يقترب موعد الانتخابات، فتتخذ القنوات التلفزيونية مواقعها. القنوات الرسمية تمركز كاميراتها في مقر الحزب الحاكم حالياً، والمتوقع أن يحكم مستقبلاً، والذي لا يتوقع أن يكون شيئاً آخر باستثناء «الحزب الحاكم». المذيع المفضل لدى المسؤول الكبير يمشط شعره أمام المرآة منذ ما يزيد على ساعة. «سكريبت» الأسئلة التي سيطرحها المذيع حول جهود الحزب الحاكم خلال الفترات السابقة، تتم مراجعته للمرة الأخيرة من قبل سكرتير المسؤول قبل إعادته إلى طاقم إعداد البرنامج لتتم طباعته للمرة الأخيرة قبل بدء التصوير. برنامج الحزب الحاكم ووعود مرشحيه يجري عرضها على الشاشة كفقرات إعلانية بين برامج الحملات الانتخابية للحزب الحاكم. برامج ال «توك شو» ترفع راية «شبيك لبيك» أمام كل من يلوح بورقة إنجازات «الحزب الحاكم». ويتلخص دور المذيع في هذه البرامج التي تبث في الأيام السابقة للتوجه إلى الصناديق في هز الرأس دلالة على التأييد، وتبادل الابتسامات الساخرة مع الضيف السياسي الذي يندد بمؤامرات المعارضة. ولا يكتفي المذيع بذلك بل يعلن تأييده الكامل للمرشح الممثل للحزب الحاكم الذي إن لم ينتخب سيسقط الوطن وينهار الأمان وينقشع الاستقرار. وبين كل عشر ساعات من البث التلفزيوني المروج للحزب الحاكم ومرشحيه وجميعهم أعمدة راسخة للنظام القائم والذي ظل قائماً ويتوقع أن يظل كذلك بغض النظر عن الانتخابات، قد ينجح هذا الحزب المعارض، أو ذلك المرشح غير المنتمي للنظام في نيل ثلاث أو أربع دقائق يحاول خلالها جاهداً أن يحشر برنامجه ونقاط انتقاده للحزب الحاكم ووعود نهوضه بمستوى سكان دائرته في حال فوزه بأصواتهم. وهو لا يحظى بالمذيع المبتسم المؤيد المعضد المشجع هذه المرة، بل يجد نفسه قابعاً أمام مذيع متجهم متشكك متأكد من إخفاق ضيفه المرشح في الانتخابات بصرف النظر عن منطقية برنامجه، أو صدق انتقاده للنظام. وفي بقعة أخرى من بقاع الكرة الأرضية، وفي هذه الأيام تحديداً التي تسبق الانتخابات البرلمانية، تجري تفاصيل مشهد مختلف تماماً. برامج هيئة الإذاعة والتلفزيون مسخرة أيضاً للحملة الانتخابية. عمل يجري على مدار الساعة، لكن هذه المرة الكاميرات تركض بين أروقة الحزب الحاكم تارة، وأروقة الأحزاب الأخرى المتنافسة على مقاعد البرلمان تارات أخرى. رموز النظام القائم يجدون أنفسهم واقعين بين شقي رحا لقاءات تلفزيونية أشبه بالمحاكمات العلنية، وحوارات مصوّرة أقرب ما تكون إلى جلسات كشف الكذب حول مصداقية وواقعية وعودهم المستقبلية من جهة أخرى. ليس هذا فقط، بل يجري تتبع خط سير عدد من المرشحين عبر نظام «جي بي إس» وعرضه على ملايين المشاهدين لمعرفة أماكن تواجد المرشح. وإذا أضفنا إلى ذلك فريقاً من صحافيي المحطة ملازماً للمرشح كظله طيلة الأيام السابقة للانتخابات، وبرامج حوار هدفها أبعد ما يكون عن ممارسة نشاط «الطبل والزمر» للحزب الحاكم، بل «السلخ والجلد» لكل من قرر أن يرشح نفسه من المعارضين.