اختزنت خلال السنوات الأولى للحرب الأهلية اللبنانية مجموعة من المضحكات المبكيات والأحداث الأليمة والطريفة وممارسة تجار الموت والدمار وأمراء الميليشيات ثم أصدرتها بعد سنوات المغادرة في كتاب تحت عنوان "أوراق هارب من حرب لبنان". وكنت أظن أن المضحكات - المبكيات هي من اختصاص زمن الحرب والأحقاد والكراهية ولكنها عادت في زمن السلم الأهلي بأقنعة مختلفة ووجوه متجددة وتسميات مختلفة وممارسات وتصرفات لم تعد تقابل إلا بالإشمئزاز والسخرية. فلصوص الأمس صاروا وجهاء اليوم وأغنياء الحرب يتصدرون في كل مكان من غير أصول ولا لياقات ولا أخلاق. وكما هو الحال في معظم أرجاء وطننا العربي الكبير يبدو أنه لم يعد هناك مكان إلا للسفهاء والانتهازيين والمنافقين ومنتحلي الصفات. وكم يحزن المرء عندما يشهد كل يوم بأم عينيه كيف يُقدم البعض بتشويه معالم جمال هذا البلد الرائع بطبيعته وخصوصيته، وتدمير ما تم إنجازه من خلال مسيرة الإعمار والإنماء ويعرقل مسيرة التحول من مرحلة الحرب القذرة الى شاطىء أمان السلم الأهلي. ولا أتحدث هنا عن فرد أو مجموعة أو فئة أو عن فريق بل عن حالة عامة يشارك فيها البعض عن قصد وسوء نية وتربية وأخلاق ويمشي في ركابها البعض الآخر كأنه يتعامل مع أمر طبيعي واقعي وتحصيل حاصل، فما دام الخطأ هو القاعدة والأساس فلماذا لا نشارك فيه ونعتمده وسيلة وأسلوباً وقاعدة لممارساتنا اليومية. لا قيمة للوقت ولا لحرية الآخرين وحقوقهم ولا احترام لكرامة "الآخر" لا في الدوائر الرسمية ولا في الشارع ولا في المنتديات العامة. فوضى وضجيج ومخالفة الأنظمة والقوانين، وازدحام وأبواق تصم الآذان وتلويث للجو والبحر والسمع والنظر وسرعة جنونية تحصد أرواح الأبرياء في كل يوم. حتى المآذن التي هي منارات للتوجيه وقدوة صالحة للجميع شاركت في هذه الممارسات فرفعت مكبرات الصوت في منافسة لم أشهد لها مثيلاً في أية عاصمة إسلامية أخرى ولا سيما عند الفجر مع أن السلطات في معظم الدول العربية والإسلامية تنبهت لهذه الظاهرة ووضعت ضوابط لاستخدام المكبرات ودعت لتخفيضها الى حدود معقولة تخدم الهدف السامي الذي وجدت من أجله. أما عن الغلاء فحدث عنه ولا حرج، فالتنافس لم يشمل مناحي الفوضى والضجيج فحسب بل امتد الى كل مجال من مجالات الحياة ليسلط وحش الغلاء على رقاب العباد. ولا أدري كيف يمكن أن يستمر نجاح مواسم السياحة والاصطياف إذا لم يتم تدارك الأمر والعودة الى فرض رقابة صارمة على الأسعار. نعم، لقد استعاد لبنان معظم معالم وجهه الحضاري ودوره القديم، ولكن الاستمرار يستدعي نشوء عقلية جديدة تبدأ من الصفر، ومن القمة الى القاعدة لاستئصال بذور الفوضى والممارسات السيئة وعمليات التلويث. وأختم بهذه الطرفة التي أضحكت اللبنانيين أخيراً من خلال خبر صغير نشر في الصحف عن توقيف راكب نيجيري كان يحاول تهريب كيلو غرام من الحشيش الى لبنان عبر مطار بيروت. وتندر الناس على ذكاء هذا الراكب الذي طبق مثل "بيع المية في حارة السقايين"!! ومع هذا يبقى لبنان رائعاً وموطناً للجمال على رغم كل ما فيه من مضحكات - مبكيات.
خلجة عندما دقت ساعة الفراق أحسست وكأن قلبي انتزع من صدري فتحول الدمع الى دم ينزف ثم عاد صافياً يزغرد لفرحك ويرقص لك فما دمت أنت سعيدة تغمرني سعادة التضحية ورمز ذروة الحب!