استفاد الاقتصاد المغربي من وضع استثنائي في منطقة شمال إفريقيا جعلته اقل تأثراً بالأحداث الإقليمية، ومكّنته من تحقيق نمو مقداره خمسة في المئة من الناتج الإجمالي هذه السنة، على رغم تداعيات الثروات العربية التي أطاحت ثلاث أنظمة عربية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، وارتفاع كلفة واردات الطاقة والمواد الغذائية والإصلاحات الاجتماعية، ما رفع عجز الموازنة إلى معدلات قياسية قاربت ستة في المئة، ليكون الأعلى منذ 20 سنة. واعتبر تقرير «مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية» (كنوسيد)، الذي صدر قبل أيام من جنيف، أن اقتصادات منطقة شمال إفريقيا ستتضرّر من الانتفاضات العربية ومن انخفاض التدفقات الاستثمارية والمالية، نتيجة الأوضاع السياسية غير المستقرة، خصوصاً في تونس ومصر وليبيا، حيث ستسجّل اقل معدلات نمو ضمن الدول النامية التي يزيد نموها الاقتصادي على ستة في المئة في المتوسط. الاستثمارات والمساعدات وأشار إلى أن المغرب، الذي نأى بنفسه عن تلك التأثيرات وحقق نمواً مرتفعاً معتمداً على الطلب الداخلي، قد يتضرّر من تراجع النمو في الدول العربية المجاورة ولدى شركائه الأوروبيين، ما سيقلص حجم التدفقات الاستثمارية والمساعدات الأوروبية والطلب الخارجي على السلع المغربية، فضلاً عن التأثير السلبي لارتفاع الأسعار في السوق الدولية على ميزان التجارة الخارجية. ويعتمد المغرب، الذي يتمتع بوضع متقدم مع الاتحاد الأوروبي، على دعم شركائه في شمال البحر الأبيض المتوسط وعلى حركة السياحة وتحويلات المهاجرين والاستثمارات المباشرة، في حين لا يبدو الوضع الاقتصادي والمالي الأوروبي مريحاً للاقتصاد المغربي الذي يعتمد على أوروبا في 66 في المئة من تجارته الخارجية، خصوصاً فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وهي دول تواجه ارتفاعاً في عجز الموازنة وفي حجم الدين العام، ما يدفعها إلى سياسة التقشف وتقليص النفقات والمساعدات. ونبّه التقرير إلى خطورة ارتفاع الأسعار على أوضاع الفقراء، والحدّ من القدرة الشرائية لفئات واسعة من السكان، وانعكاسها على حجم النمو والسياسات المالية والنقدية ومعدلات التضخم. وكان متوسط أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية ارتفع 27 في المئة وانعكس سلباً على التجارة الخارجية لبعض الدول، منها المغرب، الذي يواجه عجزاً في الميزان التجاري يقدّر ب 5،4 في المئة من الناتج الإجمالي. وتبدو الرباط من بين الدول النامية الأكثر تضرراً من الأسعار الدولية مقارنة بتضررها بالاضطرابات السياسية العربية، إذ زادت وراداتها من الطاقة والمواد الغذائية، ما كلف الخزينة نحو 45 بليون درهم إضافي (نحو 5،7 بليون دولار) هذه السنة، ويتوقع مثلها العام المقبل. وتمثل تلك المبالغ التي حُوّلت إلى «صندوق المقاصة» لدعم الأسعار الأساسية مثل الدقيق والسكر والزيوت النباتية والمحروقات، نحو 20 في المئة من موازنة الدولة، أي ما يعادل موازنة وزارة التعليم ويفوق موازنة الدفاع لسنة. وسيتوجّب على الرباط إنفاق 90 بليون درهم خلال العامين الجاري والمقبل لمواجهة الأسعار الدولية، تضاف إليها 11 بليون درهم سنوياً لتحسين الأجور، أي أن مجموع كلفة ارتفاع الأسعار والحراك الاجتماعي تقدّر ب 56 بليون درهم عام 2012. ضرائب جديدة؟ وتدرس الحكومة إمكان فرض ضرائب جديدة على الأغنياء وأصحاب الأجور المرتفعة في موازنة عام 2012 لتعويض النقص في الموارد وتحويل فائض حساب الضرائب إلى الفئات الفقيرة وحمايتها من ارتفاع الأسعار. وتوضح الحكومة أن الفئات الغنية تستفيد أكثر من الفئات الفقيرة من نفقات صندوق المقاصة بسبب استهلاكها المرتفع للسلع المدعومة. وكان الطلب الداخلي على السلع والخدمات قاد النمو الاقتصادي خلال السنوات الماضية، في حين حذرت جهات معارضة لتلك الإجراءات من انكماش الطلب وانعكاسه على مجموع النمو، ما سيقلّص فرص العمل للأجيال الصاعدة، ويحدّ من الاستثمار الخاص. ويُتوقع أن يكون الحراك الاقتصادي - الاجتماعي والقانون المالي الجديد، وصندوق المقاصة لدعم الأسعار، إضافة إلى فرص العمل للشباب ومحاربة الفساد، من أهم المواضيع التي سُتطرح في الحملات الانتخابية لتجديد أعضاء مجلس النواب، الغرفة الأولى في البرلمان، في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.