أحيا الفيلم الاسطورة "تايتانيك" سلوكاً كاد ينقرض امام غزو الفضائيات وانتشار الفيديو وتكنولوجية الصوت والصورة والانترنت، اذ اعاد الحديث مجدداً عن دور القاعات السينمائية في الترفيه بعد ان تبين ان جيلاً بالكامل من الشباب يقاطع الصالات التي كانت الى عهد ليس ببعيد افضل وسيلة تسلية ثقافية جماهيرية حولها الاجماع. ويذكر جيل من عشاق الصالات في المغرب انه عندما قدم فريد الاطرش وسامية جمال اوبريت بساط الريح في سينما فوكس في الدار البيضاء كانت تضم 38 قاعة عرض في مطلع الخمسينات كان ربع سكان المدينة بمن فيهم الاوروبيون يقف في طابور طويل بانتظار الحصول على تذكرة نادرة تذكر بتحصيل الفيزا في السفارات الاوروبية في زماننا حيث تزدحم الطرقات ويتدخل الامن لتنظيم الصفوف ومن يومها تأسس ما اصبح يعرف بالسوق السوداء للتذاكر السينمائية وهي تجارة ازدهرت مع افلام جيل الستينات والسبعينات ثم انقرضت تماماً كما تزدهر تجارة الفيزا مع قوارب الموت الى الضفة الاخرى للمتوسط في نهاية التسعينات. والفرق بين الحالتين انه في الخمسينات تغنى الشباب بالامل العربي وركوب بساط الريح فوق البنيان من مراكش الى بغداد ولبنان. فيلم "تايتانيك" وبضعة افلام مغربية جيدة اعاد تأكيد هذه الصورة القديمة عندما اضطر مليون من المشاهدين في المغرب الى تسديد ثمن التذكرة باسعار السوق السوداء او ارتياد قاعات غير مكيفة في المدن الصغيرة، فيما البعض الآخر ينتظر دوره في الطابور او في مدينته النائية التي لم يصلها العرض بعد او لم تعد فيها قاعة محترمة لمشاهدة انتاج جيمس كامرون الذي حقق افضل الايرادات على الاطلاق بملايين الدولارات خمسة مليون دولار في النصف الاول من العام. وهو ما دفع للاعتقاد انه يمكن للمداخيل السينمائية في المغرب ان تستعيد بعض الانتعاش بنهاية العام الماضي وهي ايرادات استثنائية يرغب المختصون في الحفاظ عليها وتطويرها من خلال بحث اسباب إحجام شباب اليوم عن ارتياد القاعات كما كان شأن الآباء والأجداد. ويقول تقرير للمركز السينمائي المغربي ان عدد رواد السينما كان يضاعف ثلاث مرات سكان المغرب حيث كان يقدر عدد المشاهدين بنحو 47 مليون شخص في السنة. منهم عائلات بالكامل كانت السينما جزءاً من حياتها. ثم اندحر الرقم تدريجاً الى دون 17 مليوناً في عام 1995 اي ان السينما في المغرب فقدت 30 مليون مشاهد في عقود قليلة والرقم في تراجع مستمر حيث لم توزع قاعات السينما العام الماضي سوى 14 مليون تذكرة وكانت تفوق 7.26 مليون في مطلع التسعينات. وفي نفس السياق تراجع اعداد القاعات من 226 صالة في التسعينات الى 175 صالة فقط في نهاية التسعينات اي نفس العدد المسجل في الخمسينات مع فارق عدد السكان وتطور المعرفة والتكنولوجيا. وما يقال عن الصالات يقال عن المداخيل التي تراجعت الى نصف ما كان مسجلاً قبل ثماني سنوات حيث انخفضت ايرادات الصالات السينمائية الى ما دون 112 مليون درهم العام الماضي. هذه الحالة التي وصلت اليها وضعية القاعات تصادف نمواً ملحوظاً في نوعية واعداد الافلام المغربية التي استفادت من تنوع المواضيع وتطور التكنولوجيا ودخول مستثمرين جدد ودعم الدولة للانتاجات المحلية مثل "مكتوب" لنبيل عيوش الذي حقق 300 الف تذكرة في نصف سنة وفيلم "نساء ونساء" لسعد الشرايي، مع انتظار صدور افلام اخرى مثل "اوشتام" لمحمد اسماعيل و"قدر النساء" لحكيم نوري و"اصدقاء الامس" لحسن بنجلون. ويبرز السؤال البسيط: لو عاد الجمهور اين قاعات العرض؟ المشاركون في المهرجان السينمائي المغربي الخامس في الدار البيضاء من 14 الى 21 نوفمبر تشرين الثاني المقبل سيحاولون الاجابة على تحدي غياب القاعات والجمهور في المغرب وبحث الاسباب والعلل التي تجعل شباب اليوم يفضل الفضائيات والفيديو والانترنت مع ان اول عرض سينمائي اقيم في فاس عام 1897 اي سنتين بعد اكتشاف الاخوة لوميير لتقنية الصور المتحركة.