ماذا يجمع بين إلياس في شمال كاليفورنيا وعصام في وسط الولاياتالمتحدة وعزيز في جنوب البرازيل؟ هم يقرأون «الحياة»، رغم فارق الوقت، قبل القراء في أوروبا او الشرق الاوسط، فإذا كان لهم تعليق على ما أكتب فإنه أول ما أقرأ في الصباح، لأنهم يقرأون الجريدة على الإنترنت قبل النوم وليس بعده. أعرف من القراء الثلاثة إلياس، فهو أخ وصديق من ايام الحدث والتدريب العسكري، وهو مثلي يريد العودة الى لبنان ولا يستطيع، وقد حاول ودفع الثمن، وهو يقول لي في رسالة الاسبوع الماضي، إن الحد الادنى للعيش الكريم في لبنان مفقود. القارئ عصام مهندس بالمهنة صحافي بالهواية، وهو يختار مما أكتب ويسجله بالعربية، ثم يوافق او يعترض او يزيد بالانكليزية، وحجته دائماً قوية، فإذا اختلفنا يردّ عليّ برأي موثَّق كأنه في محكمة. وكانت له رسالة اخيراً عن حلم العودة الى لبنان كأني كتبتها، وهو يذكرني بالمثل «زوان بلادك ولا قمح الصليبي،» فهو وأنا وإلياس وعزيز نلتقي في الشوق للوطن، ثم نخاف ان نُصدم بما نسينا. الأخ عزيز يتفق معي ويختلف، والاتفاق اكثر ما يكون على إسرائيل وعصابة الحرب واللوبي والليكوديين، وهو يعرف عنهم الكثير، ثم له آراء في السياسة العربية والسياسيين تجعله معارضاً بامتياز. الفرسان الثلاثة هؤلاء، وأنا رابعهم دارتانيان، التقوا مع قراء كثيرين آخرين في الحنين الى الوطن بعد ان كتبت زاوية عن الغربة أستطيع أن أختصرها لمن لم يقرأها، بالقول إنني لا أريد أن أموت في لندن ولا أستطيع أن أعيش في لبنان. قبل مئة سنة شعر إيليا ابو ماضي بالحنين الى الوطن وهو في اميركا، فكانت قصيدته «وطن النجوم»، وأختار منها للقراء: فالمرء قد ينسى المسيء المفتري والمحسنا ومرارة الفقر المذل بلى ولذّات الغنى لكنه مهما سلا هيهات يسلو الموطنا وللبنانيين تحديداً أختار للشاعر نفسه قوله: اثنان أعيى الدهر أن يبليهما لبنان والأمل الذي لذويه نشتاقه والصيف فوق هضابه ونحبه والثلج في واديه وبانتظار ان يحب اللبنانيون المقيمون لبنان، أنتقل الى خفة الدم، وعندي منها كثير، فأختار مثلا القارئة الكويتية سارة، وهي تعمل لدكتوراه، ما يعني انها عالية الثقافة ايضاً، وهي في رسائلها تسخر من نفسها، وهو أسلوب إنكليزي أثير في النكتة، وقد تسخر مما أكتب حتى وهي توافق عليه، وإذا هاجمت المتطرفين من كل نوع لا تتشنج، لأنها نسمة هادئة، ولا تشتُم، لانها مهذبة، وإنما ترسم لهم بقلمها صورة كاريكاتورية، وتنتهي بأن تندب حظها، وأعتقد أنها تفعل لردّ «العين» عنها. وأبقى مع القارئات، وديما مهندسة سورية من حلب تلقيت منها في الاسابيع الاخيرة رسائل تحلل الوضع السوري بدقة وموضوعية، الى درجة انها تستطيع ان تنتقد الحكومة والمعارضة معاً، وتسجل أين أخطأت هذه او تلك. وهي تكتب بالعربية والانكليزية، وتكتب حيناً عن «الغلاظة،» ثم تستشهد بفيلسوف يوناني أو شكسبير اذا شاءت. ومثلها في الفهم السياسي والقدرة على التحليل طارق، الذي بعث إلي الأسبوع الماضي برسالة تستحق أن تكون مقالاً في صفحة الرأي من أي جريدة عربية راقية. وقد رددت عليه وردَّ على الرد، والجدال بيننا سجال. اليوم اخترت من رسائل قراء يجمعون بين الثقافة العالية وبين الموضوعية، فهم يردّون اليّ ثقتي بالأمة وبالمستقبل. وأختتم بقطر، التي أشرت إلى حملة، او حرب اسرائيلية عليها، بحجة أنها تعمل ضد مصالح اسرائيل، فقد تلقيت رسائل عبَّرَتْ عن مختلف الآراء، إلاّ ان نقطة الإجماع الوحيدة فيها كانت تأييد بلد عربي ضد اسرائيل. هناك في الإنكليزية عبارة تصف المواجهة بين طرف وآخر بأنها «لامواجهة»، بمعنى ان الفائز معروف قبل ان تبدأ المباراة. وإسرائيل دولة فاشيستية محتلة تقتل النساء والاطفال وتسرق بيوت الناس، أما قطر فليست متهمة بشيء مهم، لذلك يستحيل ان تربح اسرائيل المواجهة، والحملة على قطر جاءت على خلفية انتصار الثورة في ليبيا حيث ساندت قطر الثوار من اليوم الاول، فلا أستبعد ان يكون بين اسباب غضب البلطجي الشبّيح افيغدور ليبرمان، شعبية قطر وتلفزيون «الجزيرة» مقابل عزلة اسرائيل التي تواجه حملة عالمية للمقاطعة وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها (BDS). وأنا دائماً مع المقاطعة، مقاطعة اسرائيل، ومع «المقاطعة» وأبو مازن في رام الله. [email protected]