هافانا - أ ف ب - غادر البابا يوحنا بولس الثاني كوبا مساء أول من أمس الاحد بعد يوم اعتبر تتويجاً لزيارته التي استمرت مئة ساعة وخصصت للدفاع عن الديموقراطية و"الاعتراف بحقوق الانسان" والمعتقلين السياسيين. وترك البابا في كوبا مئات الآلاف من الذين أعلنوا أمس بصوت عال توقهم الى الحرية أمام الرئيس فيدل كاسترو "المتمسك بمواقفه". وقال كاسترو: "لقد حضر الاشخاص الذين توقعوا حصول أحداث مأسوية. وبعضهم كان حتى يتمنى حدوث ذلك"، رافضاً فكرة اجراء أي تعديل خلال الخطاب الذي ألقاه قبل مغادرة البابا كوبا. وأكد للكوبيين الذين تابعوا الحدث مباشرة عبر شاشات التلفزيون ان "كوبا لا تعرف الخوف وترفض الكذب وتصغي باحترام وتؤمن بأفكارها وتدافع بثقة عن مبادئها ولا تخفي شيئاً". وقال البابا قبل ان يصعد سلم الطائرة التي نقلته الى روما ان الأمطار التي تساقطت مساء أمس على مطار هافانا "علامة تشجيع للوصول إلى مراحل جديدة". وهتف الجمهور في ساحة الثورة في هافانا "أحرار... أحرار البابا يريدنا جميعاً أحراراً". وأمام سيل بشري اطلق العنان لعواطفه، وطلب تحت صور "تشي" غيفارا والمسيح، وأمام الزعيم الكوبي الذي جلس في الصف الاول، أن "تسلك الجزيرة طرقاً جديدة". وبدا رأس الكنيسة الكاثوليكية، الذي ارتدى ثوباً أخضر رمز الامل، سعيداً، ومازح الجمهور الذي قدر بنصف مليون نسمة وشكرهم على تصفيقهم المتكرر قائلاً: "عندما تصفقون يمكن للبابا ان يستريح"، الأمر الذي اطلق ضحكة من القلب من جانب فيدل كاسترو. لكن كلمات بسيطة مثل "الحرية" و"العدالة الاجتماعية" و"حقوق الانسان" و"الحق والحقيقة" و"الأمل" هي التي أثارت حماس الجمهور في الساحة. وفي مشهد مؤثر للغاية شوهد فيدل كاسترو وجنبه الكاتب غابريال غارسيا ماركيز حائز جائزة نوبل للآداب وصديق الزعيم الكوبي يصافح الجالسين إلى جانبه بحرارة. وهي المرة الأولى التي يحضر فيها الزعيم الكوبي قداساً في كوبا منذ عام 1959 تاريخ وصوله الى الحكم. وخلال زيارته التي استغرقت خمسة أيام، لم يوفر البابا واشنطن ولا الأوساط المعادية لكاسترو وندد بشدة بالحصار الأميركي المفروض على كوبا منذ اكثر من 35 عاماً، ووصفه بأنه "جائر ومرفوض اخلاقياً". وقال في خطاب الوداع الذي ألقاه مخاطباً الزعيم الكوبي: "ان العزلة تؤثر على جميع السكان بلا استثناء". وأضاف البابا مخاطباً الكوبيين المغتربين: "يجب على جميع الكوبيين ان يساهموا في تحقيق الخير العام في جو من الاحترام المتبادل وبشعور عميق بالتضامن"، وطلب منهم "تفادي المواجهات غير المجدية". محطات في الزيارة ومساء الجمعة، دعا البابا المثقفين والفنانين الكوبيين الى النهوض ب "الديموقراطية"، وذلك في حضور الزعيم الكوبي الذي التقاه الخميس على انفراد في قصر الثورة. وصباح السبت في سانتياغو دي كوبا شرق الجزيرة استمع راوول كاسترو 66 عاماً الرجل الثاني في النظام الكوبي والخلف المعين لفيدل كاسترو 71 عاماً بدوره الى البابا الذي دعا إلى "الاعتراف بحقوق الانسان وحرية التعبير". ومساء السبت، سلط البابا الاضواء على المنشقين و"سجناء الرأي". وندد ب "العزلة والمعاناة التي يواجهونها للتمكن من التعبير عن آرائهم في اجواء من الاحترام والتسامح". وكللت الزيارة بنجاح كبير، خصوصاً أن الكوبيين استقبلوا البابا بحماسة حقيقية. ومن هذه الزيارة سيحتفظ الكوبيون بمشاهد استثنائية ومذهلة : تقديم البابا لكبار المسؤولين الشيوعيين مسبحة صلاة أو ايقونة، وكاسترو باللباس المدني يسير جنباً إلى جنب مع البابا في قصر الثورة. فجأة حصل ما لم يكن في الحسبان، وما كان محظوراً أو بالكاد مسموحاً به بات مقبولاً. وما كان غير ممكن أصبح ممكناً. هذه هي العبرة التي على الكوبيين اليوم استخلاصها.