أتاح الإعلام الجديد إمكانية أوفر لسبر أغوار الرأي العام، والأحداث التي يمر بها العالم العربي أوجدت فرصة أكبر للبوح، «تويتر» - على سبيل المثال - أجبر حتى الصامتين في العادة على إعلان آراء؛ ذلك لأن حضور الصورة وحده لم يعد كافياً، ومع ثورات نجحت في إسقاط أنظمة وأخرى تحاول... يلاحظ المراقب خيطاً مهماً يتمحور حول تنامي عدد غير الممانعين للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لدولة عربية، ويُبرر هذا بأحوال أنظمة قمعية تسلطت منذ عقود على شعوبها، فإذا كانت عائشة القذافي قالت في مقابلة تلفزيونية قبل هروب والدها إنهم «القذافي وأولاده» على استعداد للتحالف مع الشيطان؛ فما الذي يمنع الثوار من التحالف معه؟ وبالمقارنة فإن الرفض الشعبي في العالم العربي لغزو العراق كان ساحقاً، في حين تراجع كثيراً في الحالة الليبية. هناك اختلاف - لا شك - بين الحالتين من وجوه عدة، لكننا نركز هنا على القابلية للتدخل الأجنبي في أوضاع دول العالم العربي، من هذا الاختلاف تطور الدور الغربي واستفادته من تجربة العراق؛ فهو يقدم الحلم ويحصل على الثمن مقدماً بأقل تكلفة ممكنة. وليس غرض هذا المقال التهويل ولا العويل بل هو محاولة بسيطة لقراءة تغيّر مهم يرى الكاتب أنه يتشكل، وربما يزداد نمواً، وتتم تغذيته، كلما ضاق شعب بنظامه، ووصل إلى حالة قنوط منه. وإذا افترضنا أن الملاحظة دقيقة فإن الأسلحة التقليدية للأنظمة لا يتوقع أن تحقق دفاعات جيدة؛ فالحديث عن المؤامرات لرص صفوف الجبهة الداخلية لن يغير شيئاً؛ لأن الثقة انتزعت، ومثله الحديث عن المندسين والأجندات وتفتيت الكيانات والوحدة الوطنية؛ فكلها لن تتحول إلى جبهة صمود وتصدٍّ؛ لأن البساط «الجماهير» تم سحبه واستلابه، وذكر الحل أمره سهل، لكن العمل به بالغ الصعوبة؛ لأنه يتطلب نزع أسباب حقيقة وذرائع أصبحت جزءاً من النظام المستهدف. ولأن وقود الثورات العربية هم من جيل الشباب، وهو جيل عرف بولعه بالماركات؛ فإنه يمكن بيع وتسويق الماركات الجديدة عليه، سواء كانت الحرية أو الديموقراطية والعدالة وتوزيع الثروة، ولنا في العراق - بعد كل هذه السنوات - خير نموذج على الفساد وتردي الحالة الأمنية والهيمنة الأجنبية. وجملة القول أن الأشهر الماضية من الثورات والاحتجاجات مع تكثيف التغطيات الإعلامية واهتمام مختلف شرائح المجتمعات العربية بكل تفاصيلها، أحدثت الكثير من الخلخلة والشقوق في البناء القديم، وغيّرت من مسلَّمات، وقدمت وتقدم جرعات سياسية للشباب والشابات مغلفةً بشعارات جذابة لا يُعرف هل ستتحقق بحسب النموذج العراقي أم نموذج آخر لم يُولد بعدُ، مع أن «القابلة» واحدة؟! www.asuwayed.com