تقول كلمات الاغنية الرسمية التي تبناها الاتحاد الاوروبي عند تدشينه العام 1997 كعام "مناهضة العنصرية": "ألوان عدة... انما قوس قزح واحد". الاغنية الجميلة التي غناها الاطفال والكبار، بمن فيهم رئيس وزراء هولندا فيم كوك ورئيس البرلمان الاوروبي وبيدريخ فلين المفوض الاوروبي، لم تصل الى قلوب الجميع بالعمق ذاته، وتبين ان لقوس القزح الاوروبي الواناً محدودة جداً ليس بينها الوان غير اوروبية. فبعد عام كامل حافل بالنشاط والمبادرات السياسية والثقافية والمساعي المحمومة للاتحاد الاوروبي في ان ينفض عن هيكله الواقع العنصري في المجتمع الاوروبي، تبين ان الثمار المنتظرة من "العام الاوروبي لمناهضة العنصرية" ابعد ما تكون عما تطلعت اليه الدول الاوروبية الخمس عشرة الواقعة تحت ضغط ذاكرتها وذكرياتها الفاشية المريرة، والتي تجددت صورتها مع المأساة البوسنية. وبعد انصرام العام 1997 لا يزال المتخصصون بشؤون حقوق الانسان غير مقتنعين بالطريقة التي نظمت بها المفوضية الاوروبية، ومن ورائها الحكومات، نشاطات عام مناهضة العنصرية. وبقي المناخ الذي اشيع حولها والتلقي الشعبي للحملة ضئيلين للغاية. واذا ما قسنا على سبيل المثال المستوى الاعلامي الاوروبي من صحف يومية ومحطات تلفزيون أو وسائل الاعلام الاخرى، بوسعنا ان نضرب مثلاً واضحاً على الامر بالتذكير بأن الصحف الاوروبية لم تنشر حرفاً واحداً عند تدشين "عام مناهضة العنصرية" الذي حضر افتتاحه رؤساء حكومات ورئيس البرلمان الاوروبي والمفوض الاوروبي للشؤون الانسانية والقضائية بيدريخ فلين. السيد فلين كان قد القى بكل ثقل المفوضية وميزانيتها لانجاح الحملة. ولكن عند انتهاء العام 1997 اكتشف ان النتائج التي خرج بها "صاعقة" على حد تعبيره. ويجيء كلام المفوض الاوروبي على خلفية الاستفتاء الذي مولته المفوضية الاوروبية، وفيه الكثير من المؤشرات والدروس المهمة بسبب الحرفية العالية للتبويب والاسئلة التي اجاب عليها مواطنون من كل الدول الاوروبية. النتائج التي اعلن عنها فلين، المسؤول عن الملف في المفوضية الاوروبية، اثبتت الاسباب الكامنة وراء السلبية الفائقة للمحيط الاوروبي تجاه المبادرة المناهضة للعنصرية. فقد أعلن فلين في ختام العام الاوروبي لمناهضة العنصرية ان استفتاء واسعاً شمل 60 ألف مواطن اوروبي اثبت ان اكثر من ثلثي المواطنين الاوروبيين هم اما "عنصريون" ببساطة او انهم "عنصريون جداً". واكد ان ثلثي الاوروبيين يعتقدون بأن بلادهم مكتظة ولا تستوعب المزيد من الاجانب، وكانت اليونان في القمة بنسبة 85$ وتليها بلجيكا بنسبة 82$. على صعيد الطريقة التي يتعين التعامل بها مع الاجانب، فقد فضل ثلثا المواطنين الاوروبيين اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها من دون التخلي عن ثقافتهم ودياناتهم فيما يريد 25$ من الاوروبيين ان يكون الاندماج شاملاً وكاملاً بما في ذلك التخلي عن المزايا الثقافية للاجانب. وأكد الاستفتاء ان بلجيكا هي البلد الاكثر عنصرية في اوروبا حيث افصح 55$ من المواطنين عن انفسهم باعتبارهم عنصريين و22$ كانوا اكثر صراحة اذ قالوا انهم "عنصريون جداً". تبعهم في ذلك السياق الفرنسيون الذين جاءت نتائج استفتائهم بنسبة 48$ عنصريون و16$ عنصريون جداً، وبعدهم النمسا حيث بلغت العنصرية لديهم 42$ والعنصرية جداً 14$، وفي المركز الرابع تأتي الدنمارك بعنصريين يبلغون 45$ وعنصريين جداً بمقدار 11$. ولكن الامر المثير للعجب هو مطالبة أربعة اخماس الاوروبيين 80$ بطرد الاجانب حتى ولو كانوا يقيمون بصورة شرعية في احدى دول الاتحاد الاوروبي. وهذا الامر ذو دلالة خطيرة تشير الى تحول غير مسبوق في التعامل الاجتماعي مع الآخرين في اوروبا. اما المهاجرون غير الشرعيين فقد طالب 66$ من المواطنين المستفتين باخراجهم من الدول الاوروبية بالقوة وارسالهم الى بلدانهم الاصلية اذا اقتضى الأمر، مع الاخذ بالاعتبار الظروف الخاصة والشخصية عند الضرورة أي اذا كان المهاجر متزوجاً على سبيل المثال من اوروبية او انه يعيل نفسه بحيث لا يحصل على مخصصات ضمان وما الى ذلك. وأشارت النتائج الى ان دولاً مثل المانياوهولندا اللتين كانتا مركز الاضواء ونشاطات المنظمات المعادية على مستوى الاعلام، نجحت في تخفيف غلواء اليمين المتطرف والدعاية المناهضة للاجانب عندها. ففي المانيا واحد من كل عشرة مواطنين يعتبر نفسه عنصرياً جداً و33$ عنصريين فقط. كما ان دولاً مثل اسبانيا وايرلندا والبرتغال والسويد لا تشاطر شريكاتها الاوروبيات في الهوس المعادي للأجانب. ومع ان المفوضية الاوروبية منحت خلال سنة مناهضة العنصرية مبلغ 130 مليون فرنك بلجيكي 4 ملايين دولار تقريباً لمؤسسات معادية للتمييز والعنصرية للقيام بنشاطات تساعد في التخفيف من الظاهرة ودراستها علمياً، كما ان الاتحاد الاوروبي اقر انشاء مرصد لمراقبة السياسات العنصرية ومعاداة الاجانب في فيينا بالنمسا، الا ان نقص التنسيق ما بين الدول والسياسات المتبعة يكشف عن ثغرات عدة بعضها يبعث على العجب، اذا لم نقل الغرابة. وقد اعطت احدى المجلات السويدية مثلاً صارخاً على ذلك عندما كشفت ان منظمة من منظمات النازيين الجدد تلقت منحة من الاتحاد الاوروبي بقيمة 150 ألف دولار تقريباً في شهر تشرين الاول الماضي. وقالت مجلة "دي ووتش" ان تلك المنظمة التي اسمها المختصر "ايوجينس" وهي المانية - سويدية كان لأعضائها علاقة ثابتة بموجة الطرود الملغومة التي تستهدف الناشطين اجتماعياً في مجالات الثقافة والرياضة، تعد من اخطر وانشط المنظمات العنصرية والمعادية للاجانب. وينتظر، وفقاً للمجلة السويدية، ان تستثمر هذه الاموال في انجاز برامجها العسكرية النازية في مزرعة تمتلكها في السويد، ويعتقد على نطاق واسع بانها المركز الرئيسي للتدريب العسكري للمنظمات النازية الجديدة المرتبطة بشبكة تنظيمية عبر القارة وترتكز الى المنظمة الأم في المانيا. وكشفت الصحيفة ان زعيم المنظمة الالماني يورغن رايغر زعيم قواتها التي تدعى "العاصفة"، والذي سيستثمر الاموال الاوروبية، معروف كعضو رسمي في المنظمة وكان تزعم حملة تظاهرات ومتاريس لمدة اسبوع قامت بها منظمات اليمين المتطرف في هيتيندورف وسط المانيا خلال فصل الصيف الماضي فقط. بعض النشطاء الاوروبيين دافعوا عن قرارهم بتمويل المنظمة النازية الجديدة وقالوا: "لم لا؟ دعهم ينشغلون في مزرعتهم بتطوير الجينات الزراعية مثلاً افضل من ابقائهم في الشوارع".