مع اقتراب الذكرى العاشرة من تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر)، استعادت قنوات أوروبية إحدى نتائج تلك الاعتداءات الإرهابية، بتقديمها برامج عن حرب أفعانستان، ليكون انهيار مبنيي التجارة العالمي، البداية الرمزية لحرب غير تقليدية، ستنطلق بعد أسابيع فقط من تفجيرات نيويورك. لكنها، أي الحرب ذاتها، ستشهد تطورات جوهرية، قبل أن تصل الى الطريق المسدود الدموي، الذي علقت فيه منذ خمس سنوات تقريباً، من دون أي بشارات الى نهاية سلمية مطمئنة مقبلة. وإذا كانت قنوات هولندية وبلجيكية اختارت أن تقدم برامج من الاستوديوات، جمعت بين المواد الأرشيفية لتلك القنوات عن الحرب، مع حوارات مع خبراء، ظهر بعضهم مراراً على الشاشات، للتعليق على الأحداث، قدمت هيئة الإذاعة البريطانية سلسلة من التحقيقات التلفزيونية الخاصة بالمناسبة أطلقت عليها: «موسم أفغانستان»، صوّر معظمها في أفغانستان، وقدّمها صحافيون بريطانيون يترددون على البلد الآسيوي منذ عشرين عاماً. في أول أجزاء السلسلة (أفغانستان : حرب من دون نهاية)، يعود الصحافي البريطاني جون واير الى بدايات التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان، ويقابل مجموعة من أبرز الشخصيات الأميركية والبريطانية التي قادت الحرب مع تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان». ويحاول أن يصل الى إجابة عن الأخطاء التي رافقت الحرب، وكيف انقلب «سلام» العامين الأوليين للحرب، الى العنف الذي نشهده منذ سنوات. مع تسجيل الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها الإدارة الأميركية، يقر البرنامج بصعوبات التعامل مع طبيعة المجتمع الأفغاني المعقدة، فالخلاف العرقي والعقائدي بين الشمال الأفغاني والجنوب، قاد الى انطلاق شرارة العنف الأولى المسلحة. ويصل الفيلم، الذي صور بعد مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، الى أن تركة الأخير ستستمر في أفغانستان، وأن خطته التي أعلن عنها مراراً حول أن أفغانستان ستشهد هزيمة الولاياتالمتحدة وبريطانيا، تحقق الكثير منها. ويهتم الجزء الثاني من السلسلة وعنوانه «معركة هلموند» (من تقديم الصحافي مارك أوربان) بالمكان الذي فجر كثيراً من الحزن في بريطانيا. فعلى أرض تلك المقاطعة الأفغانية، قضى مئات الجنود البريطانيين، إضافة الى نحو ألف أفغاني، بعضهم ينتمي الى حركة «طالبان»، وبعضهم من صفوف المدنيين، ذهب ضحية قتال لم يتوقف منذ سنوات. يكشف ضباط وجنود بريطانيون تحدثوا في الفيلم عن المهمة «المستحيلة» التي أنيطت بهم، فعددهم لم يكن كافياً لضبط الأمن على مساحة شاسعة من الأرض تقترب من حجم بريطانيا نفسها. المقابلات تكشف عن جانب لم ينل كثيراً من الاهتمام في الإعلام في السنوات الأخيرة، وهو دور مافيات تجار المخدرات في الحرب، إذ دعمت الأخيرة آلاف المقاتلين الأفغان في حربهم ضد القوات الأجنبية التي أعاقت تجارتهم. ومع إعلان رئيس الوزراء البريطاني بأن القوات البريطانية ستنسحب من أفغانستان مع مطلع عام 2015، جمع التقرير ردود فعل الجنود حول قدرة قوات الأمن الأفغاني على ضبط الأمن في المقاطعة. الردود لم تكن متفائلة أبداً. ولأن «بي بي سي» لم تشأ أن تترك مشاهديها مع تلك الصورة القاتمة عن أفغانستان، اختارت أن تختتم السلسلة بفيلم «البلد غير المعروف» الذي قدمته المذيعة ليس دوكيت، وتنقلت فيه من شمال أفغانستان الى جنوبه، للبحث عن حياة «طبيعية» بعيداً من الحرب، وإنجازات حققها أفغان عاديون منذ إبعاد الطلبان عن الحكم عام 2001. فمن الشمال المستقر نسبياً تنقل المذيعة مسابقة للشعر، يشترك فيها نساء ورجال. ومن بناية تحت الأرض، تعرض بضائع نسائية فاخرة في العاصمة كابول، لتنتقل الى منطقة جبلية في وسط البلد، حيث أقام أفغاني شاب مكتب السياحة الوحيد في البلد، لاستقبال السياح الذين قدم جلهم من القرى القريبة، لكن الشاب الأفغاني تحدث وبفخر كبير عن سائحين بريطاني وكندي، نزلا في الفندق المتواضع الذي شيده على الجبل. العنف وعدم اليقين من المستقبل تسللا أيضاً الى الفيلم الأخير «المتفائل»، فالمذيعة التي تعترف في بداية الفيلم بأنها وقعت في حب البلد الصعب، تكشف قبل نهاية فيلمها، بأن العنف اندلع، حتى في الأماكن التي زارتها أثناء التصوير، والتي تعد من الأماكن الآمنة نسبياً، ليزيد هذا من الخوف من المستقبل القاتم الذي ينتظر البلد بعد انسحاب القوات الأجنبية.