أبدعت صحيفة "الحياة" وصفحة "افكار" على وجه الخصوص بنشر 23/12/1997 النص الرائع للأمين العام لمنظمة العفو الدولية بيار سانيه والذي جاء بعنوان "الجزائر: عندما تتقاعس الحكومة". فقد جاء النص قصيراً ومكثفاً ومدججاً بالأدلة على لا منطقية التفسير الحكومي لمسلسل المذابح في الجزائر. ولا شك ان "الحياة" وعبر التحليلات والتقارير المتوازنة التي يكتبها الزميل كميل الطويل، كانت سبّاقة في طرح التساؤلات الكثيرة حول هذه المذابح في الوقت الذي كانت فيه مختلف الصحف تردد بطريقة مملة، ما تنشره وكالات الانباء عن معلومات لم تكن تستند سوى لمصادر رسمية جزائرية بعد ان اصبحت اجهزة الامن هي الممر الوحيد للمعلومات، سواء لجهة شكل المذابح وفظاعتها، ام لجهة العناصر المنفذة لها. تقرير الامين العام لمنظمة العفو الدولية يأتي تتويجاً لمسلسل الاسئلة المشابهة التي بدأت تظهر في الصحافة الفرنسية وبعض الصحف الغربية اضافة الى البرامج التلفزيونية، والتي لم تعد تؤمن بالرواية الرسمية الجزائرية لمسار الاحداث والمذابح. وهو المسلسل الذي فرز مطالبات عديدة كان آخرها من مفوضية حقوق الانسان في الاممالمتحدة ماري روبنسون، بضرورة اجراء تحقيق دولي في المذابح الفظيعة التي ترتكب على ارض الجزائر، وبحق شيوخ واطفال ونساء ذلك البلد المنكوب. عندما كنا قبل زمن بعيد نشككّ بروايات الحكومة الجزائرية حول المذابح، لم نكن نبتعد عن الأدلة التي جاء بها الامين العام لمنظمة العفو الدولية، غير اننا كنا نضيف اليها معرفة بنمط التفكير لدى الجماعات الاسلامية المتهمة بارتكاب تلك المذابح. فرغم التطرف والجنون الواسع والمدان في صفوف تلك الجماعات، الا ان متابعتها لا تقول بمسوّغ شرعي لهذه البشاعة في القتل والذبح، بفرض وجود فتوى بمهاجمة هذه الجهة او تلك. فسياسة التمثيل بالجثث وقتل الاطفال بالذات لم تقل بها أية مجموعة متطرفة في تاريخ الإسلام، خاصة وأن منطق "تترس" المطلوبين للقتل بالأطفال لتبرير قتلهم حسب بعض الفقه إياه، غير موجود في الحالة الجزائرية ما دام اكثر القتل يتم بالفؤوس والسكاكين كما تقول الروايات الرسمية. الامر الآخر في القضية ادراك امكانات تلك المجموعات حتى ضمن الرواية الرسمية اي تلك التي تقول انهم مجرد "فلول" هاربة في الجبال، بينما يحدّثوننا في مناسبات أخرى عن امكانات هائلة على مستوى الاسلحة والمتفجرات، فضلاً عن مستشفيات تحت الارض، مع ان اعضاء تلك الجماعات في اكثرهم أمّيون لا يستطيعون ادارة حتى مستوصف. ان صرخة امين منظمة العفو الدولية وسواها من الحالات المشابهة لا ينبغي ان تذهب سدى، واذا كنا نرفض انتهاك سيادة اي بلد عربي من حيث المبدأ، فإن ذلك لا يجب ان يلغي المطالبة بالتحقيق فيما يجري، بعد ان وصلت الامور الى هذا الحد البشع والمذهل.