لأن المجتمع العنكبوتي غير تقليدي، ومبادئه وقواعده غير نمطية، حال سفرائه مشابهة له. فلا هم يحملون جوازات سفر ديبلوماسية، ولا هم مقيدون بالتفوه بما تمليه عليه حكوماتهم، ولا هم مجبرون على ارتداء ربطات عنق خانقة، ولا أحذية بكعوب عالية مؤلمة. إنهم سفراء «غوغل» فوق العادة من الشباب العربي، سفراء جدد شكلاً ومضموناً. وتتخلص مهمة «السفير الغوغلي» في القيام بدور حلقة الوصل بين «غوغل» ومجتمع الجامعة التي يدرس فيها، وهي حلقة ثنائية الأبعاد، فعلى السفير تقديم «غوغل» ومنتجاته وخدماته إلى الطلاب والطالبات والأساتذة، وعليه في المقابل تقديم مجتمع الجامعة ل «غوغل». وخلال فترة خدمة السفير، يتحتم عليه تجربة أدوات «غوغل» وتشجيع الطلاب على استخدامها، مع تعريف المجتمع الجامعي بمحرك البحث الأشهر في العالم. أما اختيار السفراء فيتم بناء على عدد من المعايير منها مدى معرفتهم التكنولوجية، والتزامهم بإحداث تغيير في مجتمعهم الجامعي، ورغبتهم في إبراز الابتكارات الجديدة التي تتيح ل «غوغل» تحقيق المزايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمصلحة المجتمع. وكانت نتيجة انطلاق برنامج «سفراء غوغل في الجامعات» في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للمرة الأولى قبل أسابيع تقدم نحو 866 طالباً وطالبة، اختارت منهم «غوغل» 73 سفيراً لها، 30 في المئة منهم شابات، ينتمون الى 33 جامعة في المنطقة. وبدأ السفراء عهدهم بتلقيهم برنامجاً تدريبياً في مقر الجامعة الألمانية في القاهرةالجديدة، ومنها انطلقوا كل إلى جامعته كسفير ل «غوغل» لمدة عام. والسفراء هم من مصر والسعودية والأردن ولبنان وفلسطين والمغرب والإمارات والجزائر ويشغلون مناصبهم مدة عام واحد. نقطة بداية هذا البرنامج للطلاب العرب هي مدير العلاقات الجامعية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «غوغل» المهندسة نهى سالم. تقول: «الجامعة هي بداية كل ما يحدث حولنا. شباب الجامعات وشاباتها وبحكم المرحلة يملكون رغبة قوية في عمل كل شيء وأي شيء. ولديهم المطلوب: حماسة وقدرة وإصرار وعلم. وإذا كانت هذه سمات طالب الجامعة عموماً، فإن الطالب العربي لديه خصوصيات أكثر تفرداً وتميزاً». وتقول سالم التي كانت مسؤولة عن زيارة الجامعات، ومراجعة مساهمات المتقدمين لشغل الموقع والاختيار: «هناك سفراء ل «غوغل» مثلاً في الولاياتالمتحدة، لكن ديناميكية الطالب العربي قصة مختلفة تماماً. الطالب العربي لديه موارد قليلة للغاية، ومختبرات جامعته متواضعة جداً، والبيئة التعليمية في شكل عام تعاني، بعكس المتاح للطالب في العالم المتقدم». وتضيف: «الطالب العربي لديه حب شديد لتعلم كل ما هو جديد، إضافة إلى ترحيبه الشديد بفكرة العمل التطوعي. ففي الدول العربية، يكفي أن تذكر العبارة حتى يركض إليك الشباب». وللدلالة على شغف الطلاب بالفكرة، تتذكر سالم كيف أن وعلى رغم ظروف الثورة في مصر وتونس مثلاً في شباط (فبراير) الماضي، بذل المئات جهداً للتقدم وكتابة الموضوعات التي كان مطلوباً إرفاقها الكترونياً مع الاستمارات. وتؤكد أن حافز الطلاب في هذا الجزء من العالم أكبر، اذ «لديهم القدرة على التصرف في أحلك الظروف، والابتكار في أصعب الأحوال، والعمل على رغم أضيق الإمكانات. في الخارج، إذا وضع طالب في ظروف كهذه، فإنه يتوقف تماماً». ومساهمة منها في عدم تعرض الطالب العربي لل «توقف» الذي تحكي عنه سالم، فإن «غوغل» تعمل على تقديم أدوات تمكنه من التغلب على بعض مشكلاته. ويقول مسؤول علاقات المطورين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيباستيان كليمنت ان «غوغل» تقدم أدواتها من دون مقابل. ويضيف: «لا نتدخل في المحتوى، فقط نقدم ما يتيح إثراء المحتوى، ويجعله أكثر سهولة وتنوعاً. لا ندّعي أن لدينا الحل لكل مشكلة، لكن لدينا الأدوات لحل الكثير منها. ونعرف تماماً أنه ليس هناك منطقة ما في العالم لديها قدرة أقل على الابتكار، فقط قدر أكبر من التحديات». هذه التحديات تكبر وتتضخم بمرور السنين، وهو ما يجعل المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريفيا في «غوغل» المهندس وائل فخراني يدعو شباب الجامعات العرب إلى سرعة استثمار سنوات الدراسة لعمل أكبر كم ممكن من الإنجازات والابتكارات «أكبر ميزة في سنوات الدراسة الجامعية هي أن الطالب عادة لا تكون لديه التزامات باستثناء المذاكرة والتحصيل الدراسي، و «غوغل» هنا ومن خلال سفرائها الطلاب تحاول جاهدة تقديم يد العون للجامعيين». هذه اليد الممدودة يشدد عليها رئيس قطاع المنتجات للشرق الأوسط وشمال إفريقيا المهندس عبدالكريم مارديني الذي يؤكد أنه في حال ابتكر الشاب فكرة جيدة يمكن تطبيقها في بلده أو أي بلد آخر، يصبح من السهل تنفيذها والحصول على المساعدة من خلال الشبكة العنكبوتية التي تتيح عملية التشبيك مع أطراف آخرين. ويقول: «نحن شغوفون بالابتكار». أحد هؤلاء الشباب الطالب السعودي أيمن الغامدي (21 عاماً) القادم من جامعة الملك سعود قسم نظم المعلومات. يبدأ حديثه مع «الحياة» قائلاً: «أخيراً أصبحت سفيراً ل «غوغل». الغامدي شغوف ليس فقط بمجال تقنية المعلومات، ولكن بخوض مجالات جديدة، والتخطيط لمستقبله المهني، ومساعدة من حوله تقنياً. يقول: «شهد استخدام الإنترنت في السعودية ارتفاعاً كبيراً جداً، وهذا يعني أن السعودية تعد حالياً سوقاً ضخمة وواعدة في مجال تكنولوجيا وخدمات الاتصالات، وهذا يعني أن ل «غوغل» مستقبلاً واعداً في السعودية. إضافة إلى ذلك، فأنا شخصياً شغوف بهذا المجال البالغ الثراء والذي يتسع لكم غير محدود من الأفكار والابتكارات». وعن فرصة التدريب التي أتيحت له مع نحو 30 سفيراً آخرين من بقية الدول العربية، يقول أيمن إنه فهم الكثير من الحقائق المتعلقة ب «غوغل» وأدواتها، والغاية منها، وسبل الاستفادة منها على الصعيدين الأكاديمي والمهني. ويضيف: «مثلاً اكتشفت أن في إمكان تقنيات «غوغل» وأدواتها المساعدة في تحديث المناهج التي ندرسها في الجامعة مثلاً». وعن أولى خطواته بعد عودته إلى جامعته في السعودية، يقول أيمن إنه في صدد تنظيم سلسلة نشاطات تعرف زملاءه الطلاب بأدوات «غوغل» واستخداماتها المختلفة والتي قد تخفى على البعض. ومن أرض الواقع أيضاً تتحدث الطالبة الأردنية في جامعة الملك سعود التي تدرس نظم الإدارة المعلومايتة رشا أبو سمرة (22 عاماً) وتقول ان من أبرز أسباب تقدمها لشغل منصب «سفيرة غوغل» رغبتها في تطوير نفسها حتى تكون مؤهلة لتطوير من وما حولها. وتقول: «كل من أعرفهم يستخدمون الإنترنت. وإذا تمكنت أنا من تطوير نفسي بحيث أساعدهم على استخدام كل التقنيات والامكانات التي يوفرها «غوغل»، أكون قد قمت بعمل رائع». وعلى رغم أن رشا تحلم بالحصول على فرصة عمل فعلية في «غوغل» بعد تخرجها، لا تستبعد فكرة بدء مشروع خاص بها، لكنه سيكون بلا شك قائماً على الأدوات ال «غوغلية». حلم العمل في «غوغل» يراود أيضاً أسامة النيلي الطالب المصري في جامعة الإسكندرية - كلية الهندسة قسم كمبيوتر واتصالات. وهو يرى أن التعليم والبحث العلمي من شأنهما أن يغيرا وجه الحياة في مصر والعالم العربي، وفي إمكان «غوغل» عبر الشباب تغيير الكثير. وبهدف التغيير أيضاً، جاء عماد صوما (20 عاماً) من الجامعة الأميركية في بيروت - كلية الاقتصاد ليشارك زملاءه في سفارات «غوغل». وهو يرى أن أهمية محرك البحث هذا «ليست في تطبيقاته التقنية الحديثة فقط، وإنما في الأدوات التي تتيح للمستخدم العادي تنظيم حياته، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير يساعد كثيرين على تغيير حياتهم نحو الأفضل». وعن الفترة التي قضاها في القاهرة يقول عماد انه استفاد من التدريب الخاص واكتسب معارف كثيرة، كما كانت فرصة أن يلتقي زملاءه السفراء من شتى أرجاء العالم العربي، لا سيما أن كلاً منهم يأتي من خلفية مختلفة وبخبرات مختلفة... ما عمم الفائدة وتبادل المعرفة.