تُدار القدس في ظل السلطة ذات السيادة لإسرائيل كمدينة موحدة، لكن الاسرائيليين والفلسطينيين يشعرون بأنها مدينة مقسمة. وعلى رغم ان كلتا الجماعتين تتجنب دخول متاجر ومنازل الجماعة الاخرى ومراكزها الثقافية فإنهما لا تريدان أن تُقسّم القدس مرة أخرى بحواجز مادية. تقضي مصلحة الجميع ان تبقى القدس مدينة موحدة. لكن اذا فُرضت مظاهر رئيسية للحكم من جانب جماعة على اخرى كبيرة وناشطة سياسياً، فإن التوترات ستتفجر حتماً. ان حل التناقض المتمثل في كون القدس موحدة ومقسّمة في آن يكمن في طبيعة السيادة، او طبيعة تنظيم المسؤوليات الحكومية، في اطار مجتمع مديني. ولحسن الحظ تتضمن السيادة عناصر كثيرة، ما يتيح فصلها وتقاسمها. وبفضل ذلك يصبح تقسيم المسؤولية الحكومية او السيادة العملية ممكناً وقابلاً للتفاوض بشكل تام. تتولى السلطات ذات السيادة جباية الضرائب وتعبيد الطرق وادارة مشاريع المياه والصرف الصحي وجمع النفايات ومعالجة ازدحام السير وادارة المدارس. فالسيادة تشكل جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل إدارة مدينة تنبض بالحياة. انها بالاحرى أمر دنيوي وعملي. إذا تسنى لعرفات ونتانياهو ان يجلسا معاً لتناول الغداء في القدس ويتفقا على التباحث في شأن مستقبل المدينة، فإن حديثهما لن يتجاوز مطالبات عامة ومطلقة بالسيادة: "القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل"، "القدس عاصمة فلسطين". لكن، للأسف، لم يؤلف حتى الان كتاب "إرشادات" حول الجوانب العملية للسيادة بما يفيد نتانياهو وعرفات والفريقين المتفاوضين والمهتمين بالمسألة في العالم كله. ليس لدينا سوى خمس سنوات لانجاز المهمة. لاحظوا الاتجاهات الديموغرافية التي تؤكد الحاجة الى الانتباه مجدداً الى تفاصيل الحكم. اليهود الاقل تقيداً بالدين يغادرون القدس في الوقت الذي يتزايد عدد اليهود المتزمتين دينياً. ثم أن عدد السكان المسيحيين في المدينة تضاءل بشكل حاد خلال العقود القليلة الماضية. وسيؤلف الفلسطينيون في السنة 2020 نسبة 40 في المئة والاسرائيليون 60 في المئة من سكان القدس. وبحلول السنة 2050، من المحتمل تماماً ان يصبح نصف سكان القدسفلسطينيين والنصف الآخر اسرائيليين. يجب ان نولي اهتماماً لهذه التغيرات السريعة اذا كنا نريد ان ندرأ العنف الديني والسياسي. هاكم كيف نفعل ذلك. نظراً إلى أن المسؤولين الحكوميين لا يستطيعون ان يتحرروا عن ترتيبات مبتكرة للقدس، يمكن لخبراء اكاديميين وسياسيين ان يعدوا للمفاوضين خيارات في مجال السياسة. وينبغي تشكيل فرق عمل لإعداد كتاب "الارشادات" حول مجموعة صغيرة من الخيارات لمدينة قابلة للحياة. - فرض الضرائب: لا يمكن ان تكون هناك سوى ضريبة مبيعات واحدة في مدينة غير مقسمة. فالتباين في معدلاتها او في تطبيقها في اجزاء مختلفة من المدينة سيسبب اضراراً وخيمة لهذه الجماعة او تلك. - النقل: لا يمكن ان تكون هناك سوى سياسة واحدة، فيما يوجد حالياً نظامان للباصات، ولا يمكن للمرء ان ينتقل من مكان الى آخر في خط مستقيم. كما لا يمكن ان يحيط بالقدس طريقان رئيسيان. فالمداخل والمخارج ذاتها يجب ان تلبي حاجات كل ضواحي المدينة. - الأمن: لنتناول موضوع الامن الذي يتضمن أبعاداً عدة تعتبر السيادة جزءاً لا يتجزأ منها. أولاً، تحتاج القدس الى حمايتها من اعداء خارجيين. ستكون اسرائيل وفلسطين الناشئة متداخلتين فعلاً إلى درجة ان عدواً خارجياً لاسرائيل يطلق صواريخ سيجد صعوبة في ان يتجنب فلسطين او الفلسطينيين الذين يعملون ويعيشون في اسرائيل. فهناك حوالي مليون مواطن اسرائيلي يعتبرون انفسهم فلسطينيين، كقومية. ويعيش 150 الف يهودي اسرائيلي حالياً في الضفة الغربية التي ستصبح كلها تقريباً فلسطين خلال وقت قصير. وعلى اكثر احتمال ستوكل مسؤولية حماية اسرائيل وفلسطين على السواء من الاخطار التي يمثلها اعداء خارجيون الى اسرائيل في الاتفاق النهائي. وبهذا المعنى سيكون امن القدس ضمن مسؤوليات السيادة التي تمارسها اسرائيل. لنأخذ مكوناً آخر للأمن في القدس: الحماية من العنف الداخلي. المسؤولية السيادية للامن بهذا الشأن هي الى حد كبير فعلاً جهد مشترك بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. فالسيادة اذاً في ما يتعلق بالامن الداخلي وظيفة حكومية مشتركة. وتزيد هذه المشاركة احتمال ان تبقى القدس مدينة غير مقسمة. - التقسيم الى مناطق: انه امر واقع، فالمفوضان الرئيسيان للمناطق المقسمة في القدس، في الوقت الحاضر، هما عرفات ونتانياهو. تخيلوا لو ان كلينتون يحدد الموقع الذي يجب ان يُبنى فيه احد مشاريع الاسكان في واشنطن. اذاً، لتجنب جدالات لا تنتهي، في القدس، وعلى هذا المستوى، ينبغي ان تكون الاصوات الحاسمة في ما يتعلق بمشاريع الاسكان الحساسة موجودة في لجنة اسرائيلية - فلسطينية خاصة بالمناطق المقسمة. - المدارس: يمكن إدارة التعليم الابتدائي على مستوى الحي. وليست هناك حاجة للشراكة في هذا المجال. لكن الحكومة المركزية لإسرائيل والحكومة المركزية لفلسطين سترغبان في تقاسم السيادة مع الادارات المدرسية للاحياء التابعة لهما على التوالي. ويرجع السبب الى ان كلا من الحكومتين سيُطلب منهما المساعدة في التمويل، او ربما يكتشفان ان لديهما اهتماماً مشتركاً في تطوير مناهج دراسية للتغلب على الخوف والكره. فالسيادة، في حالة التعليم، قد تكون منفصلة ومشتركة على السواء، وفي الوقت نفسه. - مدينة مقدسة: تحتاج القدس الى ايلاء اهتمام خاص بالجوانب الدينية للحكم. ما هي العطل التي ينبغي ان تُغلق خلالها دوائر المدينة؟ هل يمكن ابتكار نظام لتبادل العمل يمكّن دوائر المدينة من اداء وظائفها في ايام العطل الخاصة بالمسيحيين واليهود والمسلمين؟ ما هي الاوقات التي يُقيّد خلالها النقل العام؟ ما هي اجزاء المدينة التي يُسمح فيها بتنظيم مسيرات دينية، ووفق اي برنامج؟ تستأثر هذه القضايا باهتمام كبير لدى بعض الاشخاص فيما لا تلقى أي اهتمام اطلاقاً لدى اخرين، لذا فإن الحلول قد تقتضي نوعاً اخر من المشاركة يشمل زعماء دينيين ومسؤولين حكوميين، وقد تكون مشاركة لم تتجلَ أبداً من قبل في التاريخ الدامي لمدينة السلام. يمكن لعرفات ونتانياهو في الفترة المقبلة ان يجلسا لتناول الغداء في القدس فيما توجد تحت تصرفهما الخطط لمدينة يمكن ان يمارسا فيها السيادة معاً، مهما كانت عملية التكيف شاقة. * كاتبا المقال باحثان في "معهد السياسة الاجتماعية والاقتصادية في الشرق الأوسط" في جامعة هارفرد. والمقال يعبر عن وجهة نظرهما.