تمرّ عليّ الذكرى السنوية الأولى لرحيل والدي هاني الفكيكي، وأنا لا أزال أسير الحيرة، إذ كيف يمكن ان يكتب الابن عن أبيه دون ان يترك في ذهن القارئ انطباعاً بأنه يخلط الحقيقة بالخيال ويزيّن الواقع بالفضائل؟ وهذا بالضبط عكس ما أقصده هنا، ليس من باب تجنّب الإثارة فقط، وإنما اخلاصاً للوالد اولاً، وللإدلاء بشهادة صادقة أرسم بها صورة عن هاني الفكيكي يتقبّلها القارئ دون انطباعات مسبقة. ان من تعرّف الى الفكيكيين عرفهم أولاً بقصر القامة، وهذه بنية توارثناها عن اجدادنا. ولكن من عرف هاني الفكيكي ومن قبله جدي توفيق، اكتشف أبعاداً اخرى تحيل القصر طولاً. فالانسان والسياسي هاني الفكيكي كان شامخاً لكل من عرفه، صديقاً كان أم عدواً. واتسم بما تتسم به الجبال بما في ذلك بُعد الرؤية التي تذكّر بالمدى الذي يصل اليه البصر من فوق القمم المرتفعة. لقد كان ملجأ للمشرّد وراعياً حنوناً لعارفيه وأصدقائه، فضلاً عن ابنائه وأحفاده. فبنى علاقاته العائلية على الاحترام المتبادل، وكان الاحترام لديه شيئاً يُكتسب ولا يُفرض، على ما اعتادت التربية التقليدية.وأنا لست بسياسي، ولكن من واكب مسيرة السياسي هاني الفكيكي عبر السنين، وراقب القضية العراقية من خلال سجل تجربته المدوّنة في كتابه "اوكار الهزيمة"، عرف تميّز الرجل عن الكثيرين ممن "يتمارسون" السياسة اليوم، وعرف احترافه الى حدّ الاستعداد للشهادة.ف "أوكار الهزيمة" كان صيحة حق موجّهة الى الضمير العراقي والعربي، ومصدر ازعاج لمن يمضي في خلط الواقع بالرغبات او في كتم الحقيقة بالباطل. وهو، الى ذلك، وثيقة وشهادة وموقف من النقد الذاتي الشجاع. لقد بقي هاني مخلصاً للقضية، ولو انه طمع بالسلطة لقال وكتب غير ما قاله وكتبه. واستلهاماً لنهجه هذا آثرنا إحياء وفاته السنوية الاولى بعيداً عن المهرجانيات المعتادة. فأطفال العراق اليوم احوج لأي مبلغ مهما كان زهيداً. لكننا نعمل على اصدار كتاب يجمع ما حال المرض والوفاة دون جمعه: كتاب يضمّ ما كتبه الوالد في ما خصّ عدداً من القضايا السياسية والاجتماعية تعبيراً عن النهج إياه الذي عاش الوالد وفياً له.