دمشق، بيروت، اسطنبول، لندن - «الحياة»، رويترز، ا ف ب - أكد الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة بثها التلفزيون الحكومي مساء أمس أنه «غير قلق» من التطورات في بلاده، بعدما لوحظ تراجع العمليات الامنية خلال النهار مع وصول وفد أممي إلى دمشق لتقصي الأوضاع الإنسانية. وقال الأسد في المقابلة الأولى مع التلفزيون الحكومي منذ تسلمه الحكم قبل 11 سنة: «بدأنا بتحقيق إنجازات أمنية اخيراً لم نعلن عنها الآن لضرورة نجاحها. والوضع من الناحية الأمنية أفضل الآن»، مشيراً إلى أن «هناك حالات أمنية لابد من مواجهتها من خلال المؤسسات الأمنية». وأضاف أن «أي عمل عسكري ضد سورية ستكون تداعياته أكبر بكثير مما يمكن أن يتحملوه». وبعد انتهاء بث المقابلة مع الأسد، خرجت تظاهرات تهتف بسقوطه وتطالب بإعدامه في دمشق وحلب وحماة وحمص ودير الزور وحوران وأريافها، كما ردت قوات الأمن بإطلاق الرصاص على تظاهرة مماثلة خرجت في اللاذقية، بحسب شبكة «أوغاريت» الإخبارية المعارضة. وقال الأسد: «لا نستطيع أن نأخذ الجانب الأمني بمعزل عن كل الجوانب الأخرى والمهم هو الجانب السياسي والجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي مهم. لكن نسمي كل هذه الجوانب بالجانب السياسي. المهم أن نعرف أين نحن أن نعرف ما الأسباب السابقة للأحداث الحالية وأن نعرف لاحقاً كيف نتعامل معها». ورأى أن «ما يطمئن اليوم ليس الوضع الأمني الذي يبدو أفضل، لكن ما يطمئن أن المخطط كان مختلفاً تماماً. كان المطلوب إسقاط سورية خلال أسابيع قليلة، ومن حمى الوطن هو وعي الشعب السوري وهذا ما نطمئن إليه، فإذاً تفاقم الأحداث لا يشكل مشكلة الآن». وأضاف أن «الوضع الأمني حالياً تحول باتجاه العمل المسلح أكثر، خصوصاً خلال الأسابيع الأخيرة وتحديداً في الجمعة الماضية من خلال الهجوم على نقاط الجيش والشرطة والأمن وغيرها وإلقاء القنابل وعمليات الاغتيال ونصب الكمائن لحافلات النقل المدنية أو العسكرية. قد يبدو هذا خطيراً... لكن في الواقع نحن قادرون على التعامل معه، وبدأنا بتحقيق إنجازات أمنية أخيراً لن نعلن عنها الآن لضرورة نجاحها. لكن أنا لست قلقاً من هذه الأحداث حاليا. نعم، أستطيع أن أقول إن الوضع من الناحية الأمنية أفضل». واعتبر أن «لا شيئاً اسمه الحل الأمني ولا الخيار الأمني. يوجد فقط حل سياسي حتى الدول التي تذهب لتشن حروباً بجيوشها تذهب من أجل هدف سياسي وليس من أجل هدف عسكري. لا خيار أمنياً، إنما يوجد حفاظ على الأمن كي نكون دقيقين». وأضاف أن «الحل في سورية هو حل سياسي، لكن عندما تكون هناك حالات أمنية لابد من مواجهتها بالمؤسسات المعنية بالحفاظ على الأمن مثل الشرطة والأمن ومكافحة الشغب ومكافحة الإرهاب». وتابع: «كي نكون واضحين، في سورية الحل هو حل سياسي ولو لم نكن اخترنا الحل السياسي منذ الأيام الأولى للأحداث لما ذهبنا باتجاه الإصلاح وبعد أقل من أسبوع أعلنا حزمة الإصلاحات فإذا الاختيار أو الخيار السوري بالنسبة إلى الدولة السورية هو خيار الحل السياسي. لكن الحل السياسي لا يمكن أن ينجح من دون الحفاظ على الأمن وهذا واجب من واجبات الدولة». ورداً على سؤال عن الحوار الوطني وإلى أين وصل اليوم، قال الأسد: «لاحظت خلال الفترة الماضية أن هناك أحياناً سوء فهم لمحتوى أو مهام هذا الحوار الوطني... في البداية أنا فكرت من خلال لقاءاتي مع المواطنين السوريين أن نبدأ بحوار على مستوى المحافظات لكن تسارع الأحداث والتشكيك بصدقية عملية الإصلاح دفعنا لنبدأ بحوار مركزي قبل أن نبدأ بحوار على مستوى المحافظات قبل إصدار حزمة الإصلاحات أو حزمة القوانين التي تسبق الدستور من أجل جس نبض الشارع... طبعا يقال إنهم لا يمثلون الشارع وطبعا لا أحد يمثل إلا إذا كان منتخباً وهذا شيء بديهي ولكن هم نماذج من مختلف الشرائح في المجتمع السوري». وأشار إلى أن «جزءاً من هذه القوانين صدر والباقي على الطريق ضمن الجدول الزمني المحدد. نحن في مرحلة انتقالية وسنتابع القوانين وستكون هناك انتخابات وستكون هناك مراجعة للدستور. هي مرحلة انتقالية وحتى بعد صدور كل هذه الحزمة سنبقى في مرحلة انتقالية حرجة وحساسة، وأهم شيء فيها أن نستمر في الحوار، فالآن قررنا بعد أن صدرت هذه الحزمة أن نبدأ بالعمل من أجل حوار في المحافظات يتطرق لكل شيء، للقضايا السياسية والاجتماعية والخدمية. طبعاً هذا من مهام الأحزاب، لكن الأحزاب في حاجة إلى وقت كي تؤسس وتصبح موجودة في الشارع وتنضج. هذا الحوار خلال هذه المرحلة الانتقالية ضروري جداً». وعن الدعوات الغربية لتنحيته، قال: «من خلال الامتناع عن الرد نقول كلامكم ليست له أية قيمة»، معتبراً أن «هذا الكلام لا يُقال لرئيس لا يبحث عن المنصب ولم يأت به الغرب، رئيس أتى به الشعب السوري، رئيس ليس مصنوعاً في الولاياتالمتحدة». ورداً على المطالبات الغربية بالإصلاح، اعتبر أن هذا الأمر «ليس هدفاً لهم لأنهم لا يريدون الإصلاح، خصوصاً الدول الاستعمارية من الدول الغربية التي تريد منك أن تتنازل عن حقوقك كالمقاومة وحقك في الدفاع عن نفسك من اعدائك، وهذا شيء لن يحلموا به لا في هذه الظروف ولا في ظروف أخرى». وتحدث عن «الإصلاحات» التي تحققت في الفترة الماضية مثل قانوني الاحزاب والانتخابات ورفع حالة الطوارئ والقوانين المتوقع صدورها مثل قانون الاعلام والادارة المحلية. وقال: «من البديهي أن تكون هناك مراجعة لكل الدستور سواء كان الهدف المادة الثامنة (التي تنص على أن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع) أم بقية البنود السياسية»، لافتاً إلى أن الزمن المتوقع لانتخابات مجلس الشعب هو شهر شباط (فبراير) المقبل. وسُئل عن محاسبة من ارتكب أخطاء ودور اللجنة القضائية المشكلة لهذا الغرض، فأجاب: «كل من تورط بجرم ضد مواطن سوري، سواء كان مدنياً أم عسكرياً سيُحاسب عندما يثبت عليه ذلك بالدليل القاطع». وقال رداً على سؤال آخر إن «علاقة سورية مع الغرب علاقة نزاع على السيادة هدفها المستمر أن ينزعوا السيادة عن الدول بما فيها سورية ونحن نتمسك بسيادتنا من دون تردد». في المقابل، أثار مشروع تشكيل «المجلس الوطني السوري» الذي اقترب معارضون من التوافق عليه، انتقادات شديدة من «الهيئة العامة للثورة السورية» التي تشكلت قبل أيام، ما يعزز الانقسامات في صفوف المعارضة التي يؤخذ عليها عدم توحدها. وواصل معارضون، خصوصاً من التيار الإسلامي، أمس لليوم الثاني على التوالي اجتماعاً في اسطنبول سيمهد لإعلان «المجلس الوطني السوري» الذي يفترض ان ينسق عمل المعارضة. وقال المعارض عبد الرحمن الحاج إن «الهدف من هذا الاجتماع التأسيسي إعلان المجلس الذي يرجح أن يتالف من 120 عضواً، نصفهم من الخارج والنصف الآخر من الداخل». وأكد أن «المناقشات التي جرت تركزت حول تحديد معايير التمثيل لمختلف القوى الوطنية وقادة الرأي في سورية وفي الخارج»، متوقعا الإعلان عن المجلس خلال 48 ساعة. واوضح أن لجنة تحضيرية عملت على مدى أسبوعين قبل عقد هذا الاجتماع على «وضع معايير تمثيل لمختلف القوى السياسية في سورية على أن تضمن هذه المعايير تمثيل مختلف الاتجاهات، لأنه من غير الممكن إنشاء مجلس وطني يقوم على الإقصاء». وشدد على أن المجلس سيضم «التيار الاسلامي والاكراد والليبراليين واليساريين وكل اطياف المجتمع السوري وسيكون للمرأة نسبة 16 في المئة من أعضائه». ورداً على سؤال عن بيان «الهيئة العامة للثورة السورية» الذي أبدى تحفظاً عن انعقاد مؤتمرات تدعو إلى تشكيل مجالس، قال الحاج إن «هناك مشاورات بيننا وبين مسؤولين في الهيئة التي طلبت التريث في اتخاذ القرارات لذلك أرجأنا إعلان المجلس». ويأتي اجتماع اسطنبول غداة إعلان مجموعات معارضة سورية تأسيس «الهيئة العامة للثورة السورية» التي تتألف من 44 مجموعة ولجنة تضم تجمعات المحتجين، خصوصا اللجان التنسيقية في المدن داخل سورية، والمعارضين في الخارج. ووجهت هذه الهيئة انتقاداً بدا كأنه موجه إلى اجتماع اسطنبول. وقالت الهيئة في بيان أمس إن «انعقاد عدد من المؤتمرات والدعوات لمؤتمرات اخرى بعضها يدعو الى تشكيل مجالس انتقالية او حكومات منفى سورية... كان له تداعيات سلبية على الثورة». وأكدت أنها «تؤيد أي مسعى حقيقي لتوحيد جهود المعارضة في الداخل والخارج بما يدعم الثورة السورية»، لكنها شددت على «رغبتها في تأجيل أي مشروع تمثيلي للشعب السوري» من اجل «المصلحة الوطنية والثورة». ميدانياً، تراجعت أمس في شكل لافت العمليات التي ينفذها الجيش وقوات الأمن في المدن السورية، مع وصول فريق من الأممالمتحدة إلى دمشق لتقويم الوضع الإنساني بعد خمسة أشهر من الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد. وقالت مسؤولة من المنظمة الدولية إن الفريق الذي وصل مساء أول من أمس «سيقوم الوضع الانساني وحالة الخدمات الأساسية ويحدد الحاجات الأولية المطلوبة التي يمكن تقديمها من خلال استجابة سريعة». ولم تحدد المناطق التي سيزورها، لكنها قالت ان المهمة ستستمر حتى الخميس المقبل. ويأتي وصول الفريق الذي يقوده مدير مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الأممالمتحدة رشيد خاليكوف إلى سورية، عشية جلسة خاصة لمجلس حقوق الانسان في الأممالمتحدة اليوم في جنيف بطلب من الاتحاد الاوروبي وبلدان عربية والولاياتالمتحدة، لمناقشة حملة قمع الاحتجاجات في سورية التي قال المجلس في تقرير إنها «قد ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية»، ودعا مجلس الأمن إلى إحالة المسألة على المحكمة الجنائية الدولية.