باستثناء الدراما المصرية والسورية، فإن غالبية الدرامات العربية الأخرى تتجه في شكل أساس إلى سوقها المحلي (بالمعنى القُطري). حقيقةً، لا يمكن النظر إلى الدراما الخليجية واللبنانية والمغاربية وسواها عربياً، إلا في هذا الإطار. إنها من طراز الدراما التي تطمح إلى ملء شاشاتها المحلية، واستقطاب جمهورها الوطني (بالمعنى القُطري، أيضاً)، ربما من دون كثير من الأمل في منافسة الدراما المصرية والسورية، والحذو حذوها، إلا على صعيد الجوانب الفنية والتقنية. أما على صعيد التسويق، وعبور الحدود، فدعكَ من هذا، الآن، وإلى وقت ما! في هذا الإطار تماماً، تأتي الدراما السودانية، عبر سلسلة «حكايات سودانية». هذا العمل الذي تستمر قناة «الشروق» للموسم الثالث بإنتاجه وعرضه على شاشتها، محققة أوسع استقطاب ممكن للجمهور السوداني، داخل السودان وخارجه. عزَّز من ذلك أن كاميرا «حكايات سودانية»، هي الكاميرا الدرامية السودانية الوحيدة التي تدور هذا الموسم! تتجه دراما «حكايات سودانية»، إلى واقعها المحلي، بتنوعاته من الشرق والغرب والشمال، مع مرور طفيف، هذه السنة وبعد الانفصال، على الجنوب. كل ما في المسلسل على مستوى المضامين، سوداني خالص، تماماً إلى درجة أننا لن نعثر على أي ممثل عربي في هذا العمل الذي سيبلغ ثمانين ساعة مع نهاية شهر رمضان، والذي شارك فيه أكثر من مئتين وخمسين من الممثلين والممثلات السودانيين. تتنوع «حكايات سودانية»، وتتعدد. تنطلق من أقصى الشرق، من بورتسودان على حافة البحر الأحمر، وتصل إلى أقصى الغرب، في نيالا في إقليم دارفور، على حافة الصحراء الأفريقية الكبرى، وبينهما تمرّ على حواضر سوادنية، في الشمال والوسط، كما في الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، كذلك في مروي، ومدني، وهما الشهيرتان بمشروعين تنمويين عملاقين؛ «سدّ مروي»، و «مشروع الجزيرة»، على التوالي. لا ضير من التنويه بأن «حكايات سودانية» تمثل النموذج الفريد من نوعه، أو يكاد، في العالم العربي، من حيث انتظامها في آليات مرسومة... تبدأ من تحديد الأهداف، وبلورة الأفكار، وكتابة السيناريوات؛ (ثمانون حلقة متصلة منفصلة)، انتهاء بالتنفيذ المحكم، بما يؤكد إمكان تحقيق دراما جادة، في إطار استراتيجيات واعية ومدركة لما تريد؛ توازنُ ما بين الإمكانات الإنتاجية المحدودة، والطموح الفكري والفني المنطلق إلى أقصى مدياته، مؤسِّسةً بذلك لمرحلة جديدة تماماً من عمر الدراما السودانية، الذي يقارب خمسة عقود من الزمن، وعلاقتها مع جمهورها السوداني، الذي لا يقل عن الثلاثين مليون. وبمقدار اهتمام دراما «حكايات سودانية» بالمضامين المتعلقة بالراهن السوداني المحض، وما يتضمنه من هموم وآلام، أو يعتمر فيه من طموح وأحلام، فإن الاهتمام بالجانب الفني والتقني لم يقل عن ذلك، إذ سعت هذه الدراما السودانية، إلى تحقيق قدر من المستوى الفني والتقني، بما لا يقل عن شقيقاتها، من الدراما العربية، وهو ما عبَّرت عنه إحدى حلقاتها، المعنونة «تصبحون على وطن»، والتي تمكنت من الفوز بالجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، في الموسم الماضي.