انقسمت الآراء السياسية في لبنان بين مؤيد للمواقف التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي من فرنسا في خصوص موقف المسيحيين مما يجرى في سورية ومن موضوع سلاح «حزب الله»، خصوصاً في ضوء ما نسب إلى الراعي أول من أمس من «أن المسيحيين سيدفعون الثمن إذا وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم في سورية، وإذا وصل السّنّة إلى الحكم فسيتحالفون مع سنّة لبنان وسيتأزم الوضع مع الشيعة». وإذ أجمعت الأكثرية على تحية مواقف الراعي، تحدث معارضون عن موفدين للرئيس بشار الأسد التقوا الراعي، وذكرت «الجماعة الإسلامية» في بيان الراعي بأن في العراق «كل مكونات الشعب العراقي من دون استثناء دفعت ضريبة الاحتلال قتلاً وتهجيراً، وفي أغلب الأحيان دفع المسلمون الثمن الأكبر». وحيا الرئيس السابق للجمهورية إميل لحود في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، «بفخر واعتزاز المواقف الأخيرة التي أطلقها الراعي والتي تندرج في خانة دور الصرح البطريركي تاريخياً في مقاربة الشؤون الوطنية والإقليمية». ورأى أن البطريرك «أعاد إلى الوجدان اللبناني عامة والمسيحي خاصة توصيات السينودوس من أجل لبنان التي أمسكت بيد المسيحيين لانتشالهم من التقوقع والانغلاق والخوف، من منطلق أن لبنان ليس مجرد وطن بل هو رسالة وأن على المسيحيين فيه أن يتفاعلوا مع إخوانهم في المواطنة ومع المحيط العربي ويستعيدوا دوراً ريادياً كادوا أن يفقدوه». وأمل في أن «يدخل كلام الراعي عن سورية بعض الهدوء إلى الرؤوس الحامية أو المتوترة أو المغامرة في لبنان والتي تراهن على سقوط نظام شقيق وضامن لحقوق الأقليات ومتجه بخطى ثابتة إلى تحصين ساحته وحل معضلاته التي هي بالنتيجة ثمرة نهجه الممانع لحلول الذل والاستسلام». واعتبر النائب طلال أرسلان في بيان، أن موقف الراعي «للجم الجموح الاستعماري للدول الغربية، يشكل ذروة الحكمة والمسؤولية من جانب هذه المرجعية اللبنانية المرموقة، وموقفاً تاريخياً يذكر بمواقف كبار البطاركة عبر التاريخ ويندرج في سياق النهج القويم للكرسي الرسولي الذي لو استمعت قوى الاستعمار لتحذيراته ونصائحه لما دمر العراق وتمزق نسيجه الاجتماعي وتقطعت أوصاله وهجر أهله، وأولهم المسيحيون أحفاد حمورابي ونبوخذ نصر وحاملو ذاكرة أصل الحضارة البشرية». ورأى عضو كتلة «التنمية والتحرير» النيابية قاسم هاشم في تصريح، أن مواقف الراعي «تعبر عن قراءة موضوعية واقعية نابعة من حس وطني حكيم قادر على التعاطي مع التطورات والتحديات وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية، بعيداً من كل الضغوط والمواقف الارتجالية التي يحاول بعضهم زج لبنان في زواريبها، لكن الامتثال بمواقف البطريرك السبيل الأساس للحفاظ على لبنان وتحصينه في ظل كل ما يجرى في المنطقة وهذه هي السياسة الحكيمة المنقذة وتأكيد الثوابت والخيارات الوطنية الجامعة». وفي المقابل، قال عضو كتلة «المستقبل» النيابية خالد الضاهر في تصريح لموقع «14 آذار» الإلكتروني، إن «الرئيس الأسد أرسل موفدين للقاء البطريرك الراعي في لبنان بغية حشد تأييد الأقليات اللبنانية لنظامه الذي يبدو أنه بعدما اهتزت ركائزه يعمد إلى الهروب إلى الأمام عبر الضغط على الأقليات في محاولة منه للبقاء في السلطة متوسلاً الدعم لمواجهة الأكثرية وكأن الحرب اندلعت بين الأكثرية والأقلية». ولفت إلى «أن الأزمة هي في النظام الديكتاتوري الذي لا يخدم الأكثرية ولا الأقلية عكس النظام الديموقراطي، وهذا النظام كان أرسل رسائل واضحة إلى أقليات المنطقة الممثلة في لبنان لربطها بمصيره وليخوض بها حرباً ضدّ الحريات»، مستغرباً كلام الراعي الذي اعتبره «مخالفاً للتاريخ المسيحي وتاريخ بكركي الذي لطالما دعم الحرية ووقف إلى جانب الشعب وحقوقه». واعتبر أن الأسد «يسعى للمقاتلة بالدروز والمسيحيين والعلويين في سورية للحفاظ على مكاسبه الخاصة ونظامه الديكتاتوري، وتعيينه وزير دفاع مسيحياً يوضح التمترس وراء الطوائف الأقلية هناك لمواجهة الشعب ومطالبه القائمة على الحرية وعلى إعطاء قيمة للإنسان». وسأل الضاهر: «هل نسي الراعي أن من قصف طرابلس هو نفسه من قصف الأشرفية وزحلة؟ ومن اعتدى على المسيحيين هو نفسه من اعتدى على الإسلام في لبنان في الثمانينات؟». وأمل عضو كتلة «المستقبل» نضال طعمة في تصريح «ألا يستغل بعض السياسيين بعض الكلمات التي تلقى هنا أو هناك عن الوجود المسيحي في الشرق وتعبر عن وجهات نظر لها الحق في أن تطرح لدرس كل الاحتمالات». وأكد أن «الضمان الحقيقي للمسيحيين يبقى في وعيهم أصالة هويتهم المحبة، فمنطق الفداء الخلاصي لكل الناس، ويقينهم أن إيمانهم المبني على الصخر، وحده يجعلهم يفهمون أن أبواب الجحيم لا يمكن أن تقوى عليهم. من هنا ضرورة انسجام المسيحيين مع إرادة الشعوب المحيطة بهم، وحرصهم على تكريس مواطنيتهم في هذا الشرق، وصولاً إلى الانعتاق من عقدة الأقلية التي تحتاج إلى حماية، فالدولة القوية العادلة هي المرتجى. وهنا لا يمكننا إلا أن نكون صادقين مع أنفسنا، ونحرض شركاءنا على التمسك بقيم السماحة الإسلامية واحترامها لمنطق الشراكة والتعددية». ولفت نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان في حديث ل «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، إلى أن «احترامنا وتقديرنا لبكركي شيء ثابت ودائم»، لكنه اعتبر أن كلام الراعي «تبرير لوجود سلاح خارج الدولة وقيام دولة داخل الدولة». وشدد على أن «المسار الطبيعي للدور المسيحي حماية الحريات»، معتبراً أن «الاحتماء بأي فريق لا يحمي المسيحيين وتصوير المسيحيين كأنهم طرف في سورية لا يخدم المسيحيين ولا الخط التاريخي لبكركي». وقالت «الجماعة الإسلامية» في بيان، إن «من حق أي شخص أن يعبر عن مواقفه وتطلعاته، ولكن ما كنا نتوقع هذا الموقف من غبطته، خصوصاً أنه توصل بالاستنتاج إلى أن أي تغيير يقدم عليه الشعب السوري سينعكس سوءاً على العلاقة في لبنان بين المكونات اللبنانية، وهذا ما يدحضه التاريخ الطويل الذي أثبت أن العائلات اللبنانية عاشت مع بعضها بعضاً عقوداً طويلة من دون قلق أو خوف من بعضها بعضاً، وأن المسلمين يحرصون حرصاً كاملا على أفضل علاقة فيما بينهم ومع المكونات اللبنانية الأخرى». وإذ ذكرت الجماعة «غبطته بأن كل مكونات الشعب العراقي من دون استثناء دفعت ضريبة الاحتلال قتلاً وتهجيراً، وفي غالب الأحيان دفع المسلمون الثمن الأكبر، وأن أي مقارنة بهذا الخصوص لا ترتكز أساساً على معايير عادلة»، رأت «أن إثارة النعرات الطائفية وغير الطائفية في هذه الظروف بالذات لا تعود بالمنفعة على أي من مكونات المنطقة، التي تمتعت بالعيش المشترك على مدى قرون من الزمن». ودعت إلى «تفعيل الحوار الإسلامي - المسيحي الكفيل بطمأنة كل المكونات، بعيداً من منطق التشكيك أو المواقف المسبقة، ولنترك للشعوب أن تقرر مصيرها بنفسها، وهي التي عاشت قروناً يحفظ بعضها بعضاً».