الفيحاني الشاعر العذري والعاشق المغرم لو أدركه الذين ألفوا في كتب الحب من قدامى المؤلفين مثل السراج والإنطاكي لجعلوا الفيحاني أحد أوائل هؤلاء الذين أهلكهم الحب وهم في رعيان شبابهم وقمة عطائهم الشعري، ولكن كيف كانت هذه المأساة التي أودت بحياة هذا الشاب الذي عاش وتربى في بيت من بيوتات الثراء والجاه في قطر؟ بداية المأساة الغرامية: بدأت هذه الحادثة عندما أحب الشاعر محمد بن جاسم الفيحاني رحمه الله فتاة من بني قومه أو من أهل بلدته الفويرط القطرية وتقدم لخطبتها فرفض الأب بحجة أن أحد أبناء عمه خطبها لنفسه، وهنا بدأت المعاناة لدى الفيحاني وحاول بكل ما يستطيع من علاقات شخصية من الوجهاء والأعيان الشفاعة عند أبي البنت لكن كانت النتيجة الفشل وخيبة الأمل والحرمان الدائم واليأس وقطع الأمل بأن تكون هذه الفتاة حليلته وعاش طوال أيامه وسنواته القلائل هائماً بحبها ونظم القصائد الطوال في غرامه هذا واشتهر نظمه بين أهالي الخليج وحفظ الرواة أكثر أنتاجه الشعري وكان يدون قصائده بيده رحمه الله وتوالت الأمراض عليه وأصبح الألم ينخر في جسده وهو صابر متماسك بسبب أنه منع وحرم من الزواج بهذه المحبوبة فكان حبه صادقاً عفيفاً صائناً نفسه عن الوقوع فيما يقدم في مرؤته أو يخدش دينه. الفيحاني أيام الفيحاني الأخيرة وساعة النهاية استمر محمد الفيحاني فيما تبقى من عمره يرسم لوحات غرامياته وعشقه وبدأ المرض الفتاك يعمل في قواه فأنحل جسمه ها هو يصور حالته المرضية خافوا الله وارحموني بالمروفة وأرفقوا باللي يهول من يشوفه ناشف دمه وبعظامه نحوفه ينكره من يعرفه لي من لقاه وكأن الموت بين عيني الفيحاني وجزم وأيقن أن النهاية وشيكة ومحتمة وأن ساعات الأجل قد دقت وأن الدنو رأي العين وساعة الصفر قريبة جداً والعد التنازلي لحياته وعمره بدأ يتناقص لذلك كانت خلجات نفسه موجهاً قصيدته إلى حفار القبور الذي سوف يدفنه بأن يوسع اللحد ولا يجعله ضيقاً ويضع احجاراً فوق القبر حتى يعلم من رأى القبر أن هذا قبر شخص أحب وستر وعف وصان نفسه وعرضه عن الحرام. كلمات ومفردات خرجت من قلب مجروح جرح عميق وأصبح طوال سنين عمره الصغير ينزف ولن يتوقف يوماً من الأيام وهذا هو النزيف الأخير.... وأنه من الأبعاد موصى المقبري يحفرونه لي وموقن بالوعيد يالزيمي قول للي يحفرا يوسع الملحد على شان اللحيد ويحجر بيني وما بين الثرى عن عظام ناحلات كالجريد وأنت يا دفان يا للي تقبرا يا مهيل الترب بالسرعة مجيد حط من فوق القبر حتى يرى بنتين كالنصايب له شهيد يعرفون القبر من جا ينظرا يعرفونه قبر مذبوح الوديد قبر من صاف المودة واسترا قبر من لاخان عهد للعهيد من صبر للحب حتى بترا زرع قلبه وأودعه حب حصيد تم عامين بجوفي ينسرا نسر ملهوف الضواري في المصيد مرضه ووفاته: يذكر الأستاذان الباحثان علي الفياض وعلي المناعي في الديوان الذي أعداه عن الشاعر إنهما لم يعرفا المرض العضوي للفيحاني وقد ادخل في مستشفى الإرسالية الأمريكية بالبحرين واختلفت الروايات في كيفية نقله إلى المستشفى وعلم شقيقه فهد المقيم بالبحرين بوجوده في المستشفى وحضر على الفور وظل بجانبه يواسيه طوال أيام مرضه وفي تلك اللحظات العسيرة كان الأخ جالساً بجوار سرير أخيه محمد وعيناه تحتضنان وجهه وبينما هو في غيبوبة استيقظ فجأة ونظر إلى من حوله كان يبدو كأنه استرد كل صحته وعافيته وفي هذه اللحظة تذكر التي خطبها ومنعت منه فطلب ورقة وقلماً وكتب آخر قصائده وهو على فراش الموت وهي التي ذكرنا منها أبيات. ما سمح قلبي يروح ولا يرى زول محبوبة ولو من بعيد قصيدة كتبها الفيحاني بقلمه البارع دوت اللحظات وعادت الغيبوبة إليه مرة أخرى ولم يسمع من كلماته سوى غير اسم التي خطبها هنا حضر ديم وطلب من أخيه مغادرة الغرفة وبعد دقائق خرج د/ديم ومعه أطباء آخرون أغلقوا باب الحجرة خلفهم وكأن عقارب الزمن قد توقفت ونهض فهد أخو الفيحاني ونظر إلى نحو الأطباء فلم ير منهم ما يريح ولم يسمح له بالعودة إلى الغرفة وهنا تكلم د/ديم وقال مات صديقي محمد الفيحاني وبهذا انتهت قصة استمرت سنوات قصة أجمل حب في الخليج بل أشهر واقعة للشاعر شعبي عاش الحرمان والمعاناة وكانت وفاته بتاريخ 28/12/1357ه بالمنامة ودفن في مقبرة قريبة من القضيبية رحمه الله وغفر له ويذكر الرواية الأديب عبد الله الدويش رحمه الله في كتاب مختارات من أعلام شعراء النبط أن الفيحاني قبل وفاته بأيام ذكر انه كان في سرير المرض بالمستشفى في البحرين زاره احد معارفه ونقل له خبراً مكذوب بوفاة من أحب فقال هذه الأبيات: على آه واوجدي على من نحل حالي تعنت ومن فيها قوافي وأمثالي على آه واوجدي على من ترحلت عن الدار وأبقت في حشا مهجتي صالي على آه واوجدي على من تقربت للأجداث لا خل لديها ولا والي على آه واوجدي على من علاها الثرى نحل جسمها وادعاه عقب الترف باللي وعلى آه واوجدي ويا طول ونتي ومن مرجل بأقصى الحشا بالحزن غالي وعلى آه واوجدي وطول ليعتي على من لعى بالصوت طير الخلا الخالي المراجع 1. ديوان محمد بن عبد الوهاب الفيحاني إعداد علي عبد الله الفياض علي شبيب المناعي. 2. مختارات من أعلام شعراء النبط. لعبد الله الدويش