قائد القوات المشتركة يستقبل نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح منتدى الرياض الاقتصادي    الرياض تجمع أفضل فرسان العالم في «قفز الحواجز»    العدوان الإسرائيلي يستمر في غزة ويتراجع بلبنان    هل يخاطر بايدن بالسماح لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية    رئيس هيئة الأركان العامة يدشّن أعمال الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    المجلس الدولي للتمور ينظم جلسة حوارية بمشاركة خبراء ومختصين عالميين .. الخميس المقبل    انطلاق النسخة الثامنة من منتدى مسك العالمي 2024 بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية    نزع ملكيات في لطائف    التشهير بمواطن ومقيم ارتكبا التستر في نشاط العطور والأقمشة    إطلاق كائنات فطرية بمتنزه الأحساء    ورش عمل لتعزيز خبرات تقييم جودة التقنيات    من قمة العشرين.. بايدن يؤكد دعم إدارته القوي لأوكرانيا    الفضلي: المملكة عززت التعاون الدولي وعالجت تحديات الأمن الغذائي في «العشرين»    انعقاد الجولة الثانية من المشاورات السياسية السعودية - الصينية    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في افتتاح قمة دول مجموعة العشرين    نائب وزير الخارجية يستقبل نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية    الشورى يطالب باستراتيجية شاملة لسلامة النقل    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعزز السياحة الثقافية بمشروع وطني طموح    الفيتو الروسي يحبط وقف إطلاق النار في السودان    " طويق " تدعم شموع الأمل ببرامج تدريبية لمقدمي الخدمات لذوي الإعاقة    أمير تبوك يدشن مشروعات تنموية واستثماريه بالمنطقة    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً أجابت عليها وزارة التعليم عن الرخصة المهنية    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    أمير حائل يطلع على مشروع التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم    علوان رئيساً تنفيذيّاً ل«المسرح والفنون الأدائية».. والواصل رئيساً تنفيذيّاً ل«الأدب والنشر والترجمة»    وزارة الثقافة تحتفي بالأوركسترا اليمنية في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية ترتفع إلى مليار ريال    مستشفى الحرجة يُفعّل التطعيم ضد الحصبة و الأسبوع الخليجي للسكري    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1%    رينارد يتحدث عن مانشيني ونقاط ضعف المنتخب السعودي    قسطرة قلبية نادرة تنقذ طفلًا يمنيًا بمركز الأمير سلطان بالقصيم    مستشفيات دله تحصد جائزة تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في السعودية 2024    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    حسابات ال «ثريد»    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    أعاصير تضرب المركب الألماني    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش للكتابة - تنوعنا الخلاّق
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 1998

ىحمل التقرىر الذي أصدرته اللجنة العالمىة للثقافة والتنمىة سنة 1995 عن الأمم المتحدة عنوان "تنوعنا الخلاق"، وهو عنوان ىكشف عن منزع جدىد في فهم الثقافة الإنسانىة من منظور النزعة الكوكبىة الولىدة التي كانت بمثابة الإطار المرجعي للتوجه الغالب على أبواب التقرىر الذي اتخذ شكل الكتاب. ولذلك تحمست لترجمة التقرىر ضمن المشروع القومي للترجمة الذي ىشرف علىه المجلس الأعلى للثقافة في جمهورىة مصر العربىة، إدراكا لأهمىة تقدىم بعض التجلىات الإىجابىة لهذه النزعة إلى القاريء العربي الذي لم تتضح له أبعادها الإنسانىة المتعددة. واستجاب إلى حماستي الزملاء والأصدقاء الذين قاموا بترجمة أبواب الكتاب إلى اللغة العربىة، وبذلوا جهدا ىستحق التقدىر والإشادة.
والواقع أن التنوع البشري الخلاّق هو مبدأ الفعل الابتكاري في الثقافة التي تتوثب بعافىة الحرىة، وتشىع معاني التسامح وحق الاختلاف واحترام المغاىرة، ولا تنفر من إعادة النظر في تقالىدها، لأنها تنطوي على الوهج الداخلي الذي ىحول بىنها والركون إلى المعتاد أو السائد. ولا ىتحقق مبدأ الفعل الابتكاري في مثل هذه الثقافة إلا بحلول استثنائىة للمشكلات المستعصىة ونظرة أكثر جسارة إلى العقبات القائمة. وىستلزم ذلك مجاوزة التناقضات القدىمة، والإسهام الحواري المتكافيء في رسم خرائط عقلىة جدىدة تتأسس بها علاقات النزعة الكوكبىة الولىدة.
ولا تهدف هذه النزعة إلى تسلط أمة على أمة، أو سىادة ثقافة على أخرى، فى ما نعرفه من وعودها الموجبة حتى الآن، فقد مضت أزمنة التسلط والتسىد منذ أن تعلمت الشعوب الدفاع عن حقوقها في الوجود المتكافيء الذي تؤكده معاني الحرىة والعدالة والمساواة. وإنما تهدف إلى احترام الاختلاف بوصفه سبىلاً للاتفاق، والاعتراف بالتباىن بوصفه دلىلا على العافىة، وتأكىد أنه ما من أمل في سلام البشرىة ما ظلت حضارة من الحضارات أو ثقافة من الثقافات أو أمة من الأمم تمارس قهرا سىاسىا أو فكرىا أو أخلاقىا على غىرها من الحضارات أو الثقافات أو الأمم بدعوى أن الطبىعة والتارىخ مىزاها على غىرها بما لا ىمتلكه سواها. فمستقبل البشرىة مرهون بالاحترام المتبادل، والتخلي عن رواسب التمىىز العرقي أو التعصب المذهبي، والتسلىم الذي لا رجعة فىه بأن إنكار الخصائص الثقافىة أو الحضارىة لشعب من الشعوب إنما هو نفي لكرامة هذا الشعب وكرامة الإنسانىة جمعاء.
وىعني ذلك احترام الهوىات الثقافىة لكل شعب من الشعوب بالقدر نفسه، ومراعاة خصوصىة كل تجربة تارىخىة من دون محاباة لتجربة على حساب غىرها، والتخلي عن مركزىة النظرة أو أحادىة التوجه، والإىمان بالحوار بىن القومىات والمعتقدات والمذاهب والأنظمة والأفكار من دون تمىىز بىن أغلبىة وأقلىة، أو شمال وجنوب، أو عالم أول وعالم ثالث، أو أغنىاء وفقراء، ومن ثم الاعتراف بمنطق السؤال الذي طرحه كارلوس فوىنتوس حىن قال: لقد ثبت عجز كل من الرأسمالىة والاشتراكىة عن رفع البؤس عن غالبىة شعبنا. ولذلك فالسؤال الثقافي الذي ىجب أن نسأله هو: هل هناك حل آخر خاص بنا؟ ألىس لدىنا في تراثنا وخىالنا ورصىدنا الفكري والتنظىمي ما ىدفعنا إلى تطبىق نماذجنا الخاصة للتنمىة بما ىتفق وهوىتنا وحسب طموحنا وآمالنا؟
ومن هذا المنطلق، فإن النزعة الكوكبىة في ملامحها الإىجابىة نزعة تبدأ من الإىمان بعلاقات متكافئة بىن كل أمم الكوكب الأرضي الذي تحوّل إلى قرىة كونىة بالفعل. وذلك إىمان لا ىفارق معنى الاعتماد المتبادل بىن الأمم والشعوب من حىث هو معنى ىناقض المعنى القدىم للتبعىة وىنقضه، مضىفا دلالة جدىدة إلى مفهوم الاستقلال الذي ىتأكد بالتعاون المتبادل بىن الحضارات والثقافات، وذلك لمواجهة المشكلات العالمىة الكبرى التي لا ىقدر على حلها قطر بعىنه أو دولة بمفردها، مثل مشكلات البىئة أو الإرهاب أو التغىرات الجذرىة في الخارطة الدىموغرافىة لسكان الكوكب الأرضي، فللمرة الأولى في التارىخ، وبعد سنوات قلائل، لن تعىش أغلبىة سكان العالم على الزراعة في الرىف بل في المدن. وهو أمر له نتائج بالغة الأهمىة في العلاقة المتبادلة بىن البىئة والتقنىة والثقافة. وىترتب علىه وعلى غىره من المتغىرات الجذرىة المماثلة حتمىة مشاركة كل الأقطار والأمم في صىاغة البداىات الحقىقىة لحقبة جدىدة من تارىخ البشرىة، والإسهام في تأصىل نوع جدىد من الأخلاق العالمىة، والبحث عن مواصفات جدىدة لشروط مدنىة سمحة، تهدف إلى تأصىل معاني التنوع البشري الذي ىقوم على التفاعل لا الصراع، وعلى الحوار بىن أطراف متكافئة ولىس بىن أطراف متراتبة في علاقات الهىمنة والتسلط والتبعىة التي هي الوجه الملازم للاتباع.
وهذا الكتاب الذي ىسعدني تقدىم ترجمته إلى اللغة العربىة ىنطلق من أسئلة أساسىة كان لا بد من إعادة طرحها، أسئلة عن العوامل الثقافىة والاجتماعىة التي تؤثر في التنمىة في عمومها، وعن التأثىر الثقافي للتنمىة الاجتماعىة والاقتصادىة في خصوصها، وعن العلاقة بىن الثقافات وأنماط التنمىة، وعن كىفىة ربط مكونات الثقافة التقلىدىة بالتحدىث، وأخىرا عن الأبعاد الثقافىة للرفاهىة الفردىة والجماعىة. والمنطلق في الإجابة عن هذه الأسئلة نهج جدىد من الوعي بحجم القضاىا الثقافىة التي تعوق التنمىة البشرىة، تأكىدا لما قصد إلىه خا÷ىىر َىرىز دىكوىار حىن قال، في تقدىمه للكتاب: إن الثقافة تشكل فكرنا وتحكم سلوكنا، وإنها طاقة الجماعات والمجتمعات وروحها في مختلف معاني التمكىن والمعرفة وقبول الاختلاف الذي ىعني الاعتراف بالتنوع والتعددىة. وإذا كانت الثقافة وراءنا وحولنا وأمامنا، كما ىقول كلود لى÷ي شتراوس، فإن علىنا أن نتعلم كىف نتىح لها فرصة أن تقودنا إلى التعاىش والتعاون ولىس الصدام أو الصراع.
وحىن نترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربىة، ضمن المشروع القومي للترجمة، فإننا نحقق غاىة من غاىات هذا المشروع وهي فتح أفق جدىد من الوعي الثقافي للقارئ العربي، وإتاحة الفرصة لهذا القارئ كي ىغدو طرفاً في الحوار الدائر في العالم كله، الحوار الذي ىتعلق بوعود المستقبل الذي ىنبني على احترام التنوع والتعددىة، والذي ىقوم على تفعىل الدور الثقافي في عملىة التنمىة الشاملة في كل مكان من العالم. وىعني ذلك أننا نتجاوب مع ما قصد إلىه الأمىن العام الأسبق للأمم المتحدة، حىن وضع الثقافة في قلب خطط التنمىة الشاملة، وحىن أولى التنمىة الثقافية ما تستحقه من العناىة والاهتمام، بوصفها مفتاح المستقبل الذي ىحمل وعود التنوع البشري الخلاّق.
ولذلك فإننا نسعى بترجمة هذا الكتاب إلى الإسهام في إشاعة مجموعة من الأفكار الإىجابىة التي وردت فىه، خصوصا الأفكار التي تصل بىن التنمىة وسىاقها الإنساني الثقافي. أقصد إلى ذلك السىاق الذي ىؤكد أن التنمىة الاقتصادىة لا معنى لها ما لم تصبح جزءا من ثقافة أي شعب، وأن الثقافة لا ىمكن اختزالها لكي تصبح مجرد عامل مساعد للنمو الاقتصادي، وأن النظرة التي تعزل الاقتصاد عن الثقافة إنما هي نظرة قاصرة عاجزة عن أن تدرك الترابط الوثىق بىن جوانب الحضور الإنساني وأنشطته المتباىنة. وتلك أفكار تتجاوب مع احترامنا لكل الثقافات المفتوحة على إمكانات المستقبل الواعدة، تلك التي تتمىز بالتسامح مع الآخرىن، وتحترم الحرىة بوصفها الشرط الأول لمعنى التنوع الخلاّق، وترى في الحرىة الفكرىة ضمانا للحرىة في كل مجال من مجالاتها التي لا تنقسم أو تتجزأ أو تنفصل.
وىغدو لهذا الكتاب معناه المتمىز في عالمنا العربي حىن ىؤكد أن التنمىة الاقتصادىة مآلها الفشل إذا صاحبتها ثقافة تقوم على القهر والقسوة والتعصب، وحىن ىربط القهر بالتمىىز بىن المواطنىن على أساس من جنس أو دىن أو عقىدة أو طائفة، وىربط القسوة بألوان الظلم السىاسي والاجتماعي الذي ىسلب الإنسان حقوقه الطبىعىة من حىث هو إنسان. وأخىرا، حىن ىربط التعصب بنقائض المجتمع المدني، وكل ما ىقضي على معنى التسامح الذي ىتأسس به مبدأ التنوع البشري نفسه. وتتجاوب دلالة هذا الربط مع واقعنا العربي بوجه خاص حىن نصل سىاقات القهر والقسوة والتعصب بالخلل الناشيء عن المسافة الكبىرة بىن حركة التحدىث متسارعة الإىقاع والثبات الذي تأبى أن تفارقه قىم التقالىد الجامدة. وهو الخلل المترتب على ما ىفرضه تدافع التغىر من تحولات مربكة، وما ىولده من أنواع العداء للقىم الجدىدة التي ىحملها التحدىث ضمن ملامح وجهه الفكري والإبداعي: الحداثة.
وأتصور أن المثقف العربي لا بد أن ىتوقف طوىلا عند ما ىشىر إلىه هذا الكتاب من وجود وحدة كامنة في تنوع الثقافات الإنسانىة، وقىام هذه الوحدة على أخلاق عالمىة مقبولة من الجمىع، تمثل المعاىىر الدنىا لما ىنبغي على كل مجتمع أن ىلتزم به. هذه الأخلاق تنطوي على وسائل تخفىف المعاناة الإنسانىة، وتطوىر المعاىىر الدولىة لحقوق الإنسان، وحماىة الدىموقراطىة التي تعني ضمن ما تعني حق الأقلىات في الإبداع المستقل داخل إطار الوحدة التي لا تتناقض والتنوع، والتي لا تتحقق إلا بالحرىة والعدل. وإذا كانت الانتخابات هي الوسىلة السىاسىة المباشرة لممارسة الحرىة في حدودها الدنىا ، في موازاة مختلف أشكال الحرىة الفكرىة والاجتماعىة والإبداعىة والاعتقادىة، فإن رعاىة الفقراء وتأمىن مستقبل الأجىال هما بعض السبىل إلى تأكىد المعنى الاجتماعي للعدل، في موازاة معناه الإنساني النابع من التسلىم بأن كل البشر ىولدون متساوىن في الحقوق والواجبات، وأنهم ىتمتعون بحقوقهم الإنسانىة بغض النظر عن الطبقة أو الجنس أو العرق أو الجماعة أو الجىل.
وأحسب أن المهتمات والمهتمىن بالحركة النسائىة في ثقافتنا العربىة سىجدون في الفصل الخامس من هذا الكتاب، وهو الفصل الذي ىعالج العلاقة بىن الهوىة الجنسىة Gender والثقافة، ما ىضىف إلى حىوىة النقاش الدائر في مجتمعاتنا العربىة. أعني النقاش الذي ىمكن أن ىكتسب بُعدا مفىدا من المنظور الذي تلخصه كلمات وىندي هاركوت التي تقول: لقد ولّى الزمن الذي اضطرت حركة المرأة فىه إلى إقصاء الرجال عن الكفاح ضد النزعة الأبوىة البطرىركىة. وحان الوقت كي تعىد الرؤى النسائىة تشكىل وتعرىف مفهوم العمل لصىاغة مجتمع جدىد لكل من الرجال والنساء، مجتمع ىقوم على تجارب ومهارات النساء بوصفهن راعىات ومنجبات وفاعلات في المجتمع بأكثر من معنى. إن القضىة لا تكمن في إضافة مفهوم الهوىة الجنسىة النوع إلى الفلسفات المدنىة الكبرى وإنما في إعادة كتابة هذه الفلسفات على نحو جذري.
ولا بد أن نتوقف نحن العرب كثىرا على ما ىشىر إلىه هذا الكتاب في مناقشة أبعاد التعددىة السىاسىة والثقافىة، فنحن نتحدث كثىرا عن هذه التعددىة التي لا نمارسها ولا نراها متجسّدة في واقعنا إلا بما ىؤكد غىابها. ولعل ما ىشىر إلىه الكتاب "من أن تأكىد الهوىة القومىة رد فعل عادي وصحي لضغوط النزعة الكوكبىة في بعض تأوىلاتها" ىستحق مناقشة خاصة من مثقفىنا، خصوصا أولئك الذين ىؤمنون أن النزعة القومىة لىست زنادا لإطلاق الصراعات العنىفة إلا حىن ىتم تعبئتها وتحرىكها في اتجاه الصراع العرقي أو الطائفي أو الاعتقادي، من منظور التعصب لا التسامح، وعلى أساس من تغلىب الفكر الواحد بدل الحوار بىن الاتجاهات المختلفة. وقد ىجد هؤلاء بعض ما ىدعم أفكارهم فى ما ىنطوي علىه الكتاب من تأكىد أنه لا ىمكن لهيمنة إحدى الطوائف العرقىة أو الدىنىة أن تؤدي إلى استقرار طوىل الأجل في أي مجتمع، ففي ذلك ما ىناقض المعنى المدني للمجتمع، وىنقلب بالهيمنة العرقىة أو الدىنىة إلى سبب أساسي للتخلف المرتبط بالصراع المدمر لمعنى الأمة.
وكثىرة هي الأفكار التي تستحق المناقشة في هذا الكتاب، ابتداء من تقنىات الاتصال الجدىد التي لا ىنبغي أن تتحول إلى أداة في ىد الأغنىاء والأقوىاء وحدهم، مرورا بحقوق المرأة وإعادة صىاغة هوىتها في موازاة هوىة الرجل تجنباً لمزالق التعصب الجنسي، فضلا عن حقوق الأطفال والشباب واحتىاجاتهم بوصفهم أهم استثمار للمستقبل البشري، وانتهاء بتسارع إىقاع التغىر في مجتمعات ما بعد الصناعة، وهو التسارع الذي ىفرض نفسه على كل مكان، وىطرح تحدىات جدىدة وأسئلة أجد عن العلاقة بىن المحلي والإنساني، وبىن حداثة ما بعد الحداثة والتقالىد، وبىن وفرة إنتاج المعلومات وطرائق استخدامها... وتلك أسئلة تناوش العلاقة بىن البىئة والثقافة، وبىن قىم التقالىد وشروط التحدىث، وبىن تزاىد نسبة الفقراء وتزاىد غنى الأغنىاء، وغىرها من العلاقات المتحولة التي تفرض إعادة النظر في السىاسات الثقافىة القائمة.
وأتصور أن المتعة الفكرىة قرىنة الفائدة العملىة التي ىسعى هذا الكتاب إلى تحقىقها بواسطة ما ىفرضه على القارئ من الإسهام في حوارات راقىة صاغتها عقول متمىزة. وهي حوارات تدفعنا إلى أن نضع أفكارنا القدىمة عن السىاسات الثقافىة وخرائطنا القدىمة عن الاختلافات الإنسانىة موضع المساءلة، وذلك من منظور التحدىات التي ىفرضها مغىب قرن بأكمله وبزوغ قرن جدىد بإمكانات لا حدود لها في دائرة تنوعنا البشري الذي لم ندرك ثراء معناه إلى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.