تقول وزارة التربية والتعليم، عبر موقعها على شبكة الانترنت عن تطوير المناهج، إن هذه الأخيرة «وضعت قبل فترة من الزمن وكانت مناسبة للظروف الاجتماعية حينذاك». ومواكبة منها للتطورات والتحولات التي يشهدها العالم، رأت أن تعد مناهج للمستقبل وتطورها. ولاشك أن هذه لفتة كريمة من الوزارة «أثابها الله»، نقدرها لها، حتى وإن كنت أتحفظ على كلمة «مناسبة»، التي وردت في النص الإنشائي، كما أدرك أن مبادرة التطوير، جاءت أمراً من أعلى، وليست تحركاً نتاج شعور بالمسؤولية. ولكن في جميع الأحوال هناك تحرك يفترض أن يبحث عن الأفضل. إلا أن ما حدث غير ذلك، إذ وقعت الوزارة في «النقرة» الواقعة بين حينذاك التي استشهدت بها، وبين «آنذاك» التي تسعى لها، فوجدنا أن «حينذاك» فرخت فكراً متطرفاً موجهاً ضد الآخر، فيما «آنذاك»، التي تسعى إليها الوزارة، يُراد له أن تفرخ فكراً أكثر تطرفاً موجهاً «للي جنبك». وللأمانة؛ للمرة الأولى اسمع عن وزارة تناقض توجهات الحكومة التي تتبناها، وتسعى من خلال مناهجها إلى زرع بذور الشك حول توجهاتها وقراراتها وجهودها للتعامل مع العالم الخارجي! ولأكون أكثر قرباً وتحديداً، سأستشهد بما نشرته صحيفة «الحياة» أخيراً، عن العناوين الجديدة التي تم إقحامها في منهج مادة الحديث، تمهيداً لحشوها في رؤوس طلبة المرحلة الثانوية. فالعناوين تضمنت الإشارة إلى «التغريب». وبدا واضحاً أن حالات الطعن والتشكيك والتخوين في الإعلام انتقلت من الفتاوى «تيك أوي» ومنابر الجوامع إلى المناهج. كما تحول «مجلس الأمن وهيئة الأمم»، كما ورد بالنص، إلى «أدوات تغريبية تهدف إلى التغريب تحت شعار الإصلاح والديموقراطية والتعددية والليبرالية وحقوق الإنسان، خصوصاً ما يتعلق بالمرأة والأقليات الدينية». أما الابتعاث؛ فكان لا بد من حضوره لتكتمل سلسلة التآمر، إذ تم تصويره وكأنه «بعبع» على رغم أنه مشروع تنموي أجزم بأن من أقحمه في الكتاب لو كان لديه ابن أو ابنة لما أبقى أحداً إلا و«حبّ خشمه» لإلحاقه في برنامج الابتعاث، ولضرب عرض الحائط بما استدل به في حديثه عن المجتمع المنحرف في عقائده وقيمه وسلوكه، لأنه في داخله يدرك أن الانحراف في السلوك هو تحديداً ما يحاول أن يظهره، والذي يختلف عما يسعى لأن يبدو عليه. أمام هذا التطرف الفكري الذي تتبناه وزارة التربية والتعليم، يحق لنا أن نتساءل: لمصلحة من يتم إجازة أفكار متطرفة وعقيمة لهذا الحد؟ وهل تعلم الوزارة عن هذه العناوين أم أنها ستفاجأ كالعادة؟ فقبل ذلك سمحت الوزارة ذاتها لأحد المتطرفين المطالبين بهدم الحرم، بقصد الفصل بين الجنسين، بالمشاركة في تأليف كتاب. واليوم تسمح لتطرف من نوع آخر أن يتسلل إلى المناهج، لينسل إلى عقول طلبة ثانوية يحلمون بالتخرج، وبأن ينالوا نصيبهم من برنامج لي أعناق الدول لأهدافه السامية والنبيلة. ليجدوا أن مناهجهم تقلل من شأنه، وتنبذه، وترى أنه سيؤدي إلى إفساد عقولهم. ترى هل هناك إفساد لدى الغرب أكثر ما لدينا؟ شخصياً؛ لا أعتقد ذلك، بل أرى أن ما يقوم به بعضنا يستحي حتى الغرب المنسلخ وعديم القيم، من القيام به. التطرف والجنوح بالفكر لم يخدم أبناءنا، ويؤلمنا أن يتمكن من التسلل واختراق وزارة تُعنى بتشكيل فكر وثقافة جيل غض، وتسمح له بتمرير إرهاصات من شأنها أن تحبط أي خطوات تتجه إلى الأمام، فيصفونها ب«الحديث»، وهي أقرب إلى «لهو الحديث»! twitter | @Saud_alrayes [email protected]