يصطدم مشروع «قانون الأحزاب» في العراق، الذي طُرح أخيراً أمام البرلمان، بمخاوف الأحزاب والكتل السياسية من هيمنة ورقابة حكومية عليها. وبعد إرسال الحكومة مطلع الشهر الجاري مسودة جديدة إلى البرلمان تمت القراءة الأولى لها اصبح مشروع القانون على المحك بعدما تم تأجيل البت فيه العام 2007 وبدأت الكتل البرلمانية طرح أفكارها واقتراحاتها لتعديله قبل إنجاز القراءة الثانية. وقالت النائب عالية نصيف ل «الحياة» إن «اكثر من نائب قدموا في السابق مسودات لقانون الأحزاب وبعد استلام النسخة الحكومة ستعمل اللجنة القانونية على دمجها وتقديم مسودة متفق عليها». وأضافت «أن بعض الأحزاب تتعرض لاتهامات أنها أسست بدعم وتمويل خارجي بعد العام 2003، لذا فهي ملزمة بتوجهات الدول الداعمة لها، ما نراه جلياً في صمت بعضهم عن الاعتداءات الإيرانية، وميناء مبارك (الكويتي) وعليه نرى ضرورة إقرار القانون في القريب العاجل». لكن اللجنة القانونية في البرلمان أعلنت ملاحظات عدة في المسودة وصفتها ب «الثغرات» ومن أبرزها ربط الأحزاب بوزارة العدل وعدم ربطها بالقضاء، ووجود بعض الصياغات العائمة، منها عدم تأسيس الحزب على أساس طائفي من دون تحديد الجهة التي تحدد هذا الأمر. وأكد عضو اللجنة القانونية محسن السعدون أن «قانون الأحزاب موضع الدراسة الآن من قبل اللجنة القانونية والكتل السياسية حيث توجد مواد تحتاج إلى تعديل ما يتطلب فترة طويلة». ومن ابرز مواد القانون المثيرة للجدل فقرة تشير إلى استحداث دائرة للأحزاب تكون تابعة لوزارة العدل تعمل على تقويم الأحزاب ومراقبة عملها ما يعني تدخلاً حكومياً في عمل الأحزاب. وأعلنت «القائمة العراقية» اعتراضها على فقرة أخرى توجب «أن لا يقل عدد أعضاء الهيئة التأسيسية لأي حزب عن ألفي مواطن عراقي على أن يكون هؤلاء موجودين في ما لا يقل عن ست محافظات عراقية» واعتبرت القائمة هذه الفقرة «غير قابلة للتطبيق ومن شأنها عرقلة تأسيس الأحزاب في العراق». وأثارت المادة 8 من القانون، التي تشير إلى عدم إمكانية تأسيس حزب وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، اعتراض عدد من الأحزاب التي تمتلك مليشيات مسلحة مثل التيار الصدري. كما أثارت المادة 9 التي اشترطت بمن يؤسس حزباً أن يكون أكمل 25 سنة من العمر حفيظة الأوساط الشبابية التي رأت في ذلك استبعاداً للشباب. ورأى أستاذ القانون في جامعة بغداد رياض الزهيري أن «مشروع القانون سيؤدي إلى خلق حالة جديدة في العراق هي حالة الأحزاب الوهمية وأحزاب تجارية، كما انه قد يؤدي إلى تبعية حتمية إلى السلطة الحاكمة التي تتحكم في توزيع إعاناتها المالية، وإلى عقد الصفقات السياسية التي تغيّب فيها المصلحة العامة ومصلحة المواطن. كما أنها وسيلة للابتزاز ولعرقلة عمل بعض الأحزاب التي قد يكون لها موقف معارض للسلطة الحاكمة». وأضاف الزهيري في ندوة أقيمت لمناقشة القانون نظمتها بعض الأحزاب العراقية «أن مشروع القانون لم يأخذ بمبدأ التدرج في فرض العقوبات إذا ما خالفت الأحزاب هذا القانون، كالإنذار والغرامة المالية والإيقاف الموقت، قبل فرض عقوبة حل الحزب الذي يرتكب المخالفة. كما أن هذا المشروع لم يميز بين الحزب كشخص معنوي وأعضاء الحزب كأشخاص طبيعيين في مجال فرض العقوبات الجنائية. وفي ذات الوقت، قرر هذا المشروع بأنه في حالة وجود عقوبة جنائية أشد في القوانين الأخرى فإن العقوبة الأشد هي التي ستطبق». وزاد «اعتبر أن مثل هذا الوضع خطير جداً لأن قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 تضمن عدداً من العقوبات الجنائية التي تصل إلى حد الإعدام في قضايا النشر والإعلام والصحافة والترويج لأفكار معارضة للسلطة الحاكمة، وأدخلها ضمن جرائم النشر والجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي». يُذكر أن مئات الأحزاب العراقية تشكت بعد الإطاحة بنظام صدام حسين العام 2003 ولكن من دون برامج واضحة ومن دون ضوابط تحكم عملها وإن اتخذت اغلبها الصبغة الدينية كما تتهم بعضها بالولاء لدول إقليمية، ولم تحاول هذه الأحزاب بشكل جدي إقرار قانون ينظم عملها على رغم أن الدستور الدائم الذي اقر عام 2005 يوجب في الفقرة الأولى من المادة 39 «تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، وتكفل هذه المادة حق الانضمام إليها، ويتم تنظيم ذلك بقانون».