قال الضَمِير المُتَكَلّم : تُكتب هذه الحروف ظهيرة الخميس ، والأنباء السارة ترقص فرحاً ب ( مَقتَل معمر القَذافي ) ، الله أكبر ولله الحمد هكذا نطقت مآذن المساجد وألسنة الرجال والنساء الأطفال في ليبيا ، الله أكبر مَات القذافي ، وولِد ( الوَطَن الليبي ) !! نعم ولِدت ليبيا من جديد بعد أن احتكرها ( القذافي وأبناؤه وزبانيته ) لأكثر من ( 42 عاماً ) ، احتكروا فيها كلّ شيء ، وحُرِم الشعب الليبي كُلَّ شيءٍ ، ؛ حُرِم الليبيون ثروات أرضهم ، فأصبحوا لا يمتلكون إلا لقمة العيش ؛ ( والمشاهد والصور ) كشفت الحقيقة التي غيبتها وسائل الإعلام الرسمية عشرات السنين !! الليبيون حُرِموا حريتهم وسُحقت هويتهم وثقافتهم ، فلا يتعلمون ولا يتكلمون إلا تعليمات الكتاب الأخضر ، وشُرُوحَاته وتفسيره !! الشعب الليبي فيما مَضَى سُلب بَصَره فلا يرى إلا ( مُعَمّر وصوره وتماثيله ) ، سُلِب سَمْعَه ، فلا كلمات ولا صوت إلا للزعيم الأوحد والأبدي !! خلال أربعين عاماً ، فَقَد فيها الشعب الليبي حَاسّة نطقه ، فلا حديثَ إلا اسم ( الزعيم ) وعباراته ،والتّغني بإنجازاته ؛ واللسان المخالف مصيره القَطْع !! اليوم وبعد ( موت القَذافي ) وتحرير ليبيا استعاد الشعب الليبي مستقبله الذي سجنه ( ملك ملوك أفريقيا ) عشرات السنين !! حقيقة غِياب ( القذافي ) عن المَشْهَد ومن قبله ( حسني مبارك ، وزين العابدين ) يحمل عدة رسائل ، أهمها أنه مهما طال صبر الشعوب المطحونة من رؤسائها فإن الأمر لهم وإليهم ، فزمن الإقطَاعِيّات هناك قد وَلّى ولن يعود !! غِياب تلك الأصنام وسقوطهم على التوالي خلال شهور قليلة قريبة ؛ أكد على وِلَادة جِيْلٍ عربي مختلف خَرج من سجنه وكَسَر القيود ، شبابٌ لم يرض بالذلّ والمهانة ؛ ولو كان ثَمَنَ حريته دماءه الطاهرة . ( سقوط تلك الطّغْمَة الفاسدة ) رسالة واضحة لكل الرؤساء الطغاة المستبدين ؛ فإما أن يُعِيدوا حساباتهم ويعيدوا لشعوبهم حقوقَها في الحرية والحياة الكريمة ، والعدالة الاجتماعية ، أو أن مصيرهم سيكون الموت داخل الحفَر والسَراديب المظلمة أو السكن داخل السجون التي صنعوها !! ويبقى لا جدال حول طغيان ( القذافي ) واستحقاقه للموت ثمناً لاستبداده وجرائمه ؛ ولكن مشاهد تعامل الثوار مع جثته كانت بعيدة عن الإنسانية التي ينشدونها ، وقَتل للعدالة التي يطلبونها !! المهم على أحرار ليبيا أن يتجاوزوا محطة الثأر واجترار الماضي حتى لا تتكرر صورة قَذّافِيّة أخرى ، وأن يتذكروا في هذه اللحظات قُبور شهداء الثورة ، وبيوت ثَكْلاها ، وأراملها حتى يدركوا جيداً أن ( موت القذافي ) ليس النهاية ؛ بل البداية لنبذ العُنف وأحادية الرأي ، وبناء ليبيا الحرة !! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة .