، يجتر وحدته وفشله وهو في الاربعين.
ان لارسن، بطل "مستودع الخشب" الفارغ، الذي دخل صاحبه النصاب الى السجن، يتحول في بوينوس ايرس الى قواد يعيش برخاء، بعد ان فشل في النهوض بالمستودع الفارغ، وتلاشت احلامه ببناء شيء ما.
وفي "الحياة القصيرة" يسخر ليناثيرو من المبدأ السياسي لصديقه لازارو، ومن ثقته بالثورة، ومن نضاله اليائس للدفاع عن عقائد ورجال. وسيكون ليارفي في "ارض لا أحد" مواقف مشابهة، وكلمات مشابهة: "ماذا هناك؟ يمكننا فقط ان نقول كلمة واحدة: لا شيء".
وقد ظهرت هذه الرؤية المأسوية والعدمية لأونيتي، وهو يرصد واقع وطنه، منذ 1939، حين أصدر روايته الأولى "البئر": بطلها رجل وحيد، في مجتمع لا يفهمه، ولا يستطيع ان يستوعب مأسوية واقعه السياسي والاجتماعي. يحاول هذا الرجل ان يجد لغة مشتركة بينه وبين المرأة التي يحب، بين عاهرة وصديق، ويحاول ان يريهم بشجاعة صورة الوطن والعالم، اللذين يستوطنهما اعداء الانسان، ويسود فيها المال، ويغتالهما الروتين.
ويبقى خوان كارلوس اونيتي، الصوت الأنقى الذي يرسم في كل أعماله قدر الاوروغواي، الذي حمل مشعل الامل مع خوزي باتل، وكان يمكن ان يظل مثالاً يحتذى في القيادة، لو لم تسقط مشاعله في الفراغ، لتحاصره الآفاق المغلقة: في اميركا اللاتينية، كان بارغواي باتل يسبح ضد التيار، تحاصره عواصم الغنى الفاحش والفقر المدقع، وان ظلت الطبقة الوسطى محافظة دائماً على وجودها، فهي لم تستطع التغيير. وقد توصلت الى الحكم في مطلع السبعينات، ولم تستطع ان تفرض نفسها كقوة جديدة، وسقطت البلاد في ايدي العسكريين عام 1973، الذين ألقوا القبض على الكاتب - أونيتي - لانه شارك كحَكَم في مسابقة للقصة. وادخل اونيتي السجن، وظلّ في زنزانة منفردة، ثم نقل الى مستشفى للامراض العقلية، قبل ان يرحل الى مدريد عام 1974 حيث توفي عام 1994، وهو مليء كابطاله بالخيبة والمرارة، وقد أدركوا ان الآفاق البعيدة حلم مستحيل في القرن العشرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.