في مقابل تفاؤل السياسيين الأتراك ب «انطلاق الحريات» في العالم العربي، يقلق مراقبي حقوق الانسان وحرية التعبير في تركيا، تضييق حكومة رجب طيب أردوغان مساحة الحريات الاعلامية وممارستها ضغوطاً شديدة على وسائل الاعلام. وفيما تستعد القنوات الفضائية التركية لإطلاق دورة برامج جديدة، علّقت قناة «ان تي في»، الأكثر شهرة وتأثيراً، برامجها الاخبارية بعد استقالة عدد من المقدمين بحجة تراجع مساحة الحرية في القناة تحت ضغوط حكومة أردوغان، وهو ما أوضحه جان دون، مذيع نشرة الأخبار الرئيسية في القناة خلال السنوات الثلاث الماضية، بقوله إن «المحطة اختارت خطاً سياسياً مختلفاً عن السابق». ودفع ذلك ايضاً المذيعة بانو غوفان الى الاستقالة بعد منعها من استضافة شخصيات معارضة في برنامج حوار تقدمه، علماً انها اعتبرت من مؤسسي القناة. وتواجه قناة «ان تي في» الاخبارية على غرار محطة «سي أن أن» التركية و»مجموعة دوغان» الاعلامية ضغوطاً حكومية، تتمثل في الخضوع لتدقيق مالي وضرائبي صارم يقبض أنفاسها، استناداً الى «ثغرات وعبارات مطاط» في قانون الاعلام الذي يعود الى ثمانينات القرن الماضي، ما يعني عملياً تحييد وسيلتي الاعلام التلفزيونيتين الاخيرتين والأكثر اهمية. ويقلق الأمر الاتحاد الأوروبي الذي عبّر عن ذلك في تقاريره الدورية من دون ان توليها أنقرة أي اهتمام. وفي موازاة تكثيف الضغط على الاعلام الحر والمستقل، زاد التنصت والتصوير السري وتسريبه على الانترنت للاساءة الى رموز المعارضة أو الجيش مع استبعاد الحكومة. وتستخدم وسائل الاعلام «المدّجنة» هذه التسريبات لإحداث «التأثير المطلوب» في الشارع، من دون التطرق الى هوية الجهة الخفية التي تستطيع التنصت على قائد الجيش أو زعيم للمعارضة من دون أن يهدد ذلك أمن تركيا. وفي سياق تأثر الصحافيين بهذه الأجواء، طالبت وزارة العدل وسائل الاعلام بالكف عن دعم 73 صحافياً مسجونين على ذمة قضايا يتعلق معظمها بمخططات انقلابية. وأورد بيان للوزارة ان «هؤلاء متهمون بدعم تنظيمات ارهابية أو مجموعات مسلحة»، ما دفع بعض زملائهم الى التظاهر والاحتجاج مذكّرين بفترة الحكم العسكري خلال الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين. ويرى المحتجون ان «الصحافيين كانوا يواجهون التهمة ذاتها ويخضعون لمحاكمات في حال كتبوا عن القضية الكردية أو حزب العمال الكردستاني، أو تناولوا دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. اما اليوم فكل صحافي ينتقد الحكومة أو يكشف علاقاتها بجماعة فتح الله غولان أو يبرز ادلة على تغلغلها وسيطرتها على مؤسستي القضاء والأمن، أصبح «ارهابياً» ومتهماً بدعم التنظيمات الانقلابية. في المقابل تزدهر المؤسسات الاعلامية التي اشتراها أو أسسها مقربون من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ويزداد عددها من دون وجود شفافية حول تمويل بعضها. ويثير ذلك تساؤلات طالما بقي كل وسائل الاعلام ملكاً لرجال أعمال يرتبطون بعلاقات تجارية وصفقات مع الحكومة. لكن ذلك لا يمنع كثيرين في تركيا من التساؤل عن شغف أردوغان بدعم الثورات العربية ومطالب الحرية في الشرق الأوسط، فيما يواصل تشديد قبضته على الافواه في بلده.