تواصل مراكز القوة والقرار في أنقرة انتهاج سياسة غريبة عن التوجهات الأساسية لشعوب المنطقة التي تتطلع إلى تحقيق قدر من الأمن والاستقرار والتعايش السلمي. وإن أقل ما توصف به السياسة التركية الحالية، هي أنها سياسة "حافة الحرب"، سياسة استفزازية، عدائية، عدوانية، مع نفسها، ومع محيطها على حد سواء. داخلياً وخلف الواجهة البرلمانية، يواصل قادة العسكر حكم شعوب تركيا وأقليتها القومية والمذهبية بقوة الحديد والنار. في الوقت الذي يتراجع فيه الأداء الاقتصادي والدخل القومي بصورة تراجيدية وتحتل الليرة التركية المركز الأول بين عملات العالم الأدنى قيمة، ووصل التضخم النقدي حدود 400 في المئة، في مقابل انتشار الفساد الإداري على نطاق واسع وانتشار عصابات المافيا المنظمة، وكشفت الصحافة التركية عن ارتباطاتها بأعلى مراكز القرار. هذا بالاضافة إلى الحرب غير المعلنة ضد التيار الإسلامي، والحرب الدائرة منذ 15 عاماً ضد الشعب الكردي. فتركيا في حال عداء دائم مع اليونانيين والقبارصة والأرمن، ويزداد التوتر حدة بينها وبين إيران، وبينها وبين العراق وسورية وتستخدم المياه كسلاح لتجويع شعبي البلدين والحيلولة دون قيام مشاريع انمائية مهمة. بالاضافة إلى عقد تحالفات استفزازية تضع المنطقة كلها على شفير هاوية الأزمات الحادة، ولعل التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الأتراك خير دليل على نوعية التفكير السائد في مراكز القرار. إن السياسة الخارجية لتركيا المتسمة بالعداء لمحيطها، تشكل انعكاساً طبيعياً لوضعها الداخلي المتأزم. والحل الواقعي المتجاوب مع مصالح تركيا يكمن أساساً في تحقيق السلام والأمن الداخليين والمصالحة مع نفسها وتطوير العملية الديموقراطية بما يضمن احترام حقوق الإنسان وحرياته، ويعيد العسكر إلى ثكناتهم. فمن غير الطبيعي، كما يقول رئيس جمعية حقوق الإنسان في تركيا، آكين بيردال: ان يوجد في تركيا اليوم 152 قانوناً، و11 قراراً للمحكمة و703 بنود في النظام القضائي التركي، تمنع حرية التعبير في الصحافة. إن بلداً يعيش حالة حرب داخلية لا يمكن ان يكون عنصر سلام بين المحيطين به، لذلك ما لم يحدث تغيير داخلي جذري في تركيا، فإن المنطقة ولا شك مقبلة على أزمات حادة، لن تحول دونها الجهود المؤسسة على مقولة عدم دفع الأمور مع تركيا باتجاه المزيد من التوتر والتشنج.