حتى أواخر كانون الأول ديسمبر الماضي، كان العاطلون عن العمل في فرنسا مجرد أرقام. فكل ما كان معروف عنهم هو ان عددهم يبلغ حوالى 3 ملايين شخص ويشكلون نسبة 12 في المئة من اليد العاملة. ومع اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة، بدأت مجموعات متفرقة من هؤلاء أواخر الشهر الماضي، تحركاً عمدوا في اطاره الى احتلال عدد من "مراكز التعويضات الاجتماعية للعاطلين عن العمل" اسيديك، مطالبين الحكومة بعلاوة خاصة قيمتها 3 آلاف فرنك فرنسي لكل منهم لكي يتمكنوا من الاحتفال مثل سواهم من المواطنين. وأمام ضخامة المبلغ الذي تمثله هذه العلاوة، رفضت الحكومة مطلبهم وراهنت على انحسار التحرك وتراجعه تلقائياً. لكن العكس هو الذي حصل، فالتحرك استمر وتصاعد، فاتسع نطاق احتلال مراكز التعويضات الاجتماعية ليشمل مختلف المناطق الفرنسية، وشهدت باريس امس تظاهرة حاشدة طالب العاطلون عن العمل خلالها الحكومة باخراجهم من وضعهم الحالي. وبموازاة هذا التحرك خرج العاطلون عن العمل من كونهم مجهولين، ليظهروا عبر وسائل الاعلام الفرنسية بوجوههم وأسمائهم وليؤكدوا على غرار ميشال 41 عاماً، الذي شارك منذ اسبوعين في احتلال أحد المراكز الباريسية، ان ما يقوم به مرده الى فقدانه الأمل بالخروج من حال البطالة. وميشال الذي فقد عمله في احد مراكز العناية بالأطفال قبل ست سنوات يعيش مع ابنه في غرفة مفروشة ويتقاضى الحد الأدنى من التعويضات التي يحصل عليها قدامى العاطلين عن العمل وهو 2170 فرنك فرنسي. ومنذ ذلك الحين تتوالى الأيام التي يملأها بالبحث عن وظيفة وانتظار الردود على الطلبات التي يقدمها وتكون سلبية دائماً. ودعا ميشال رئيس الحكومة الفرنسية ليونيل جوسبان للاقامة معه يوماً واحداً لكي يدرك طبيعة وتفاصيل الصعوبات التي يواجهها العاطلون عن العمل لتدبير الأمور المتعلقة بحياتهم اليومية وحياة أطفالهم. وما يقوله ميشال قابل للتعميم على الملايين الثلاثة من الأشخاص الذين يعيشون ظروفاً مطابقة لظروفه والذين لم يعد في وسعهم ترقب النمو الموعود في الاقتصاد الفرنسي، للقضاء على البطالة والعودة بهم الى حياة طبيعية، ولم يعد أمامهم سوى المضي بالتحرك والاحتجاج، في أبرز تحدّي تواجهه حكومة جوسبان الاشتراكية منذ تشكيلها قبل حوالى سبعة أشهر. وفيما يحظى هذا التحدي بتعاطف شامل في أوساط الرأي العام الفرنسي، فإنه يثير تخوفاً وارباكاً في الوسط الحكومي نظراً لصعوبة التعاطي معه. فتحرك العاطلين عن العمل لا يسعى الى تحقيق مطلب محدّد انما يهدف الى معالجة حال اجتماعية واقتصادية، فشلت الحكومات الفرنسية المتتالية في تقديم أكثر من حلول جزئية لها.