اصطدمت الجهود الأميركية لاعادة احياء عملية السلام والمفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين بمأزق مستوطنات القدسالمحتلة، مع استغلال الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو تراجع وضع الرئيس باراك أوباما داخلياً ومحاولة شراء الوقت لعرقلة جهود المبعوث جورج ميتشل برفض تجميد النشاط الاستيطاني هناك، في مقابل اصرار عربي وأميركي على وقف شامل وفقاً لخريطة الطريق. وإذ يرى خبراء أن الأسابيع المقبلة ستضع النقاط على الحروف وتوضح صورة التوجه الأميركي، تستبعد مصادر قريبة إلى الادارة الأميركية قبول واشنطن بأي اتفاق على تجميد الاستيطان يستثني القدسالشرقية لبدء المفاوضات. وبعد لقاء ماراثوني أول الأسبوع بين ميتشل ونتانياهو في لندن استغرق أربع ساعات، حاول الجانب الاسرائيلي وفي تقارير صحافية اعطاء الانطباع بأن الطرفين اقتربوا من التوصل الى اتفاق، وأن الجانب الأميركي قدم تنازلات في مسألة تجميد المستوطنات تتعلق بقبول تجميد «جزئي» وموقت لفترة تسعة أشهر لا يشمل مستوطنات القدس. إلا أن الخارجية الأميركية، وكما أشار مسؤول فيها ل «الحياة» أكدت «عدم صحة التقارير»، وأن الحديث عن أي «اتفاق هو سابق لأوانه». وجاءت تصريحات الناطق فيليب كراولي أول من أمس بأن الجانب الأميركي «يطلب من الجانب الاسرائيلي الالتزام بواجباته ضمن خريطة الطريق»، والتي تشمل الوقف الكامل للاستيطان من ضمنه القدس، وتأكيد الأطراف العربية أن هذا الأمر هو شرط محوري لاستئناف المفاوضات، لتعكس العقدة الجديدة التي تواجه ميتشل ولتطرح علامة استفهام حول مصير أي اعلان أميركي حول استئناف المفاوضات في الأسابيع المقبلة. ويستبعد غيث العمري، الخبير في فريق العمل حول فلسطين، والذي شارك في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني سابقاً، قبول الجانب الأميركي بتنازل عن مطلب وقف الاستيطان في القدسالشرقية لتسهيل بدء المفاوضات. ويعتبر أن مثل هذا المخرج «سيؤذي سمعة الادارة الأميركية وجديتها في عملية السلام»، وسيفقدها الدعم العربي الأساسي وراء العملية. وهذا ما يؤكده ممثل منظمة التحرير لفلسطينية في واشنطن السفير معن عريقات الذي ينقل عن ادارة أوباما تمسكها بتجميد كامل للاستيطان، وأن الموقف «لم يتغير» من هذا الأمر. ويشير العمري إلى أن نتنياهو تعمد استحضار مسألة القدس، لحشد الرأي العام الاسرائيلي وراءه كون المسألة تحمل رمزية لدى الطرفين، وتمهيداً لشراء الوقت وأخذ تنازلات أكبر من الجانب العربي. ولا تخفي أوساط قريبة من الجانب الاسرائيلي في واشنطن ل «الحياة» رهان الحكومة الاسرائيلية ومعها اليمين اليهودي الأميركي على الاستفادة من تراجع موقع أوباما داخلياً لتكثيف الهجوم ضده وتحسين الموقع التفاوضي لنتانياهو ومكاسب تل أبيب. وعلت أصوات الحكومة الاسرائيلية والشخصيات النيابية في الكونغرس الأميركي المؤيدة لها ضد ادارة أوباما في الأسابيع الأخيرة، ومع زيارة نواب ديموقراطيين بينهم نائب زعيمة مجلس النواب ستيني هوير ةئيس لجنة العلاقات الخارجية هوارد برمان تل أبيب، وانتقادهم لضغوط البيت الأبيض على الحكومة الاسرائيلية والدعوة الى مقابلتها بضغوط على الجانب العربي. وتزامنت هذه الحملة مع تراجع شعبية الرئيس الأميركي داخلياً (من 60 في المئة الى 50 في المئة بحسب استطلاعات غالوب)، وبفعل الأزمة الاقتصادية وخطة الضمان الصحي، وكانت غائبة مع بدء الادارة جهودها وعند زيارة نتانياهو واشنطن في أيار (مايو) المقبل وسماعه كلاماً قاسياً من الكونغرس. ويراهن نتنياهو، كما تشير المصادر، على سيناريو مشابه مع ادارة بيل كلينتون عندما حاول رئيس الحكومة الاسرائيلي شراء الوقت والمماطلة في عملية السلام في خضم غوص الرئيس السابق في فضيحة مونيكا لوينسكي. وينتظر البيت الأبيض والخارجية الأميركية عودة الكونغرس من الاجازة السنوية الأسبوع المقبل لإعادة تحريك العجلة الداخلية والبت بتشريعات اقتصادية. وسيحتم نجاح أوباما في فك عقده الداخلية تحسن شعبيته في الاستطلاعات وبالتالي ستسنح له بممارسة الضغوط على الحكومة الاسرائيلية وتحريك عملية السلام في وقت قريب، فيما سيعني اتساع مأزقه داخلياً مزيداً من التعقيدات في جهود السلام وتأجيل أي خطة أميركية لانعاش المفاوضات لتحسين الظرف الداخلي.