تألقت صناعة ودباغة الجلود في السعودية خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وجاء تألقها نتيجة عائد اقتصادي كبير لم يُلْقِ له التجار السعوديون من قبل بالاً نظراً للكلفة الباهظة التي يحتاجها مشروع إنشاء مصنع لدباغة الجلود وصباغتها وإعدادها كخامة جاهزة للتنفيذ. إلا أن الحكومة السعودية ساهمت كثيراً في مساعدة الراغبين في إنشاء مثل هذه المشاريع، وذلك وعياً منها بأهمية تلك الثروة الهائلة من الجلود المتنوعة التي تنتج عن أضحيات الحجيج في موسم الحج من كل عام، إضافة الى المورد الدائم من تلك الجلود الذي تكتظ به المطابخ الشعبية والمسالخ المحلية في أنحاء المملكة على مدار العام نتيجة الإستهلاك المحلي للحوم بمختلف أنواعها. وحققت السعودية الآن الاكتفاء الذاتي في مجال صناعة الجلود ودباغتها في فترة وجيزة قياساً الى بداية تلك الصناعة التي لا تتجاوز العشرين عاماً، ونالت الصناعات الجلدية مركزاً متقدماً في الصادرات السعودية بمواصفات ومقاييس عالمية مطلوبة، أثبتت جودة عالية تؤكد نقاوة الخامة. وتعد "الشركة الوطنية" ومصنع الدقل ومصنع الرياض الحديث من أكبر مصانع الدباغة والصناعات الجلدية في المملكة، وتنتج الجلود المدبوغة والملونة. ولمصنع الدقل وكلاء خارجيون في كل أنحاء العالم نظراً لأنه يصدر منتجاته الى مناطق متفرقة تركيا، سورية، لبنان، أوروبا، أميركا، ودول شرق آسيا وبعض الدول الافريقية ودولة الامارات العربية المتحدة. وعلى الرغم من حداثة هذه الصناعة في المملكة تشهد الجلود السعودية طلباً متزايداً في السوق العالمية، وعن ذلك يقول أحمد الوطبان، مدير الشركة الوطنية، "تمتاز الجلود السعودية بقلة أمراضها وقلة خدوشها وعيوبها، وبتعدد أحجامها وتوفر الأحجام الصغيرة التي تعتبر مطلوبة جداً، فللحجم أهميته في الدباغة وقوة المنتج، لاستخداماتها الخاصة في بعض أنواع المنتجات قفازات، شنط نسائية، محافظ، كما أن الطرق الحديثة والمستخدمة في إنتاج الجلود في مصانع السعودية تؤدي الى رفع جودة المنتج ومتانته، إضافة الى الأسعار المنافسة بالنظر الى السوق العالمية". ويضيف خالد الدقل، مدير مصانع الدقل، "بفضل المنتجات السعودية العالية الجودة نتلقى الدعوات العالمية للمشاركة في المعارض الدولية معرض باريس الدولي الذي يقام في أيلول/ سبتمبر من كل عام، ومعرض هونج كونج الذي يُعقد في نيسان/ ابريل من كل عام". ولصناعة الجلود تقنياتها الخاصة بدءاً من عملية الصباغة التي تمر بمراحل عدة، اذ يتم غسيل الجلد الخام ثم نزع الصوف عنه ليصبح نظيفاً من اي شوائب. وتأتي بعد ذلك عملية تجفيفه وإعداده للدباغة ولا بد من عمل اساس للجلد بعد ذلك بوضعه في اليود حتى يصبح جاهزاً للتلوين، والتفصيل. ويقول أحد العاملين في الصناعات الجلدية والدباغة عن المدة التي يتم فيها تجهيز أحد المنتوجات الجلدية في المصنع: "تأخذ عملية التجهيز لجاكيت جلد مثلاً بداية من سلخ الجلد حتى الشكل النهائي سبعة أيام. فالجلد يستغرق أربعة أيام عند الدباغة والتشطيب النهائي، وخلال هذه المرحلة الإنتاجية يستهلك الجلد أكثر من 250 مادة كيماوية لدباغته وتشطيبه، ثم يُجفف ليوم ويصبغ في يوم، وتأخذ الخطوة الأخيرة وهي خياطة الجاكيت يوماً تكون بعدها القطعة جاهزة للاستلام". ويوازن أحمد الوطبان، مدير الشركة الوطنية، بين نسبة المستورد من الجلود غير المتوفرة في السوق المحلية وبين المستهلك محلياً "بعض أنواع الجلود تستورده بنسبة 15 في المئة مثل جلود البقر ذات المواصفات الخاصة، ولكننا نستفيد مما هو محلي بنسبة 85 في المئة من جلود الغنم والماعز والجمال وبعض أنواع البقر". ويتميز مصنع الدقل بتعدد خاماته من الجلود النادرة التي لا توجد في السعودية والتي يستوردها من الخارج، ومن هذه الخامات: فرو الثعلب، وجلد الحنش، والكوبرا الملونة، والنمر، والتمساح. ويعلق الدقل على تعدد الأغراض التي تستخدم فيها تلك الجلود النادرة بقوله: "هذه الجلود يتم الحصول عليها من الخارج لأنها نادرة في العالم عموماً. ولها استخدامات متعددة مثل فرو الثعلب الذي يزين به جاكيت نسائي مثلاً، وأما جلد الحنش والكوبرا فيستعملان في انتاج الشنط والأحذية النسائية الفاخرة مما يضفي على المنتج جمالاً وقيمة خاصة لا تفنى مع الزمن". والجلد الطبيعي أفضل من الجلد الصناعي، ولذلك فهو يفوق في الكلفة المادية. ويعلق الوطبان على تلك الميزة للصناعات الجلدية الطبيعية بقوله: "أفضلية الطبيعي تعود لقوة تحمله ومتانته وهو صحي في استخدامه مقارنة بالجلد الصناعي". ويربط الأستاذ حمود الحازمي، مدير مصنع الرياض الحديث، مسألة التحسس من الجلد الطبيعي لدى بعض المستهلكين بالتصنيع "الجلد الذي يحدث الحساسية دليل على عدم جودة تصنيعه، فكثير من المصانع تستخدم المواد الكيماوية الرخيصة من أجل الحصول على ربح أكبر على حساب صحة المستهلك، أما إذا كانت المواد الكيماوية ممتازة فلا خوف منها".