حين يتحدثون عن السوق العربية المشتركة، لا يجدون سبباً يدللون به على ضرورة قيام هذه السوق الا التباكي على ان حجم التجارة البينية اي بين الدول العربية لا تكاد تزيد عن عشرة في المئة من حجم تجارتهم مع العالم الخارجي ككل. ومن هنا يبدأون الانين، ثم الحنين، الى ان نكون امة واحدة. ويقولون آه لو اننا كنا متساندين، وآه لو لم نكن متنافسين. فنحن ننتج نفس المنتجات في كل دولة عربية. ومن ثم فنحن لا نكمل بعضنا الاخر. ذلك ان الدول العربية لو تكاملت، لامكن لواحدة ان تعطي الاخرى ربع غزال وتأخذ منها نصف خروف، او على الاقل هكذا يظن الذين يتحدثون عن السوق العربية المشتركة. هذه النظرة تدل على اننا من هواة الشجب والمشاجب. اذ اننا بحسب ما نظن، لو لم يتخصص أحدنا في تربية الخراف وأحدنا الآخر في تربية الغزلان، فلن تكون هناك وحدة عربية او سوق عربية مشتركة بل سيظل خروف كل واحد منا خروفا في بلده ويظل غزال كل واحد فينا غزالا في بلده. يقولون هذا وينسون في زحمة الاشجان ان تماثل السلع في كل الدول العربية لا يحول بالضرورة دون قيام سوق عربية مشتركة. اذ ان هذا التماثل، ان كان يغني دولة عربية عن التعامل مع شقيقتها العربية، بمعنى انه يعوق قيام سوق مشتركة للعرب، الا انه لا يعوق تكتل العرب لتجميع هذه السلع المتماثلة بحيث تتكون منها جبهة للتعامل ككتلة واحدة مع العالم. ان العبرة في ايجاد هذه السوق ان تكون خراف العرب جميعا قابلة للتصدير لغير العرب بعد ذبح بعضها محليا، وان تكون غزلان العرب جميعها مطلوبة عن هواة الغزلان في الخارج بعد ان نستخرج لانفسنا من بعض دمائها ما نشاء او ما يشاء الغير من المسك. القضية، اذاً، اشمل وابعد واعمق من مجرد زيادة حجم التجارة البينية بين كل البلاد العربية، ذلك لاننا لابد ان ندرك ان هناك سوقا عالمية لابد ان يكون لنا وجود فاعل فيها كمصدرين وليس فقط كمستوردين. وهذا يقتضي ان يحسن العرب العمل - بعد ان احسنوا القول واتقنوه - وذلك بأن يجتمعوا ويعملوا على تدشين سلعة عربية تتوحد الجهود لاتقان صنعها بالمواصفات التي ليس بعدها مواصفات، والتي تضمن تفوقا في الجودة او في علاج البذرة، بما يكفل غزوها للاسواق الاجنبية، وبعد ان تركت للغير مهمة غزو الفضاء الذي كان في الماضي غزوا عربيا لا شك فيه بواسطة عباس ابن فرناس، على حد علمنا مما تلقيناه في المدارس في المرحلة الابتدائية. والسوق العربية المشتركة - ربما على خلاف السوق المشتركة بين العرب - ليست مجرد دكاكين وشوارع. ولكنها مفاهيم وقواعد تتأسس عليها هذه السوق من منطلق واحد ألا وهو اصرار على ضرورة وجود هذه السوق للتعامل مع غير العرب كمصدرين ثم كمستوردين - وليس العكس - وذلك من خلال رؤية واضحة لمقتضيات اقامتها. ولعل من اولى هذه المقتضيات ضرورة استبيان اهداف هذه السوق ووظائفها. هل هي تقليص اثار المنافسة بين الدول العربية في الاسواق العالمية، او هي حشد اسباب المنافسة الجماعية العربية ازاء عالم لا رحمة فيه ولا هوادة، او انها فقط وبالذات تحقق نوعا من التكامل بين الدول العربية مع احلال الانتاج العربي المحلي، محل الواردات غير العربية. واياً يكن الهدف، فإن الامور التي لا مفر منها تتمثل في جهود نذكر منها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر: 1- رسم خريطة الانتاج العربي بما يفصح بوضوح عن امكانات زيادة التبادل التجاري بين الدول العربية. 2- رسم خريطة الصادرات العربية الى غير العرب بما لا بد ان يؤدي الى تقليص التنافس المنفرد من جانب كل دولة عربية مع غيرها من الدول العربية على نفس الاسواق غير العربية بحيث يفضي كل ذلك الى تكتيل المنافسة الجماعية للدول العربية مجتمعة ازاء الغير. 3- رسم خريط الاستثمار وتوزيعه بين اوجه النشاط الاقتصادي المختلفة سواء في الزراعة او الصناعة او خلافهما وذلك في كل دولة عربية بما يتناسب مع امكاناتها الذاتية وما سوف يحقق التكامل بينها، ولكن ازاء الغير. مثل هذا التكتل في شكل سوق عربية مشتركة وليس فقط في شكل سوق مشتركة للعرب سوف يحقق لهذه الدول العربية قوة تفاوضية اكبر مما قد تتمتع به كل منها فيما لو بقيت خارج هذا التكتل. ولكن المؤسف اننا انشط في صناعة الاتفاقات وصياغتها منا في صناعة التقدم وصياغته، ذلك لان لدينا اتفاقية لاقامة السوق العربية المشتركة منذ 1964، وتبعناها باتفاقات اخرى عن حرية التبادل التجاري، ثم عن حرية انتقال العمالة، ثم عن حرية انتقال رؤوس الاموال. فهل نحن يا ترى في حاجة الى اتفاقات جديدة ام اننا في حاجة فقط الى تحريك المياه الراكدة التي في جوف هذه الاتفاقات، بحيث يتم تنفيذ ما يمكن تنفيذه منه ولو على مراحل؟