السيد المحرر، تحية طيبة وبعد، هل هو قدر محتوم على شعب الجزائر ان يصل الصراع قمة هرم الكرتيلات النظامية ويبلغ هذه الحدة لينكشف وجه الوحش القاتل وهويته الحقيقية التي استطاع اخفاءها طوال سنوات. ان صراع شيوخ الكرتيلات وما نتج عنه من فضائح طفت على السطح، زيادة على انه كشف ما رفض العالم رؤيته جاء ليسفه "تقرير" البعثة الدولية وكشف عمى بصيرة اعضائها. وقبل هذا لمسلسل "الفضائحي" ومنذ مدة ثقيلة بالمآسي والضحايا كانت تعددت الافادات والشهادات عن تورط النظام او احد اجنحته في المجازر التي حصدت آلاف الارواح البريئة في القرى والارياف. شهود عيان، ومنظمات حقوق الانسان بناء على شهادات اهالي ضحايا او ناجين…" كل ذلك "لم يثر" انتباه ضمير المجتمع الدولي. وتواصلت الابادة في غياب للصوت والصورة لما يحدث في بلد يقع على مسافة ساعة من اوروبا. هذا الصمت شجع الوحش على الاستمرار في ارتكاب المزيد من البشاعة والامعان في التقتيل. وعلى رغم جلل الوضع لم يعرف المجتمع الدولي سوى التخندق في تنديد وادانة "ارهاب جاهز" هلامي من دون ان يتكلف "حصافة" التدقيق في الامر. امام اتساع رقعة الاجرام وتعمق الجرح خرج بعض من أنبتهم ضمائرهم عن الصمت فخاطروا بأرواحهم فراراً الى خارج البلاد ليدلوا بشهاداتهم عن مآسي كانوا طرفاً فيها اما ضمن الخدمة او مرغمين، منهم رجال امن ومخابرات وشرطة ودرك. عدد هؤلاء معتبر وشهاداتهم حساسة لما تحمله من دقائق الاخبار واسماء المسؤولين عن البشاعة ولا سيما ان هؤلاء "الفارين" عبروا عن استعدادهم الكامل للمثول امام لجان تقصي الحقائق. لكن حتى هذه الافادات على رغم دقة معلوماتها و"خصوصية" اصحابهم لم تجد الاهتمام، ومرة اخرى وجد المجرمون ايديهم طليقة للمزيد من القمع. وطالما اتفق الجميع على ان المسؤول هو "الارهاب الاصولي". وجاء اول الغيث نتيجة تصادم مصالح الكرتيلات المكونة لنظام الحكم. انقض كل طرف على الآخر يمعن في اثخانه وذلك "بفضح" حقيقة ما اخفته الايام وما تستّرت عليه الضمائر. بعد ان بادر الاطراف ما يسمى بالاستئصالي بنهش لحم الجنرال بتشين مستشار الجنرال زروال. واتهمته صحيفة "لو ماتان" الناطقة باسم الشيوعيين بالمسؤولية التامة لما حدث من تعذيب وخرق صارخ لحقوق الانسان في احداث 1989 كونه كان يترأس في حينه جهاز المخابرات العسكرية. ولم يتأخر جناح الجنرال بتشين في الرد عبر صحيفة "غد الجزائر" تصدر بالفرنسية المعروفة بقربها من الجنرال المستشار، وجاء في الرد ان السلطة الجزائرية قامت في بداية التسعينات بتشكيل "كتائب الموت" التي ذاع صيتها وغطت بشاعتها كامل التراب الجزائري وعرفت باقترافها المجازر التي ابادت قرى باكملها كما انها تميزت باختطاف العشرات من المواطنين الذين لا يزالون الى يومنا هذا ضمن قائمة المفقودين. هذه هي المرة الاولى التي تنشر فيها معلومات من هذا النوع وفيها سر خطير من اسرار الحرب. ولا شك في ان الايام القريبة ستأتى حبلى بأخبار اكثر وحشية تكشف وجه الارهاب المؤسساتي الذي انتهجته كرتيلات الحرب منذ انقلاب 11/1/1992.