مع بدء تنسم الشعوب العربية هواء التغيير الذي طاول بعض الأنظمة، برز نشاط غير متوقع على الساحة الأردنية، مستغلاً حال الحرية التي وفرها الربيع العربي، بعيداً من سياسة الملاحقات الأمنية وقطع الأرزاق التي كانت تعتمد لردع كل من يفكر بالتظاهر والتعبير عن رأيه. النشاط الذي برز فجأة وكأنه كان جمراً يتقد تحت رماد هو التجمع الطلابي الذي كشف عن نفسه أخيراً متخذاً من ساحات المدارس وبوابات الجامعات ووزارة التعليم العالي في العاصمة عمان مكاناً للتعبير بحرية من دون خوف أو مهادنة. وأطلق التجمع على نفسه اسم «أجيال» حاملاً شعار «التعليم الجامعي ليس حكراً على الأغنياء» وهو يتكون بغالبيته من اتحاد طلاب المدارس في الأردن. وبحسب القائمين على «أجيال» فان رسوم الجامعات الحكومية والخاصة ارتفعت بدرجة خيالية لم يعد معها الفقير يقوى على أن يحلم بأن يرى ابنه طبيباً أو مهندساً، خصوصاً أن الأوضاع المعيشية في الأردن تؤول الى التردي أو كما يقول الأردنيون «بالنازل». وترى أبرار كوى وهي إحدى الناشطات في التجمع، أن السبب في رفع شعار المذكور هو طرح ملف استقلالية الجامعات الحكومية مالياً وإدارياً في استراتيجية مجلس التعليم العالي للسنوات 2007-2012 والتي أعلنت عنها وزارة التعليم العالي أخيراً. فالاستقلالية المالية تعني بحسب أبرار خفض الدعم الحكومي للجامعات أو رفعه كلياً بحيث تصبح كل جامعة معنية بتوفير ما يغطي ميزانيتها، ما قد يدفع بدوره مجالس الأمناء في الجامعات الى رفع الرسوم الدراسية وزيادة مقاعد المقبولين في برنامج «الموازي» من أجل تعويض الدعم الحكومي. وكانت الجامعات الحكومية في الأردن لجأت منذ عشر سنوات تقريباً الى إقرار برنامج القبول الموازي ذي الرسوم المضاعفة عن برنامج القبول التنافسي العادي لرفد موازناتها بمبالغ ضخمة من خلال استيعاب عدد أكبر من الطلاب من ذوي المعدلات المتدنية في التوجيهي (الثانوية العامة) والذين لا يستطيعون دخول الجامعات الحكومية بسبب هذه المعدلات، ما كان يضطرهم الى مغادرة المملكة للالتحاق بالجامعات العربية والأوروبية. وتعتمد قوائم القبول في الجامعات الحكومية التنافس وفق معايير وزارة التعليم العالي على تناسب المعدل العام في التوجيهي مع التخصص الذي تقدم له الطالب، من دون النظر الى معيار آخر من قبيل المناطق الأقل حظاً أو عمل الأب وغيره من الاستثناءات. وبحسب كوى فان التعليم الموازي سيأتي على حساب جودة التعليم ومخرجاته وعلى حساب الطلبة في البرنامج العادي وذلك بسبب الأعداد الهائلة التي يستقبلها «الموازي» ما يساهم في اكتظاظ قاعات الجامعات بهم. ولا يمثل طلاب برنامج القبول بالتنافس العادي سوى 21 في المئة من مجموع طلاب الجامعات، أي الخمس تقريباً، وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء طلاب البرنامج الموازي، خصوصاً في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، فلا يعود طلاب التنافس يشكلون أكثر من 40 في المئة من المقبول للدراسة في الجامعات الحكومية. وشهدت رسوم الجامعات الرسمية أخيراً ارتفاعاً الى مستويات أكبر من قدرة المواطن الأردني على تحملها. فعلى سبيل المثال ارتفعت أقساط تخصص الكومبيوتر في الجامعة الأردنية من 10 دنانير للساعة الواحدة في عام 2001/2002، إلى 47 ديناراً للعام 2008/2009 أي بنسبة زيادة 370 في المئة. كما ارتفعت رسوم الطب في الجامعة الأردنية من 20 إلى 45 ديناراً أي بزيادة بلغت 125 في المئة. وحددت الجامعة الهاشمية في مدينة الزرقاء (40 كلم شمال شرقي العاصمة عمان) رسوم الدراسة في كلية الطب ب 85 ديناراً للساعة، أي أن القسط السنوي يبلغ 3500 دينار ما يقارب 5 آلاف دولار، وهو أعلى من متوسط رواتب الموظفين، ما يعني أن راتب الموظف الحكومي كاملاً لا يغطي كلفة رسوم الدراسة لطالب طب. ويرى فاخر دعاس، وهو أيضاً ناشط في «أجيال» أن هذا التجمع، سيكون إضافة نوعية للتحركات التي تواجه سياسات خصخصة التعليم العالي. فأهمية هذه التحركات تكمن في أنها تتلمس قضايا تعني كل مواطن وأسرة. ويقول: «أسس القبول الجامعي مصابة بتشوه نتيجة الاستثناءات الكبيرة. فنسبة المقبولين على الاستثناء لأبناء البادية والعشائر والقوات المسلحة تصل لغاية الى 70 في المئة، فيما لا تتجاوز نسبة المقبولين ضمن قوائم التنافس العادي 30 في المئة ما يجعل من القاعدة استثناء ومن الاستثناء قاعدة». ويشير دعاس الى إن تجمع أجيال بما يضمه من طلبة ثانويات سيساهم في شكل كبير في فرض رسوم جامعية عادلة وضمن إمكانات المواطن الأردني. وكانت «أجيال» نفذت اعتصامين الأول أمام الجامعة الأردنية في عمان نهاية الشهر الماضي والثاني أمام وزارة التعليم العالي منتصف الشهر الجاري احتجاجاً على أٍسس القبول الجامعي وارتفاع الرسوم الجامعية. وجاء الاعتصامان ضمن سلسلة الفعاليات الاحتجاجية ينظمها اتحاد طلاب المدارس «أجيال» تحت شعار «الجامعات ليست للأغنياء فقط» وتزامناً مع انتهاء فترة التسجيل للقبول الموحد في الجامعات الرسمية. ورفع المشاركون شعارات حملت عناوين تؤكد الحق في التعليم منها «بكفي لف ودوران... حقه يتعلم هالغلبان», «فقير ومن حقي أتعلم... عشان الأردن يتقدم»، «بكفي رفع رسوم... ضاع حقه اللي دخله معدوم» وغيرها من اللافتات والشعارات. كذلك سلم المعتصمون رسالة إلى وزير التعليم العالي وجيه عويس يشكون الوضع ويطالبونه باتخاذ خطوات جدية لحل الأزمة.