بعد يومين على الهجوم الذي شنّه مسلحو حركة «طالبان» على السفارة الأميركية في أفغانستان، ارتفعت وتيرة الاتهامات الأميركية لباكستان بالتورط في شكل غير مباشر في الهجوم عبر دعمها سراً «شبكة حقاني» التي اتهمها وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، وسفير واشنطن في كابول، رايان كروكر، بالمسؤولية عن الحادث. وسبق ذلك اتهامات وصف نائب الرئيس الأميركي جو بايدن باكستان بأنه «حليف غير موثوق في الحرب على الإرهاب»، محملاً إياها مسؤولية الخسائر البشرية لقوات بلاده، والتي باتت الأكبر هذه السنة منذ الغزو الأميركي أفغانستان نهاية عام 2001. وزاد تعقيدات العلاقة بين واشنطن وإسلام آباد تسريب أخبار في الأيام الأخيرة عن رغبة الولاياتالمتحدة في فتح مكتب تمثيلي ل «طالبان» الأفغانية في العاصمة القطرية الدوحة، ما يسمح بتواصلها مع قادة وممثلي الحركة بضمانات دولية للمكتب. وبررت واشنطن اختيار الدوحة لاستضافة المكتب بأنها «لا تريده أن يخضع لهيمنة باكستان». وانزلقت العلاقات الأميركية - الباكستانية في منحى التدهور، بعد قتل قوات أميركية الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في بلدة أبوت آباد الباكستانية مطلع أيار (مايو) الماضي، وانتقاد واشنطن «عدم جدية» الجيش الباكستاني في ملاحقة قادة «القاعدة» وعناصرها على أراضيه، أو تواطئه مع التنظيم العدو الأول لواشنطن. وأعقب ذلك إغلاق الجيش الباكستاني ثلاثة مكاتب ارتباط للاستخبارات الأميركية في باكستان، وإنهاء عمل مدربين أميركيين أشرفوا على قوات حرس الحدود العاملة في مناطق القبائل (شمال غرب). وردت واشنطن على هذه الخطوات، وتلكؤ الجيش الباكستاني في مهاجمة «شبكة حقاني» في إقليم شمال وزيرستان بتجميد مساعدات لهذا الجيش قيمتها 800 مليون دولار. وبات هذا التحول في العلاقات الأميركية – الباكستانية، بعد «سنوات العسل» التي تلت اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، مثار جدل لدى الباكستانيين الذين يتخوفون من أن تدفع بلدهم ثمن معارضتها لسياسة واشنطن. وأبدى الجنرال حميد غل المدير السابق للاستخبارات الباكستانية في حديث ل «الحياة» تخوفه من أن تجعل الولاياتالمتحدةباكستان «كبش فداء» لخسارتها الحرب أمام مقاتلي «طالبان» الأفغانية. وزاد: «تورطت واشنطن في أفغانستان، ولم تفِ بوعودها المالية والسياسية لإسلام آباد، فيما ليس من مصلحة باكستان الانقضاض على جماعة حقاني التي تعمل داخل أفغانستان ولم تنفذ أي عملٍ معادٍ في مناطق القبائل أو غيرها، بل شكلت عامل تهدئة لمقاتلي القبائل الباكستانيين، وتوسطت بينهم وبين الجيش الباكستاني مرات عدة لوقف الاشتباكات وتعزيز استقرار باكستان». وعن البدائل التي قد تلجأ إليها الحكومة الباكستانية والجيش في مواجهة الضغوط الأميركية المتزايدة، أشار الجنرال أسد دراني المدير السابق للاستخبارات إلى أن عملية إعادة صوغ للسياسة الباكستانية تجرى حالياً تركز على توطيد العلاقة مع الصين الحليف التقليدي لباكستان وتوسيع العلاقة مع دول وسط آسيا وروسيا وإيران، و «أكبر دليل على تلك الزيارات التي أجراها أخيراً الرئيس آصف زرداري ورئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني لبكين وموسكو وطهران ودول في وسط آسيا، والتي أسفرت عن اتفاقات استثمارية وتجارية بديلة لباكستان عن الاعتماد على واشنطن في دعم اقتصادها المتدهور. لكن هذه الصورة «المتفائلة» لباكستان تقابلها صورة «قاتمة» يرسمها مثقفون يرون أن الجيش والحكومة غير قادرين على مواجهة واشنطن، أو حتى على الخروج من الطوق الأميركي الحالي في السياسة الخارجية والأمنية. وأشار الكاتب الباكستاني شاهد الرحمن، وهو ناقد جريء لسياسة إسلام آباد، إلى أن واشنطن أقامت علاقات مع قوى محلية باكستانية للضغط على الحكومة والعسكر، و «امتد نفوذها إلى منطقة القبائل عبر شراء ذمم شيوخ فيها ودعمهم مالياً للوقوف ضد الجماعات المسلحة المؤيدة للجيش هناك مثل شبكة حقاني وغل بهادر والملا نظير». وأيضاً، كشف الدكتور أشرف علي الباحث في شؤون منطقة القبائل أن «أميركا تحاول نقل المعركة من أفغانستان إلى باكستانية بأيدي قوى محلية، وهو أمر إذا حصل لن يستطيع الجيش والحكومة تفاديه وسيغرق البلاد في شلال من الدماء»، موضحاً أن واشنطن تهدف إلى إبعاد باكستان عن الحل النهائي في أفغانستان، ومعاقبتها على دعمها «طالبان» الأفغانية وبطئها في محاربة «القاعدة» كما تقول واشنطن. واستبعد الدكتور أشرف علي أن ترسل الولاياتالمتحدة قوات برية إلى مناطق القبائل، لكنه أشار إلى إمكان تكثيف غارات طائراتها بلا طيار، وتنفيذ جماعات مسلحة تمولها واشنطن في شكل مباشر أو غير مباشر بعمليات داخل المدن الباكستانية، ما ينبئ بزيادة التوتر في علاقات البلدين.