دعا عمرو موسى (74 عاماً)، المرشح الأبرز للانتخابات الرئاسية التي ستجرى عقب الثورة التي اندلعت في مصر إلى إعادة التفاوض بشأن الملاحق العسكرية الواردة في معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية التي أُبرمت عام 1979. وأعلن موسى خلال مقابلة حصرية أجريتُها معه في 10 أيلول (سبتمبر) أنّ «المعاهدة ستبقى قائمة إلا أنّ مصر بحاجة إلى قوات في سيناء. إذ يتطلّب الوضع الأمني ذلك. وعلى إسرائيل أن تفهم أنّه يجب مراجعة القيود التي تفرضها المعاهدة». وكان عمرو موسى يتحدّث من مدينة جنيف بعد يوم من إلقائه خطاباً أساسياً في إطار المؤتمر السنوي الذي يعقده المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، وهو مؤسسة أبحاث بارزة مقرّها في مدينة لندن. لقد أعادت معاهدة السلام التي وقّّعها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن بحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر في واشنطن في 26 آذار (مارس) 1979، شبه جزيرة سيناء التي استولت عليها إسرائيل خلال حرب عام 1973 إلى مصر. في المقابل، وافقت مصر على تجريد هذه المنطقة من السلاح. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، حين اندلعت الاحتجاجات ضد الرئيس حسني مبارك وأدت إلى إطاحته بعد ثمانية عشر يوماً، في الحادي عشر من شباط (فبراير)، سمحت إسرائيل لمصر بنقل بضع مئات من الجنود إلى سيناء للمرة الأولى منذ 32 سنة على توقيع المعاهدة. ونشرت مصر كتيبتين وحوالى 800 جندي في منطقة شرم الشيخ الواقعة على طرف سيناء الجنوبي، بعيداً من إسرائيل. لكنّ دعوة عمرو موسى إلى مراجعة الملاحق العسكرية تشير إلى أن أفكاراً مهمة تجول في باله. وأدت الثورة المصرية إلى نشوء توتر حادّ بين مصر وإسرائيل وإلى قلق كبير في إسرائيل وواشنطن حول مستقبل معاهدة السلام. وسمحت المعاهدة التي أبعدت مصر عن الصف العربي لإسرائيل بفرض هيمنتها العسكرية في المنطقة على مدى ثلاثة عقود. وكان لهذا الأمر وقع كارثي على العرب حيث تعرّض بعض البلدان في هذه المنطقة لاعتداءات إسرائيلية مثل الاجتياح المتكرّر للبنان وفرض حصار على قطاع غزة واجتياحه والاستيلاء المستمر على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي المساء نفسه الذي ألقى فيه موسى خطابه أمام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في جنيف، اقتحم المحتجون في القاهرة السفارة الإسرائيلية. ففرّ السفير وفريق عمله إلى إسرائيل. لقد غضب الرأي العام المصري لمقتل خمسة شرطيين في 18 آب (أغسطس) برصاص القوات الإسرائيلية داخل الأراضي المصرية في مدينة طابا الواقعة في شمال مصر وفي مدينة إيلات الإسرائيلية. وقد قُتل رجال الشرطة حين عبرت القوات الإسرائيلية الحدود في إطار ملاحقتها لمقاتلين شنّوا هجوماً على آليات إسرائيلية على الطريق المؤدية إلى إيلات، ما أسفر عن مقتل ثمانية إسرائيليين. وقال لي موسى: «ارتكبت إسرائيل خطأً كبيراً حين اندلعت الثورة في مصر. فقد اعتبرت أن لا علاقة للثورة بفلسطين. فقلت: مهلاً! إذ إنّ إسرائيل تحاول الإخلال باستقرار منطقة الشرق الأوسط لأنها لا تقدّر مدى التغيّرات التي تتسلّل إلى المنطقة. فهي تظن أنه بوسعها العودة إلى ما كانت تقوم به كعادتها. هذا مستحيل». وأضاف: «إنّ الفلسطينيين على حقّ في محاولتهم الحصول على اعتراف الأممالمتحدة بدولتهم خلال هذا الشهر، فهم لا يملكون خياراً آخر. كما أنّ أحداً لم يقدّم لهم عرضاً آخر. لقد باتت عملية السلام في حكم الميتة. وحان الوقت لتعي القوى الأوروبية أنّ إبقاء فلسطين جانباً كان خطأً استراتيجياً فادحاً. على كل الدول الأوروبية دعم الخطوة الفلسطينية. فلا يسع المرء أن يوصد الأبواب في وجه الفلسطينيين وأن ينتظر منهم الاستسلام. لن يستسلموا». وتعدّ آراء عمرو موسى مهمّة لأنّ احتمالات انتخابه رئيساً لمصر في السنة المقبلة كبيرة جداً. أما المرشحون الآخرون فهم محمد البرادعي (70 عاماً) الذي كان رئيساً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعبدالمنعم أبو الفتوح (60 عاماً) وهو طبيب يتمتع بتاريخ طويل لجهة معارضته نظام مبارك كما يُقال إنه ينتمي إلى الجناح المعتدل في جماعة الإخوان المسلمين. ويحظى البرادعي بتقدير الشباب المثقفين، إلا أنه أمضى السنوات الخمس والثلاثين الماضية خارج مصر وقد لا يكون مطلعاً على مشاكل مصر الداخلية. أما في ما يتعلّق بالدكتور أبو الفتوح، فيشكّك البعض في رغبة الإخوان المسلمين في أن يتولى واحد منهم مهمّة معالجة مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية الهائلة. ويتوقّف الأمر على أدائهم خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة بحيث من المتوقع أن يحصلوا على نسبة أصوات تراوح بين 30 و40 في المئة، وقد يفضّل الإخوان المسلمون الحصول على رئاسة الوزراء أكثر من رئاسة الجمهورية أو قد يكتفون بالحصول على وزيرين أو ثلاثة. وقد يكون عمرو موسى رئيساً قوياً ومقبولاً من شريحة واسعة من الشعب. فمعروف أنه يفضّل النظام الرئاسي للحكومة على النظام البرلماني المتعدّد الأحزاب لأنه يخشى من أن يؤدي إلى نشوء حكومات ائتلافية ضعيفة وقصيرة العهد. وحين أعلن ترشحه للرئاسة، لفت موسى إلى أنه سيسعى إلى البقاء في هذا المنصب لولاية واحدة تمتد أربع سنوات. ولم يكن موسى عضواً في الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم التابع لمبارك ولا جزءاً من النخبة الفاسدة التي كانت تحيط بالرئيس السابق ونجله. فمعروف أنه مستقيم ويدرك مشاكل مصر الداخلية الخطيرة. وأشار في الخطاب الذي ألقاه أمام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى إنّ 50 في المئة من المصريين يعيشون في الفقر فيما 30 في المئة منهم أمّيون، مشدداً على ضرورة إعادة إعمار البلد ومعبّراً عن ثقته بإمكان بلوغ ذلك. كما يحظى موسى بخبرة دولية واسعة بما أنه كان ممثّل مصر في الأممالمتحدة من عام 1981 لغاية عام 1983 ومن عام 1986 لغاية عام 1990 قبل أن يصبح وزيراً لخارجية مصر لمدة عشر سنوات من عام 1991 لغاية عام 2001 والأمين العام لجامعة الدول العربية لمدة عشر سنوات أخرى من عام 2001 لغاية عام 2011. كما عارض الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وكان ينتقد باستمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها. ووافقت جامعة الدول العربية في عهده على العمليات التي قام بها حلف شمال الأطلسي ضد نظام القذافي في ليبيا. وخلال نيسان (أبريل) الماضي، دعا موسى إلى فرض منطقة حظر جوي على قطاع غزة لحمايتها من القصف الإسرائيلي. وساهمت «عملية الرصاص المصبوب» التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة في كانون الأول (ديسمبر) 2008 – كانون الثاني (يناير) 2009 والتي أدت إلى مقتل حوالى 1500 فلسطيني وخلّفت دماراً مادياً كبيراً، في تقويض علاقتها بمصر وتركيا، القوّتين الأساسيتين في المنطقة اللتين كانت تربطها بهما علاقة وثيقة. ويشعر عدد كبير من المصريين بالعار لأنّ مبارك تواطأ مع إسرائيل في الحصار الطويل الذي فُرض على قطاع غزة. لن يكون عمرو موسى رئيساً محبّاً للحرب. فهو يرغب في التوصل إلى حلّ للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني على أساس الربح المتبادل كما ورد في مبادرة السلام العربية. كما أنه يؤيّد إقامة نظام أمني إقليمي يشمل إسرائيل وإيران يؤدي إلى قيام منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ويرى ضرورة للتوصّل إلى شرق أوسط جديد وحيوي ومستقر وسلمي. يبدو عمرو موسى رجل دولة حكيماً ومعتدلاً بامتياز شأنه شأن محمود عبّاس، رئيس السلطة الفلسطينية الذي يسعى إلى الحصول على اعتراف من الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية. وإذا أرادت إسرائيل أن تنعم بالأمن على المدى الطويل وأن يتمّ تقبّلها في المنطقة، فيجب أن تولي آراءهما انتباهاً. قال لي عمرو موسى في عطلة نهاية الأسبوع الماضي إنّ ثمة إجماعاً شعبياً في العالم العربي على وجوب معالجة قضية فلسطين بالشكل المناسب، مشدداً على أنه «إذا لم يحصل ذلك، فستكون العواقب وخيمة». * كاتب بريطاني مختص في قضايا الشرق الأوسط