فيما اكد الرئيس بشار الأسد خلال لقائه وفدين نيابيين، بريطاني واميركي، على التميز بين «مطالب الناس المحقة» و «التنظيمات المسلحة» التي تستغل هذه المطالب ل «اثارة الفوضى وزعزعة استقرار» سورية، انطلق امس قطار الحوار الوطني على اكثر من مسار. وبينما كانت هيئة الحوار الوطني، برئاسة نائب الرئيس فاروق الشرع، تحدد 10 الشهر المقبل موعداً للقاء التشاوري الممهد لمؤتمر الحوار الشامل مع تأكيدها انه «لا بديل من المعالجة السياسية بأبعادها المختلفة»، كان نحو 200 شخصية، معارضة ومستقلة وغير حزبية، يضعون تصورات ل «الانتقال الى نظام ديموقراطي»، ذلك في اول اجتماع من نوعه منذ سنوات. وأفاد بيان رئاسي ان الاسد استقبل امس كلاً على حده، عضو الكونغرس الأميركي النائب دينس كوسينيتش والنائب البريطاني عن حزب المحافظين بروكس نيومارك، حيث وضعهما في «صورة الأحداث التي تشهدها سورية وخطوات الإصلاح الشامل التي تقوم بها، مشدداً على أهمية التمييز بين مطالب الناس المحقة التي تلبيها الدولة عبر المراسيم والقوانين التي أقرت وبين التنظيمات المسلحة التي تستغل هذه المطالب لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في البلاد». وزاد البيان ان النائبين كوسينيتش ونيومارك «اعربا عن حرصهما على أمن سورية واستقرارها الذي يعد ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة». وكانت «هيئة الحوار الوطني»، التي شكلها الرئيس الاسد قبل فترة، تابعت امس اجتماعاتها برئاسة الشرع، حيث جرى البحث في جدول أعمال اللقاء التشاوري الذي أعلن عنه الأسد في كلمته على مدرج جامعة دمشق والذي يعمل على وضع أسس الحوار وآلياته تمهيداً لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، علماً ان الاسد قال ان «الحوار الوطني بات عنوان المرحلة الحالية». وأفادت مصادر رسمية ان الهيئة استعرضت بحضور اعضائها التسعة «مجمل الاتصالات التي أجرتها مع مختلف الشخصيات السياسية والفكرية المعارضة والمستقلة في الداخل السوري. كما تناولت الهيئة الحوار السياسي الذي تقوم به الأحزاب والشخصيات الثقافية والسياسية والفكرية، مؤكدة ايجابياته في رفد الحوار الوطني وإغنائه». وبعد مناقشه معمقة بين الحاضرين، اتخذت «هيئة الحوار» اربع خطوات، تضمنت تحديد العاشر من الشهر المقبل موعداً للقاء التشاوري وتوجيه الدعوات الى «جميع القوى والشخصيات الفكرية والسياسية الوطنية» لحضور اللقاء وعرض «موضوع التعديلات التي تبحث حول الدستور ولا سيما المادة الثامنة منه على جدول الاعمال»، وتنص هذه المادة على ان حزب «البعث» الحاكم هو «القائد في المجتمع والدولة». كما قررت «الهيئة» طرح مشروعات القوانين التي تم إعدادها على اللقاء التشاوري وبخاصة قانون الأحزاب وقوانين الانتخابات والإدارة المحلية والاعلام. ونقلت المصادر عن الهيئة تأكيدها انه «لا بديل عن المعالجة السياسية بأبعادها المختلفة وفتح الباب واسعاً أمام جميع المواطنين السوريين للمشاركة في بناء مجتمع ديموقراطي تعددي يستجيب لتطلعات الشعب السوري». في موازة ذلك، شهد احد فنادق دمشق لقاء بمشاركة نحو 200 شخصية من المعارضين والمستقلين والمثقفين عنوانه: «سورية للجميع في ظل دولة ديموقراطية مدنية»، ذلك في اول لقاء من نوعه منذ سنوات. وجرى اللقاء بحضور وسائل اعلام رسمية وممثلين لوسائل اعلام اجنبية بينها «سي ان ان» الاميركية و «سكاي نيوز» البريطانية و «ان بي ار» الاميركية. وشوهد ديبلوماسي فرنسي في بهو الفندق، ولم يسمح المنظمون له دخول قاعة المؤتمر. ونقلت «الاخبارية السورية» مقابلات مع مشاركين ومقاطع من خطابهم. وبثت «الوكالة السورية للانباء» (سانا) ان «مجموعة من الشخصيات السورية المعارضة والمستقلة عقدت لقاء في فندق في دمشق تحت عنوان «سورية للجميع في ظل دولة ديموقراطية مدنية»، وناقش اللقاء كما يقول المنظمون الوضع الراهن في سورية وسبل الخروج من الأزمة». واحتشد مئات الشباب على باب الفندق، رافعين صوراً للرئيس الاسد وعلم سورية، ذلك بعد مسيرات تأييد ظهرت مساء اول امس دعماً للاصلاح والاسد في مناطق مختلفة من البلاد و «رفضاً للمؤامرة الخارجية». وبدأ اللقاء بالنشيد الوطني لسورية، ثم طلب احد منسقي المؤتمر الكاتب المعارض لؤي حسين الوقوف دقيقة صمت على «ارواح شهداء سورية من مدنيين وعسكريين الذين سقطوا على تراب الوطن». وقال في كلمته الافتتاحية ان الهدف من اللقاء هو بحث المشاركين، وهم من غير الحزبيين، سبل الانتقال الى دولة المواطنة والحرية من دون تمايز ووضع «تصور للانتقال الآمن الى دولة ديموقراطية ومدنية». وتعرض المؤتمر لانتقاد من معارضين في الخارج وجهات اخرى. لكن حسين قال ان المشاركين فيه هم من الذين «اسسوا بنضالاتهم» التغييرات التي تحصل، مؤكداً اهمية التحول «من دون انهيار الدولة والمجتمع». وزاد ان المشاركين يحاولون وضع تصور ل «الانتقال السلمي الى الدولة المنشودة. نحن نجتمع ليس لندافع عن انفسنا امام سلطات تتهمنا بابشع التهم وليس لندافع عن انفسنا امام من اتهمنا بالطيش واللامسؤولية، وليس لنقدم صك براءة بل لنقول قولاً حراً لا سقف له ولا حدود». واعتبر الكاتب المعارض منذر خدام انعقاد اللقاء تطوراً مهماً ومؤشراً على ان «سورية تتغير»، اذ من كان يظن قبل اشهر ان مؤتمراً كهذا ممكن ان يعقد في دمشق وانه «لا خيار امامنا سوى النجاح». وزاد: «يرتسم طريقان: مسار واضح غير قابل للتفاوض نحو تحول سلمي آمن لنظامنا السياسي، نحو نظام ديموقراطي وفي ذلك انقاذ لشعبنا ولبلدنا، واما مسار نحو المجهول وفيه خراب ودمار للجميع». وفي رد على انتقادات خارجية وجهت للمؤتمر، قال خدام: «نحن كجزء من هذا الشعب حسمنا خيارنا بأن نسير مع شعبنا في الطريق الاول ومن لا يريد ان يسير معنا فليسلك طريقه الى الجحيم». وتضمن اللقاء ثلاثة محاور: الاول، توصيف للوضع الراهن تحدث عنه الكاتب المعارض ميشال كيلو، خصائص المرحلة الانتقالية تحدث عنها منذر خدام، ودور المثقفين في ذلك تحدث عنه الدكتور حسان عباس. ونقلت «فرانس برس» عن كيلو تحذيره في كلمته من ان الحل الامني للازمة «يؤدي الى تدمير سورية». وزاد انه بالامكان ايقاف الحل الامني مع ابقاء وحدات الجيش في مواقعها مع السماح للمتظاهرين بالتظاهر. وزاد: «الازمة تواجه بالعقل والتدابير والقوانين، الازمة في سورية ازمة طويلة وعميقة ولا تحل بالامن والقمع لانها ليست ذات طبيعة امنية»، داعياً الى حل مشاكل البطالة والفقر والاقتصاد التي لا تحل بالقمع. واختلف موقف كيلو عن موقف خدام ازاء سحب وحدات الجيش حيث هناك «اراء مختلفة ازاء ذلك»، مع تحذير من الحل الامني يمكن ان يعرض البلاد للتدخل الخارجي. وفي هذا المجال، قالت المشاركة جورجيت عطية انها «تحترم الجيش كل احترام» وانها «تتألم كلما شاهدت احدهم يسقط». ووافقت على القول ان هناك «تنظيمات مسلحة، وباعتباري اقدر الجيش كل التقدير، ارى ان يعود الى ثكناته». وكان كيلو اقترح سلسلة من الاجراءات بينها صدور قرار باعتبار الاحزاب السياسية الموجودة في البلاد وغير مرخصة بأنها «شرعية وجزء من النسيج الوطني» واصدار قرار ان الدستور سيكون «تعددياً وتمثيلياً» و «تجميد» المادة الثامنة من الدستور، علماً ان دمشق ترى ان هذه الامور ستكون على جدول اعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي سيسبقه لقاء تشاوري. كما تحدث كيلو عن اجراءات اخرى تتعلق بالثقة تتناول موضوع الاعلام والقضاء. وقدم خدام مقترحات لمرحلة انتقالية، مؤكداً ان الثوابت الوطنية «ستتعزز بنظام ديموقراطي». وشملت مقترحاته مبادئ مثل تأكيد ان الحوار الوطني يرمي الى «قيام نظام ديموقراطي» ومساواة جميع المواطنين، اضافة الى اجراءات ملحة مثل ضمان حق التظاهر والغاء قوانين استثنائية ونقاط اخرى ضمن الحوار الوطني. ومن الامور الاخرى التي جرى الجدل ازاءها، ما اذا كان المشاركون يوافقون على الحوار مع النظام ام لا. وقال الكاتب نبيل صالح «من الواضح ان الذين اجتمعوا في انطاليا وبروكسيل رددوا ما تنادي به الدول الغربية التي لا تعمل لمصلحة البلاد. معارضتنا معارضة وطنية من دون شك». وزاد: «الاصلاح تحت سقف النظام»، لافتاً الى وجوب اعطاء «مهلة زمنية لتطبيق الاصلاحات، فلا يمكن اصلاح امور مضى عليها سنوات عدة في بضعة ايام. هناك من يريد تغييراً جذرياً ومن يريد تغييراً جزئياً، ليست كل التغييرات جيدة، لا نريد التغيير لاجل التغيير، بل التغيير للافضل وليس الاسوأ». والى كيلو وخدام وحسين كان بين المشاركين، فائز سارة والمحامي انور البني. وعلمت «الحياة» ان آخرين لم يلبوا الدعوة بينهم عارف دليلة وحسين العودات وحازم نهار. وقال العودات انه لم يشارك لان المؤتمر يشجع الوهم بامكان عقد مؤتمرات بمشاركة افراد لاحزاب سياسية وراءهم وان «العبارات المطاطة يمكن ان تحل الازمة»، اضافة الى احتمال استخدام المؤتمر للقول ان «حواراً يجري»، لافتاً الى ان بعض المشاركين «لم يكتب كلمة بعمره». وكان الكاتب الفلسطيني سعيد البرغوثي اعترض في شدة لعدم السماح له بحضور اللقاء. وقال: «بعض الموجودين، يريد تدمير البلاد»، فيما قال الصحافي ابراهيم ياخور، وهو احد المشاركين: «سلامة سورية على المحك». وجاء اجتماع «هيئة الحوار» وقراراتها واللقاء التشاوري امس بعد اجتماع احزاب «التجمع الوطني الديموقراطي» والاحزاب الكردية وتجمع اليساري، وهي احزاب غير مرخصة، ليل السبت الماضي. وأعلنت في بيانها الختامي انها قررت تأسيس «هيئة التنسيق تبقى مفتوحة لجميع القوى والشخصيات الوطنية» المؤمنة بالمبادئ العامة للوثيقة السياسية التي صدرت بعد الاجتماع والتي تضمنت قراءة للواقع الراهن. وتضمنت الوثيقة موقف المشاركين وشروطها للحوار.