أخذت امس عملية السلام في الشرق الاوسط مقعداً خلفياً بعدما كسفتها اتهامات خطيرة ضد الرئيس بيل كلينتون بأنه أقام علاقات جنسية مع موظفة سابقة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي، وبأنه طلب منها تقديم شهادة زور تحت القسم. وخطفت الأزمة الداخلية التي عصفت بإدارة الرئيس كلينتون الاضواء من المحادثات التي أجراها كلينتون في مكتبه مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل ظهر أمس. وعلى رغم جهود كبار المسؤولين لإعطاء الانطباع بأن شؤون الدولة تجري بشكل طبيعي، اعترف الناطق باسم البيت الابيض مايكل ماكوري بأن الاوضاع غير طبيعية نظراً الى الغيوم السياسية السوداء التي تهدد المنصب الاول في البلاد. وجاء الاجتماع الفلسطيني - الاميركي الذي يعلّق الرئيس عرفات آمالاً كبيرة على الرئيس كلينتون ليضغط على اسرائيل لتنفيذ اتفاقات اوسلو، في وقت بدا فيه الرئيس الاميركي ضعيفاً لا بل جريحاً. ولعل التقديرات الاسرائيلية، خصوصاً تقديرات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، كانت صحيحة لجهة قوله عندما سئل اذا كان قلقاً من ضغط الرئيس كلينتون، فأجاب: كلا. ربما لعلمه المسبق بأن مشاكل الرئيس الداخلية أكبر مما كان يعتقده عموم الناس. ولم يُظهر الرئيس كلينتون مشاعر القلق تجاه الوضع السيئ الذي وصل اليه لدى بدء اجتماعه بالرئيس عرفات، الذي رحّب به "كشريك في عملية السلام"، وشدد في تصريحات له قبل بدء الاجتماعات بأن على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي تنفيذ التزاماتهما لبعضهما بعضاً. وكرر مبادئ عملية السلام وهي: "الالتزامات المتبادلة والارض في مقابل السلام لكي يتمكن الاسرائيليون من العيش بأمان ويكونوا معترفاً بهم من جيرانهم، ويحقق الفلسطينيون آمالهم بالعيش كشعب حر". وقال "اذا تمكنا من التركيز على ذلك فسنحقق بعض التقدم". واضاف كلينتون انه سيطلع عرفات على نتائج اجتماعه مع نتانياهو في ضوء الافكار التي عرضت وجرى بحثها. وقال انه سيبحث مع الزعيم الفلسطيني في الالتزامات الواردة في اتفاق اوسلو "وتحدد جدولاً لاعادة الانتشار". ولخص الرئيس الاميركي ما تعتزم الادارة القيام به بعد محادثاته مع عرفات، فقال: "سندرس ما سنقوم به في ضوء معرفة ما اذا تمكنا من التقريب بين موقفي الطرفين. واذا كان هناك من تقريب فسنكمل العمل ونتوصل الى تفاهم حول الخطوات المقبلة… ونريد ان يتم ذلك بسرعة. ولا نريد المماطلة لأن هناك شعوراً بضرورة الاستعجال". وبدوره اعرب الرئيس عرفات عن تقديره للجهود التي "يبذلها الرئيس كلينتون لحماية عملية السلام ولدفعها الى امام". واعرب عن الأمل "بأن تتكلل هذه الجهود بالنجاح". وسئل عما سيطلبه من الرئيس كلينتون فأجاب: "تنفيذ ما تم الاتفاق عليه". ورداً على سؤال عما اذا كان يعتقد ان تقدماً حصل بعد محادثات الرئيس كلينتون ونتانياهو، فاجاب: "طالما ان هناك ضغطاً وجهداً من الرئيس كلينتون فانني واثق بأن عملية السلام ستحمى وستستمر الى امام. ولن ننسى اطلاقاً ان الرئيس ارسل السيدة مادلين اولبرايت ودنيس روس الى المنطقة" لدفع عملية السلام. وأعرب عن الأمل بأن يلتزم نتانياهو تعهداته. وذكرت مصادر مطلعة ان المسؤولين الاميركيين يأملون بأن تؤدي محادثات امس مع الجانب الفلسطيني الى تحقيق تقدم يكفي للبدء في التحضير لاجتماع يضم عرفات ونتانياهو والوزيرة اولبرايت ربما في أوروبا بعد حوالى اسبوعين. وأعربت مصادر فلسطينية مطلعة عن قلقها من تأثير المشاكل الداخلية التي يواجهها كلينتون في قدرته على ان يلعب دوراً فاعلاً في عملية السلام، خصوصاً ان "كلينتون الجريح" لن يكون قادراً على مساعدة "عرفات الضعيف" في وجه الجانب الاسرائيلي الذي اظهر من خلال تصريحات نتانياهو في واشنطن بأنه قوي وقادر ليس فقط على الأرض في الشرق الأوسط بل في الولاياتالمتحدة من خلال الكونغرس وفئات سياسية محافظة اخرى في الجسم السياسي الاميركي. وفي هذا الاطار ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" ان نتانياهو اصرّ خلال محادثات الثلثاء الماضي على ان يكون الاتفاق على بدء محادثات المرحلة النهائية جزءاً رئيسياً من التفاهم على اعادة الانتشار الاسرائيلي في الضفة الغربية على مراحل وعلى مدى اشهر عدة وفي مقابل بدء اجراءات فلسطينية في مواجهة الارهاب. عرفات:محادثات حميمة واستمر الاجتماع في البيت الابيض ساعة ونصف الساعة وخرج عرفات ليعلن انه اجرى محادثات حميمة وبناءة مع الرئيس كلينتون، وان اللقاء ركز على كيفية دفع عملية السلام خصوصاً بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وقال انه تداول والرئيس بعض الافكار وانه سيتابع بحثها مع الرئيس كلينتون ومع الوزيرة اولبرايت ونائب الرئيس آل غور. وقال انه "متشجع" من اللقاء، وانه سلم الرئيس كلينتون رسالة تؤكد تنفيذ الجانب الفلسطيني التعهد الذي قدمه عرفات الى رئيس وزراء اسرائيل السابق اسحق رابين، وهو الغاء بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني. وأضاف عرفات ان على نتانياهو ان يعي ان السلام ليس فقط حاجة فلسطينية بل حاجة اسرائيلية وعربية ودولية "وآمل بأن يحول السيد نتانياهو كلامه الى افعال وان يلتزم بالاتفاقات". وقال ان الاتفاقات تتحدث عن انسحابات اسرائيلية تشمل 60 في المئة. وأضاف ان نتانياهو "شوّه الحقائق" في تصريحاته الاخيرة. وصرح المفاوض الفلسطيني السيد صائب عريقات ان الرئيس كلينتون طلب من عرفات ان يلتقي نتانياهو من أجل التوصل معه الى انهاء أزمة السلام، ونقل عنه قوله لعرفات: "لا استطيع ان أقبل ما يعرضه نتانياهو ولكنني لا أستطيع أن أقبل ما تطالب به أنت".