«غير مرغوب بالنازيين» ملصقات تملأ جدران شوارع ألمانيا وجامعاتها، خصوصاً عندما يعلن «النازيون الجدد» نيتهم التظاهر في مدينة ما أو تنظيم نشاط. تستنفر مختلف القطاعات السياسية والاجتماعية والطالبية للتحضير لتظاهرات مضادة بهدف إيقاف تقدم اليمين المتطرف والحفاظ على المدينة «ملونة» كما يقول منظمو هذه الحملات. آخر المواجهات شهدتها العاصمة برلين ومدن ألمانية عدة في شهر أيار (مايو) المنصرم، إذ خطط «النازيون الجدد» للتظاهر بمناسبة يوم العمل في سبع مدن ألمانية. لكن النتيجة كانت نزول عشرات الآلاف من طلاب ألمانيا ومثقفيها للتصدي لهم بالوسائل السلمية المتاحة. ولسد الطريق على «النازيين الجدد» وتفريقهم في برلين نزل قرابة عشرة آلاف مواطن إلى الشارع على رأسهم فولفغانغ تيرزي الرئيس الأسبق للبرلمان الألماني (البوندستاغ) وعضو البرلمان الحالي عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي مصرحاً بالقول: «للموطنين الحق في الدفاع عن شوارعهم». طبعاً تتم هذه المواجهات تحت المراقبة الأمنية القصوى، إذ تحيط بالجانبين أرتال من رجال الشرطة وغالباً ما ينتهي يوم التظاهر باعتقالات بسبب الصدامات التي تخرج عن اللياقة وأصول التظاهر السلمي لينتهي مثلاً يوم العمل في برلين بإفشال التظاهرة النازية بعد بضع مئات الأمتار من انطلاقها واعتقال 200 من ناشطيها. وعادة ما يتشح المتظاهرون من «النازيين الجدد» بالسواد كما يتميز معظمهم برؤوسهم الحليقة وأحذيتهم العسكرية. وتفضل غالبيتهم إخفاء ملامحهم وهوياتهم ويتجنبون إعطاء أي تصريحات للإعلام ما خلا المسؤولين الرسميين في الحزب. واللافت في التظاهرة الأخيرة، تلويح بعضهم بأعلام جمهورية إيران الإسلامية خصوصاً بعد التصريحات المتتالية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المتعلقة بالمحرقة النازية وإزالة إسرائيل من الوجود. وعلى رغم الرقابة المفروضة على التنظيمات المتطرفة، ما زالت تسجل أعمال عنف في بعض المدن الألمانية. وبحسب تقرير للاتحاد المناهض للفاشية في مدينة دورتموند، تعرضت مجموعة من العنصريين بتاريخ 13 أيار الفائت لشباب لا تعتبرهم يمينيين كفاية ونكلت بهم في حديقة المدينة. ولكن، على الجانب الآخر، يؤكد جيل الشباب الألماني في جميع المناسبات بعده كل البعد من أفكار اليمين القومي المتطرف، بدءاً بتنظيم الحملات والتجمعات المناهضة للنازية من أروقة الجامعات وانتهاءً بانتخاب الشاب الإيراني الأصل مهرزاد مرعشي كأفضل مغن في برنامج «سوبر ستار ألمانيا» أشهر البرامج الغنائية الشبابية. أما على المستوى السياسي فهناك إجماع قلما يحدث بين مختلف الأحزاب والأطياف السياسية الألمانية على التصدي لهذه الظاهرة التي اشتد عودها وأصبحت أكثر تنظيماً في السنوات القليلة الماضية. كما أن هناك توافقاً ضمنياً على عزل الحزب القومي الديموقراطي في ألمانيا (NPD) وعدم الدخول معه في أي تحالف أو نشاط أو تنسيق. ونشأت منظمات أهلية وهيئات مدنية مناهضة للنازية والفاشية مثل (aantif) التي تبذل جهوداً كبيرة في إبعاد الشباب عن الفكر المتطرف. وفي هذا السياق تأتي كلمات وزير الخارجية السابق وزعيم أكبر أحزاب المعارضة الحالية، الحزب الاشتراكي الديموقراطي، فرانك شتاينماير واضحة إذ يقول: «أريد أن نكون متحررين من الخوف في مجتمعنا وألا يكون هناك أي تسامح مع النازيين الجدد، ولا مع كراهية الأجانب ولا مع معاداة السامية. عندما أشاهد عدد الناس في بلدنا الذين يناهضون العنف والكراهية ينمو عندي أمل بأن النازيين الجدد لا فرصة لديهم». ووصلت الأصوات المنددة بالفكر اليميني المتطرف في ألمانيا إلى حد المطالبة بحظر نشاطات الحزب القومي الديموقراطي في ألمانيا وبملاحقة أعضائه. وبالنظر إلى ظاهرة «النازيين الجدد» يبدو واضحاً أنه لم يعد من الممكن تجاهلها إذ يقدر عدد المنتسبين حالياً للحزب القومي الديموقراطي الذي تأسس عام 1964 بحوالى 7200 عضو. وبمتابعة الخط البياني لشعبية الحزب نلاحظ ارتفاعاً في السنوات العشر الماضية بنسبة 1 في المئة على مستوى ألمانيا ليحصد بذلك نسبة 1.6 في المئة من أصوات الناخبين ما فوق 18 سنة في 2009.