مبروك للإخوة في ليبيا سقوط الطاغية، والمباركة لكل عربي بل لكل إنسان يمقت الظلم والظلمة، وتصل المباركة للقضية الفلسطينية التي استخدمها «ملك الملوك» فترات من الزمن زوراً. كان القذافي شخصية استثنائية جمع بين الطغيان والجنون، لم يتبقَّ له سوى ادعاء النبوة، حيث جرب كل الأدوار من الثورة إلى الزعامة وملك الملوك والفلسفة والتنظير والشعر والقصة، والعجيب أنك لا تجد في شخصية القذافي أي «كاريزما» تحبب البسطاء من الجماهير فيه، بل إنه شخصية مملة لا ينصت لها الناس إلا خوفاً وحذراً، أما البعيدون عن سلطته فهم يستمعون إليه ليتندروا عليه. تميز القذافي عن غيره من الطغاة ب «فلتان اللسان»، واستطاع في كل فترة من عقود تسلط فيها على الليبيين صنع عدو للانشغال والإشغال به، وهو ديدن الديكتاتور في ترحيل المشكلات الداخلية إلى الخارج. «الغصة» الوحيدة في انتصار الثوار في ليبيا هي وجود الغرب ومساعدته لهم في إسقاط الديكتاتور، بل إدارته الأمور، ولكل دور ثمن؟ وأمامنا نتائج تجربة لا تختلف كثيراً حينما أسقط التحالف الغربي صدام حسين، فقامت الإدارة الأميركية بتقديم ما على سطح أرض العراق لإيران ووضعت يدها على ما تحت أرضه، ورأينا كذب الديموقراطية والحرية الأميركية في العراق النازف، وهو ما يؤمل أن يحذره الليبيون، لا بد من الاستقلال التام فلا يتسيد المشهد ساركوزي بثياب جورج بوش الابن وهو نسخة مصغرة عنه، ثم يظهر لنا «جلبي» أو «مالكي» أو «كارزاي» آخر. وعلى رغم أن الواقع على الأرض يقول إن لا فكاك لليبيا «الحرة» الجديدة من التسلط الغربي - الاقتصادي خصوصاً - لأسباب موضوعية ولو موقتة، فإن هناك أملاً بعد الله تعالى بالليبيين الأحرار، فهم أكثر من تضرر ودفع الثمن الغالي عقوداً من أعمارهم ودماء أبنائهم. لا ننسى أن الغرب نفسه هو من رحب وأعاد تهيئة القذافي المعزول للظهور على المسرح الدولي قبل سنوات قليلة. لذا، بعد زوال أثر الفرحة والابتهاج، الامتحان المقبل لأحرار ليبيا هو إمكانية القدرة على رفض استبدال طاغية بطغاة آخرين حتى ولو كانوا من النموذج الغربي الجذاب. في الصورة العامة للمشهد، الغرب يهرب من أفغانستان خاسراً وعلى عجل ولم تمر فترة عصيبة عليه مثلما هي هذه الفترة في ذلك البلد الفقير، لكنه يحقق المكاسب في ليبيا «الغنية»، وهناك فارق بمقدار المسافة بينهما، وهو ما يؤكد أن الغرب أصبح ينتقي ما يرغب من الثمار الناضجة. www.asuwayed.com