الزمان سائل سرابي، يضخ حركاته ليدير الكون من خلال تعاقب الشمس والقمر، وكأنه رقمٌ لا نهائي، تنتهي الدنيا ولا ينتهي! من هنا ظن بعض البشر أن الزمان - وهو الإطار الوهمي الذي ترسم عليه منتوجات الدنيا من كائنات وجمادات - ظن البعض أن هذا السائل الوهمي هو من يحرّك الحياة، فأخذوا يحملّونه ما لا يطيق من التّهم، وُيلقون عليه أسباب فشلهم، ودواعي تعاستهم! يقول الشاعر التهامي: لَيْسَ الزَّمَانُ، وَإِنْ حَرَصْتَ مُسَالِماً خُلُقُ الزَّمَانِ عَدَاوَةُ الأَحْرَارِ فَالعَيْشُ نَوْمٌ، والمَنِيَّةُ يَقْظَةٌ والمَرْءُ بَيْنَهُمَا خَيَالٌ سَارِ فَاقْضُوا مَآرِبَكُمْ عِجالاً، إِنَّمَا أَعْمَارُكُمْ سِفْرٌ مِنَ الأَسْفَارِ إذن الشاعر يقرر - هنا - إن مهمة الزمن الوحيدة هي «معاداة الأحرار». وديوان الشعر والنثر العالميين يطفحان بمجادلة الزمان والوقت في محاولة لحل لغز الزمان وفك هذا الاشتباك بين الزمان والإنسان! وقد تطاول البعض ومارسَ عداوة ظاهرة وتقريعاً واضحاً ضد الزمن، وكأنه الفاعل والمنتج لإخفاق من أخفق، الأمر الذي جعل أهل الدين وعلماء الشرع يضعون الأمور في نصابها. فهذا أحدهم يسأل أحد العلماء الكبار - في هيئة كبار العلماء - عن حكم قول: «هذا زمن أقشر» أو «الزمن غدّار» أو «يا خيبة الزمن الذي رأيتك فيه»؟ ثم أتتْ الإجابة محملة بلغة المنطق والعقل، والفهم المنسجم مع واقع الحياة، يقول فضيلة الشيخ المجيب: «هذه العبارات التي ذُكرتْ في السؤال تقع على وجهين: الوجه الأول: أن تكون سباً وقدحاً في الزمن فهذا حرام ولا يجوز، لأن ما حصل في الزمن فهو من الله - عزّ وجلّ - فمن سبّه فقد سبّ الله، ولهذا قال تعالى في الحديث القدسي: يُؤذيني ابنُ آدم بسبُّ الدهرَ، وأنا الدهرُ أقلّب الليل والنهار! والوجه الثاني: أن يقولها على سبيل الإخبار، فهذا لا بأس به، ومنه قال تعالى عن لوط، عليه الصلاة والسلام: «وقال هذا يوم عصيبٌ». أي شديد وكل الناس يقولون: هذا يوم شديد، وهذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور وليس فيه شيء. أما قول: «هذا الزمن غدار»، فهذا سبٌّ لأن الغدر صفة ذم لا تجوز. وقول: «يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه» إذا قُصد يا خيبتي أنا، فهذا لا بأس فيه، وليس سباً للدهر، وإن قصد الزمن أو اليوم فهذا سبٌّ فلا يجوز)! آه ما أجمل هذا الكلام! ما يهمني هنا هو إغلاق بعض أبواب الأعذار التي يفتحها بعض ضعفاء الطموح و«الصروح» لتمرير أو تبرير فشلهم حين ُيلقون على الزمان خيباتهم التي لم يبذلوا الجهد الكبير لتلافيها. آه ما أجمل الذين يحصدون نتاج زرعهم، أولئك الذين يشعلون الأسئلة في أذهان المفرّطين في زمن العمل، ولقد صدق شاعرهم العربي عندما قال: إِذَا أَنْتَ لَمْ تَزْرَعْ، وَأَبْصَرْتَ حَاصِداً نَدِمْتَ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي زَمَنِ الزَّرْعِ الله الله، إياكم أن تهملوا أنفسكم وقت الزرع ثم تُلقوا باللوم على الزمان في وقت الحصاد!