ساهم تنامي المشاهد التي تروّج للمقاتلين في سورية والعراق أخيراً، ووضعهم في قالب «البطولة» من خلال وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها، إضافة إلى «التعاطف» الذي تلقاه تلك الحركات في بعض الأوساط الشعبية، وانتشار ثقافة بين الناس تؤيد أفعالهم وتمجّدها، في انبهار الأطفال بقدرات هؤلاء المسلحين، و«نبلهم وأخلاقياتهم». ومع تراكم العرض والترويج تأتي مناظر «النحر» و«السحل» كنقطة فاصلة في تفسير تلك الأفعال للأطفال، إذ يصعب عليهم الفصل بين هذا الفعل وصوابه من عدمه، وبين نظرة الإعجاب وحب التقليد، التي يحملها لمن يقاتل في سبيل هذه القضية أو تلك. ودرجت القنوات العربية وعلى مدار العقود الماضية على بث المشاهد الدموية، وسط تحذيرات من مجموعة من المهتمين والاختصاصيين من خطورة «التمادي في عرض هذه المناظر»، لافتين إلى «المردود العكسي والسلبي الذي تحدثه على فئات المجتمع». وجاء «ميثاق الشرف الإعلامي العربي»، ليضع أسساً ومبادئ لتفادي كثرة عرض هذه المشاهد. إلا أن تعدد شبكات التواصل الاجتماعي وانتشارها بين الناس، ساهم في استفحال هذه الظاهرة. ورأى استشاري سلوك أن تزايد وتيرة الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، وخصوصاً المناظر الدموية «تؤثر في شكل سلبي في الطفل»، مشيراً إلى أن «الخطورة تكمن في تقديم هؤلاء المقاتلين بوصفهم أبطالاً وقدوة، على رغم ما يصاحب المشاهد التي يظهرون فيها من مناظر عنف، ما يحفّز الأطفال لتقليد أفعالهم»، لافتاً إلى «نقص الوعي لدى الوالدين والمدرسة من خطورة المشاهد ودورها المؤثّر». وقال استشاري النمو والسلوك في مستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتور حسين الشمراني ل «الحياة»: «إن الأطفال يتأثرون كثيراً بما يشاهدونه ويسمعونه، وخصوصاً في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي»، موضحاً أن «التأثير يمتد ليشمل الأفكار والتوجهات والعقائد، وكذلك الأخلاق والسلوكيات وغيرها». وأشار إلى أن المناظر الدموية ومشاهد الحروب «تزيد من الشعور بالقلق والخوف عند الأطفال من جهة، فيما هي دافع لهم لتقليد ما يشاهدونه من مشاهد عنف وغيرها من جهة أخرى»، مرجّحاً أن من يشاهد منهم هذه المناظر «قد يصبح عنيفاً مع الآخرين». بيدَ أن الخطورة تزداد إذا كانت الصورة المقدمة للطفل عن المشاركين في هذه المشاهد أنهم «أبطال وقدوة»، ما يؤثر في توجّه الطفل ورغبته في أن يصبح مثلهم في المستقبل»، كما يوضح الشمراني، الذي نصح ب «إبعاد الأطفال عن مشاهد الدم والعنف الشديدة»، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك «توجيه وإشراف من الأهل، وتصوير هذه الأفعال على أنها «سيئة»، وإيضاح عواقبها ومعاناة الضحايا»، منوهاً فالطفل يقضي غالبية وقته أمامها، بعكس الجيل السابق عندما كان الدور الأساس في تربيته للوالدين والمدرسة. فيما نلاحظ نقص الوعي بخطورتها ودورها، وعدم وجود رقابة كافية من جانب الجهات الرقاب`ية ومن الوالدين. وهذا يشكّل خطورة بخاصة على الطفل كونه لم يصل إلى مرحلة كافية من التمييز والحكم على ما يشاهده».