الطرفة تقول إن أحد الحكام العرب الأبديين رغب صباح أحد الأيام أن يمارس رياضة الوقوف في طوابير الانتظار على أبواب إحدى السفارات الغربية. انتهى به الأمر إلى أن كل من شاهده وراءه ترك الطابور وخرج، إلى أن وصل إلى نهاية الطابور وأمامه شخص واحد باق فأراد أن يهرب عندما رآه وراءه، فأمسكه الرئيس وأجبره على الكشف عن سبب هروبه، فأجابه الموطن الخائف أن الشعب لن يهاجر إذا هاجر الرئيس. ستتكرر هذه الطرفة وتصبح واقعاً وسيعود كثيرون من المغتربين إلى لبنان للإقامة الدائمة فيه والمشاركة في الانتخابات النيابية عندما يشاهدون أن أصنام الفوضى السياسية قد هاجروا هذا الوطن البائس من دون رجعة وأن الأمل كبير بنهوض لبنان من درك الاحتواء الطائفي والقبلي والعشائري والمالي الجشع والتخلف الناجم عن ذلك والعيش في رغد واستقرار. لا أفهم كيف يجرؤ هؤلاء الأصنام الوقحون على دعوة الذين كانوا هم سبب تهجيرهم في قوارب الموانئ الموقتة تحت وابل القصف العشوائي المقصود، أطفالاً ونساءً وكهولاً وشباباً، أن يدعوهم إلى تسجيل أسمائهم في القنصليات والسفارات اللبنانية. المضحك المبكي أن عدد الذين تسجلوا في المهاجر لتاريخه لا يتعدى الثلاثة آلاف شخص من أصل عشرة ملايين يتحدرون من أصل لبناني. ماذا قدمت لهم هذه القنصليات والسفارات سوى «بابازات الترويكا» وسماسرتهم. أين هي حقوق المغتربين اللبنانيين سوى استغلالهم من قبل ممثلين وزوار كهوف الطوائف ودجالي علي بابا ومن لفَّ لفهم؟! متى اهتمت الدولة اللبنانية الافتراضية بأمور اللبنانيين في الخارج، خصوصاً الذين قست عليهم الهجرة وطواهم غبار النسيان. إن القائمين على قانون الانتخابات النيابية هم ذاتهم بالاسم والشخوص منذ أكثر من أربعين عاماً، وهم سفاكو دم الأبرياء في كل المناطق ومن كل الطوائف والإثنيات، وهم الذين يخططون كل القوانين على مقاساتهم المشوَهة. عجبي كيف أنهم فقدوا آخر بقية خجل حتى يجرؤوا على دعوة المغتربين إلى انتخابهم. هذا أمر خطير ويستدعي الوعي والجرأة عند الباقين إلى إشعار آخر في هذا الوطن المسلوب، حتى ينفضوا عن عقولهم غبار التبعية، ويزيلوا عفن التزلم والخضوع أمام هؤلاء الأصنام الجبانة، وأن يناضل كل من بقي عنده ذرة أخلاق ووفاء، وأن يضحي بنفسه وظيفياً ونفعياً وحتى وجودياً من أجل بقاء أبنائه على هذا التراب. لبنان ليس في حاجة إلى «ربيع عربي» إعلامي تبعي كما هو الأمر في كثير من الدول العربية حالياً، بل إلى ثورة يمكن أن تصل إلى العدمية، حتى يعيد طائر الفينيق الحياة إلى لبنان الأمل والديمومة والقداسة.