بدأت الآثار غير المباشرة للحراك الاجتماعي العربي والأزمة المالية الأوروبية تنعكس سلباً على الاقتصاد المغربي، الذي تضرر من ارتفاع أسعار السلع وزيادة النفقات الاجتماعية، في وقت تراجعت الاستثمارات الأجنبية وحركة السياحة والتدفقات المالية. وتوقع المصرف المركزي أن يرتفع عجز الموازنة في العام الحالي الى نحو 5 في المئة من الناتج، وهو ضعف النسبة التي كانت مسجلة قبل الأزمة الاقتصادية العالمية. وقدر عجز الميزان التجاري خلال الثلث الأول من العام الحالي ب77 بليون درهم مغربي (10 بلايين دولار)، نتيجة ارتفاع قيمة واردات الطاقة والمواد الغذائية. وتراهن الرباط على تحويلات المهاجرين وبداية موسم الصيف، لتعويض جزء من خسائر التجارة الخارجية، بخاصة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تواجه مضاعفات أزمة ديون اليونان والبرتغال، ما يجعلها في وضع لا يسمح لها بتقديم مساعدات إضافية لشركائها في جنوب البحر الأبيض المتوسط. وأفادت إحصاءات «مكتب الصرف» بأن التدفقات والاستثمارات الأوروبية إلى المغرب تراجعت من 18 بليون درهم (2،3 بليون دولار) الى أقل من نصف بليون في النصف الأول من العام الحالي. وزادت عمليات التحويل في الاتجاه المعاكس فنفّذت شركات أوروبية، فرنسية تحديداً، عمليات ترحيل أرباحها المحققة في المغرب إلى مقرها الرئيس، ما زاد من الضغوط على احتياط النقد الأجنبي في البلاد. وعمد المصرف المركزي الى تخزين بليون دولار إضافية من الذهب، تجنباً لجولة جديدة من تقلبات أسعار الصرف بين اليورو والدولار بسبب الأزمة في اليونان. وأفاد «المركزي»، الذي يتوقع إن يقدم تقريره الاقتصادي السنوي الى العاهل المغربي الملك محمد السادس الأسبوع المقبل، بأن معدل النمو الاقتصادي المتوقع سيزيد على خمسة في المئة من الناتج الإجمالي، للعام الثالث على التوالي، بفضل ارتفاع الطلب الداخلي وتحسّن أداء القطاعات الصناعية الموجّهة للتصدير وتحقيق موسم زراعي جيّد يبلغ 8 ملايين طن من الحبوب، وهو إنتاج يغطي 70 في المئة من الاستهلاك الداخلي. وحقق الاقتصاد المغربي زيادة في تحويلات المهاجرين نسبتها 7 في المئة، لتبلغ 22 بليون درهم في الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي، فضلاً عن ارتفاع إيرادات صادرات الفوسفات التي استفادت بدورها من ارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق الدولية. وكلّف الحوار الاجتماعي في المغرب نفقات إضافية زادت الضغط على موارد الموازنة، إذ بلغت كلفة رفع الأجور نحو بليون دولار، وضخّت الحكومة نحو بليوني دولار إضافية في «صندوق المقاصة» لدعم السلع الأساسية، بخاصة المحروقات وغاز البوتان والسكر والزيت والطحين. وأوضح «المركزي» أن مجموع مصاريف الصندوق سترتفع الى 45 بليون درهم (7،7 بليون دولار) في نهاية العام الحالي، وهي نسبة تعادل نصف أجور العاملين في القطاع العام، وعلى حساب الاستثمار الذي يؤمّن التنمية وفرص العمل. وحذّر من عودة محتملة للتضخم وزيادة في عجز الموازنة، ما سيؤثر على المدى المتوسط في قدرة الدولة على التحكّم بالنفقات. إلى ذلك، أشار مصدر من المصرف المركزي المغربي ل «الحياة»، الى استثمارات كبيرة متوقعة في المغرب، ينتظر أصحابها الانتهاء من الاستفتاء على الدستور الجديد ونتائج الانتخابات البرلمانية وتكليف حكومة جديدة. والى أن طلبات القروض المصرفية باتت تتجاوز قدرة المصارف على تلبيتها، ما يدفعها الى اللجوء إلى السوق المالية حيث جمعت مبالغ بقيمة 50 بليون درهم. وتجاوزت قيمة القروض الموجهة الى الشركات والأفراد العام الماضي 630 بليون درهم (80 بليون دولار).