يترقّب المصريون بحذر شديد مشوب بشوق وخوف معاً، بدء العام الدراسي الجامعي 2011 – 2012. فالأمر الوحيد الأكيد في هذا العام أنه لن يكون كسابقه من الأعوام. قد تبقى المناهج كما هي من دون تغيير، وقد تستمر مشكلات الازدحام والتكدس من دون تحسّن يذكر، لكن مجريات الأمور وقيادات الجامعات والكليات وتركيبة العلاقات بين الأساتذة وإدارة الجامعات، وعلاقة الطلاب بأمن الجامعة والأساتذة والجو العام داخل الحرم الجامعي وخارجه، كلها ستكون مختلفة كل الاختلاف. قرار تأجيل الدراسة من 17 الجاري إلى 1 تشرين أول (أكتوبر) المقبل يفسره البعض بأنه محاولة إبقاء الأوضاع الراهنة داخل الجامعات المصرية على ما هي عليه لأطول وقت ممكن، ويفسره آخرون بأنه انتظار لحين استقرار الأوضاع واختيار قيادات جديدة تكون قادرة على إدارة شؤون الجامعات بدلاً من بدء الدراسة وسط استمرار حالات الاحتجاج والاعتراض بين مطالبين برحيل كل القيادات السابقة وقلة مصرة على بقاء أكبر عدد ممكن من قيادات النظام السابق. ويمكن القول إن الجانب الأكبر من هيكلة إدارات الجامعات المصرية وقياداتها طوال العقود الثلاثة الماضية كان نموذجاً مصغراً لشكل الفساد المستشري في الدولة وتوغله وتجذره حتى في الأوساط التعليمية. وكانت إحدى كلمات السر لضمان إحكام القبضة الأمنية على المجتمع المصري هو التحكم التام في تركيبة قيادات الجامعة وفي القوة الشبابية الطالبية المهولة من منطلق أمني بحت. لكن المنطلق الأمني انقلبت موازينه ومفاهيمه رأساً على عقب، وما كان مطلوباً ومحموداً بالأمس للإمساك بالجامعات بات مكروهاً ومرفوضاً اليوم في مصر بعد الثورة. فبعد أشهر من الشد والجذب بين القوى الثورية الطالبية والتعليمية من جهة وبين مناهضي التغيير والتطهير من داخل الجامعات وخارجها من جهة أخرى، بدأت بشائر التغيير في الظهور. فقبل أيام أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن نتيجة استطلاع للرأي أجرته بين أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الحكومية حول أفضل السبل لاختيار القيادات في المرحلة المقبلة. وكشف الاستطلاع أن 83 في المئة من الأساتذة يؤيدون أسلوب الانتخاب المباشر بضوابط. وأعلنت الوزارة أن هذا النظام سيتم تطبيقه فوراً، ولكن على الأماكن الشاغرة لمناصب رؤساء الجامعات والعمداء، ما أدى بالطبع إلى تصاعد نبرات الاحتجاج والغضب، لأن تغيير القيادات سيكون جزئياً فقط. وتبعت الاستطلاع موجة من الاستقالات الجماعية بين قيادات الجامعات جاء بعضها إما نوعاً من حفظ ماء الوجه، أو لعدم إحراج وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور معتز خورشيد، إذ توقع الجميع أن تنطلق القوى الثورية الجامعية مطالبة بإقصاء جميع القيادات القديمة من دون استثناء، علماً أن هناك من بقي متمسكاً بالكرسي بصرف النظر عن أصوات المطالبين بالتطهير العام والشامل. وفي أعقاب تلك الاستقالات، نظّم عدد من أعضاء هيئة التدريس والعاملين في جامعة القاهرة وقفة احتجاجية أمام المجلس الأعلى للجامعات للمطالبة بالإبقاء على القيادات الجامعية من دون تغيير، والالتزام بقانون تنظيم الجامعات «المعيب» وحق رؤساء الجامعات والقيادات في الاستمرار في أعمالهم طالما لم يتم اتخاذ أية قرارات جمهورية معاكسة لذلك. ويقول الطالب مصطفى فتحي (كلية الحقوق جامعة القاهرة) إن «مثل هذه الوقفات العجيبة هي أبرز دليل على استمرار الفلول والأذناب في تقوية الثورة المضادة بكل ما أوتيت من قوة». لكن القوى الثورية الأخرى تعمل بكامل طاقتها هي أيضاً. فالتظاهرات والبيانات المطالبة بالتطهير الكامل والتغيير الشامل لا تكل ولا تمل. «حركة استقلال عين شمس» مثلاً أعلنت عن رفضها التام لقيام الجامعة بفتح باب الترشح إلى مقاعد رؤساء الأقسام والعمداء، معتبرة ذلك استمراراً لتدخل إدارة الجامعة في اختيار رؤوسها. وفي المقابل يتحدث البعض عن «مسائل تتعلق بالكرامة والمهانة». ويقول أستاذ في كلية الهندسة جامعة القاهرة فضّل عدم ذكر اسمه إن الغالبية المطلقة من القيادات السابقة تمت المطالبة بإسقاطها وتوجيه تهمة العمل لمصلحة التوازنات الأمنية على حساب الجوانب الأكاديمية ومصالح الطلاب والأساتذة، وحفاظاً على كرامة أولئك، الأجدر بهم أن يتقدموا باستقالاتهم وقبولها حتى لو لم يكونوا ضمن الفئة التي بلغت سن التقاعد والواجب استبدالها. لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة التي تهدّد استقرار الأجواء الجامعية في مطلع العام الدراسي الجديد. فالشروط التي أعلن عنها لإجراء تلك الانتخابات رفضتها غالبية هيئات التدريس الجامعي، بل وصل الأمر إلى حد الدعوة إلى تنظيم مليونية غداً الثلثاء 13 أيلول (سبتمبر) تخرج من كل جامعات مصر للمطالبة بموقف واضح ومتفق عليه في شأن الانتخابات. وتشمل الشروط المثيرة للجدل وجود أكثر من 20 عضو هيئة تدريس، و4 أساتذة لإجراء انتخابات، إضافة إلى حضور ما لا يقل عن 40 في المئة من أعضاء الجمعية العمومية. وفي حال لم تتحقق هذه الشروط، يصدر قرار بتعيين عميد الكلية. والمشكلة الحقيقية تكمن في أن قانون تنظيم الجامعات الرقم 49 لعام 1972 ينص على أن «تعيين» رئيس الجامعة ونوابه يتم بقرار جمهوري وليس بانتخابات. وهذا يعني أن تغيير طريقة الاختيار من التعيين إلى الانتخاب يتطلب مرسوماًً جمهورياً أو نصاً تشريعياً معترفاً به، وهو ما لم يحدث بعد.